إن كانت القوة العسكرية هي التي كانت تؤثر بقوة في العالم وتغير من واقع الشعوب في العقود الماضية، فإن التأثير حالياً يتمثل في الإعلام بمختلف أنواعه باعتباره «القوة الناعمة» التي تصل للجميع وتؤثر فيه وتملك قوة قد تفوق قوة الأنظمة والحكومات حتى، طبعاً نعني قوة التأثير وتشكيل الأفكار والتوجهات.
هذه القوة هي التي تفشل المجتمعات العربية في الاستفادة منها، بل على العكس كرست عديد من الأنظمة جهودها للسيطرة على الإعلام وتحييده بحيث أصبح أداة لا تمتلك قوة التأثير.
الإعلام التقليدي نفسه يعيش في حالة تهديد بسبب طغيان وسائل التواصل الاجتماعي التي منحت الفرصة لتحويل كل شخص لإعلامي ومراسل وناقل للمعلومة، طبعاً بتباين مستوى الحيادية والمصداقية، بالتالي الحل ليس بفرض مزيد من القيود بقدر ما هو يتمثل بالاستخدام الأمثل للإعلام بمختلف أنواعه والاستفادة منه في إبراز الحقائق ونشر الوعي وتنمية العقول.
هناك من استخدم الإعلام لأغراض ليست سوية فقط لتنفيذ أجندة أو بلوغ مآرب وغايات معينة على طريقة وزير الإعلام النازي غوبلز «اكذب ثم اكذب حتى يصدقوك»، وهذا واقع حاصل في كثير من القنوات والمنابر الإعلامية التي تتضح سياساتها من خلال خطاباتها.
البحرين ومجتمعها من الأطراف التي تأثرت بالثورة الإعلامية وتحديداً بزوغ نجم الإعلام الجديد، ورغم ذلك فإن الاستفادة من سلاح الإعلام وتطوير الطاقات بناء على متطلبات المرحلة لم يكن بالأداء المطلوب، خاصة وأن التحدي الذي تواجهه البحرين يتمثل بوجود إعلام مؤدلج تحركه أجندتها الطائفية هدفه تسويق الكذب والمغالطات في الخارج لتشويه صورة البلد.
أمس أصدر جلالة الملك مرسوماً بتشكيل الهيئة العليا للإعلام والاتصال برئاسة سمو الشيخ عبدالله بن حمد، وهي هيئة أراها بحسب الدور المفترض أن تضطلع به تمثل هيئة تخطيط استراتيجي للمنظومة الإعلامية وممارساتها بما يوجهها للاستفادة من القوة الناعمة ووضعها موضع الممارسة الصحيحة.
إن كانت من جيوش مؤثرة اليوم فهي الجيوش الإعلامية التي تتحرك من منطلق قضية عادلة مؤمنة بها، واليوم البحرين تمتلك مثل هذه القضية المتمثلة بالتصدي لمن يهدد أمنها القومي ويشوه تاريخها ومنجزاتها عبر استخدام السلاح نفسه.
تحتاج البحرين اليوم لتطوير منظومتها الإعلامية لتمارس دوراً أكثر فعالية ولتمتلك صوتاً قوياً مؤثراً يدافع عن الوطن في كل المواقع والمحافل، وهذا لا يتأتى إلا عبر البحث عن كوادر واعدة تمتلك المقومات والمعرفة ويتم العمل على تطويرها لتكون باكورة جيش إعلامي يتحرك باستراتيجية وطنية للدفاع عن بلده.
التطوير لا يكون عبر الشاشة والأثير فقط، بل أيضاً في كل قالب له علاقة بالإعلام، وهنا ألفت الانتباه لدور مهم يفترض أن تضطلع به سفارات المملكة في الخارج من خلال وجود ملاحق إعلامية مؤهلة قادرة على تصحيح المغالطات وفي جانب آخر تقدم الصورة الحقيقية الشفافة للحراك الحضاري والتنموي في البحرين، بالتالي أتمنى من الهيئة الاهتمام بهذا الجانب خاصة وأن بعض سفاراتنا في دول هامة لا يوجد فيها من يسد هذا النقص. في بريطانيا مثلاً تفتقر البحرين لوجود ملحق إعلامي لقرابة سنة حتى الآن، ونفس الحال ينسحب على سفارتنا في الولايات المتحدة الأمريكية.
أثق بأن المرسوم الملكي الصادر عن جلالة الملك جاء بسبب الإيمان الكامل بأهمية الإعلام ووسائل الاتصال ما يجعل الهيئة أمام تحد صعب لكن غير مستحيل للتعامل مع القوة الناعمة ووضعها موضع الاستخدام الصحيح.
الإيجابي بأن البحرين تمتلك طاقات وكوادر شابة يمكن التعويل عليها والاستفادة من نشاطها والأهم وطنيتها في تعزيز هذا التوجه عبر تأهيلها ومنحها الفرصة، ومواقع التواصل الاجتماعي بإمكانها الكشف عن كثير من هؤلاء الشباب.
لا تعطني سلاحاً لكن أعطني إعلاماً مخلصاً قوياً يكون قادراً على تحويل الكلمة إلى أمضى سلاح.
كل التوفيق نتمناه لسمو الشيخ عبدالله في هذه المهمة بأمل أن نرى نهوضاً وتطويراً مؤثراً في المنظومة الإعلامية بما يخدم البحرين في مواجهة ما يحيط بها من مؤامرات واستهدافات.