أمام البحرين اليوم عدد لا يستهان به من التجارب الإقليمية والدولية وخياران اثنان لا ثالث لهما.
تجارب أفرزت دولاً وقفت في مصاف دول العالم المحترمة، وأثبتت أن الأحلام قد تصبح حقائق في غضون سنوات، وأن دولاً لم يكن يذكرها أحد تحولت إلى أساطير تتغنى بها الدنيا، كما حدث في سنغافورة، التي تصغر مساحتها مساحة البحرين، وتتعدد عرقياتها وألوانها ومذاهبها. كذلك الأمر بالنسبة للبرازيل التي استطاعت الخروج من نفق الديون والتضخم ومحت بجهد وبإخلاص صورة نمطية رافقت خيالاتها المأساوية مخيلة أبناء جيلنا، حين قرأنا عن موت نصف سكانها في القرون الماضية نتيجة ما عرف بالجفاف العظيم، ثم ارتبطت بصورة أخرى شهيرة لدولة تفوز في معارك كرة القدم بينما تخسر معارك الحياة والتفوق، حيث يهزم الفقر والبؤس إنسانها في مدن الصفيح، وها هي اليوم تحرز تقدماً أسطورياً إلى حد كبير، وهي تفرض نفسها على العالم اقتصادياً، حيث تحل في المرتبة الثامنة في قائمة الدول الصناعية الكبرى وتحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مؤشر الثقة للاستثمار الأجنبي والبيئة الأمنية، وأحرزت مرتبة متقدمة جداً في ترتيب الدول المالكة للقطع الأجنبي.
ولم يتوقف التميز البرازيلي عند هذه الحدود؛ بل لامس جوانب شتى، فأصبحت مهمة مزاحمة المجتمع المدني البرازيلي في المحافل الدولية مهمة شاقة، وأصبح صوتها مسموعاً في الكثير من القضايا الدولية بعد أن كانت البرازيل مجرد دولة هامشية لا يكاد يكون لها ذكر في الثمانينات من القرن الماضي.
الأمر لا يختلف كثيراً بالنسبة للهند التي أحرزت تقدماً كبيراً زاده التنوع الثقافي والاجتماعي والديني جمالاً وأظهره أكثر تناغماً، وصور الهند الحديثة منسجمة مع نفسها وقادرة على تجاوز الأعراض الجانبية الناجمة عن هذا التنوع والثراء بإشغال هذا الكم من البشر بالتقدم والتنمية والبحث عن الفرص.
ولكن أمام البحرين دولاً أخرى تقدم تجارب مختلفة في الانقسام والتشرذم والتناحر والفقر والتدخل الأجنبي؛ أمامنا لبنان الذي عجزت تجربته الوطنية عن الخروج من أجواء الحرب الأهلية وفرض إرادة الأطراف بالسلاح، فأصبح مجرد حدث وطني عرضي، كتشكيل الحكومة أو الانتخابات البلدية، لا يتم إلا بتوافق الدول ذات المصلحة.
ثاني تلك الأمثلة سوريا؛ التي لا تعرف ماذا سيكون مستقبلها وكم من العقود ستحتاج لتعود إلى الخارطة بالحد الأدنى من السيادة والاستقلال، ولا يستطيع أحدٌ التكهن بشكل خريطتها التي لا يبدو أنها ستشبه الخريطة التي عرفناها وألفناها بعد حديث دولي عن التقسيم الطائفي والعرقي، كذلك ليبيا التي لا تختلف عن باقي شقيقاتها في الخريطة العربية، والسودان الذي كان أول من سن سنن التقسيم المنظم والذي تتزاحم عليه أسماء دويلات الطوائف السودانية؛ دولة جنوب السودان ودولة دارفور ودولة كردفان، والله وحده يعلم متى ستتوقف عملية التكاثر الانشطـاري تلك.
لدينا 3 تجارب أخرى شهيرة في هذا المضمار من الإجحاف التغاضي عنها والتجاوز عن ذكرها وهي؛ أفغانستان والصومال والعراق، والتي أصبحت نماذج لدول تنازعت ففشلت ثم ذهبت ريح التوافق الوطني فيها واكتسحت بجدارة المراتب الأولى في سلم الدول الفاشلة.
نحن نتلفت حولنا اليوم ونعلم أننا مجبرون على الاختيار!
ماذا سنختار لبلادنا ومستقبل أبنائنا وأجيالنا القادمة التوافق؛ الاستماع لصوت العقل وتقديم التنازلات من كافة الأطراف للوصول إلى حلول تمكننا من العمل سوية من أجل البحرين.. أم سنختار التشنج واستنساخ تجارب دموية لن يتحملها كياننا الصغير وسيدفع الجميع أكلافه الباهظة وطنياً وتاريخياً؟!