تشكل زيارة الرئيس المصري، عدلي منصور، إلى الرياض وعمان خطوة مهمة للمباشرة بإعادة ترتيب البيت العربي، الذي حاولت دول غربية وإقليمية زجه بين فكي كماشة، أي بين نظام المرشد الإيراني المتمادي في تدخلاته التخريبية، ونظام مكتب الإرشاد الذي أراد الإخوان المسلمون في مصر وكلفوا أن يجعلوا منه إدارة إقليمية.
خادم الحرمين الشريفين تعمد خلال استقباله منصور تكرار القول إن السعودية تقف حكومة وشعباً مع مصر ضد الإرهاب والضلال والفتنة وتجاه كل من يحاول المساس بشؤونها الداخلية، وهو ما شكل استعادة واضحة لفحوى خطابه التاريخي غداة أحداث 30 يونيو، عندما كانت مصر مهددة بالانزلاق إلى حرب أهلية، فوقف محذراً: «ليعلم كل من تدخل في شؤون مصر الداخلية أنهم بذلك يوقدون نار الفتنة ويؤيدون الإرهاب الذي يدعون محاربته، آملاً منهم العودة إلى رشدهم قبل فوات الأوان، فمصر العروبة والتاريخ لن يغيرها موقف هذا أو ذاك...».
من خلال الواقع العربي الراهن والمأزوم وقياساً بالفوضى المقلقة الضاربة من المغرب العربي إلى العراق مروراً بسوريا ولبنان، يشكل تفعيل التعاون والتكاتف بين السعودية ومصر، خشبة خلاص ومدخلاً إلى رسم خريطة لوقف الانهيارات ومنع العبث بمقدرات المنطقة؛ ففي النهاية السعودية ومصر هما قطبا العلاقات والتفاعلات في النظام الإقليمي العربي، وعليهما يقع العبء الإقليمي العربي لإحياء مسارات التضامن، توصلا إلى الأهداف التي تتطلع إليها الشعوب العربية، كذلك أن وحدة الهدف وتضافر المصالح الوطنية بينهما، هما القاعدة التي يقوم عليها شعار أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
محادثات منصور في السعودية والأردن لم تتوقف على إعادة وصل ما حاول «الإخوان» قطعه منذ وصولهم إلى السلطة، فقد أوضح في حديثه إلى «الشرق الأوسط» أنهـــا «زيارة شكر وتقدير»، لكنها ستركز على تفعيل الشراكة والتعاون بين البلدين على الصعد كافة وعلى إعادة تفعيل عمل اللجان المشتركة، وأن الدعم السعودي والإماراتي والكويتي الذي تلقته مصر لم يرتبط بأي اشتراطات أو مطالب، في حين وصل الابتزاز بأمريكا إلى حد التهديد بحجب المساعدات (1.3 مليار دولار) عن مصر، لأنها انقلبت على «الإخوان» بعدما فشلوا في إدارة البلد وانغمسوا في خطة لأخونة الدولة تبين أنها تحظى بمباركة إسرائيلية، فقد ظهرت عناوينها باكرا في رسالة «الصديق الوفي محمد مرسي إلى صديقه المخلص شيمعون بيريس»!
المخطط لم يكن يقتصر على أخونة مصر، بل على دفع المنطقة كلها إلى الأخونة لتغرق في صراعين؛ الأول عندما تقع بين فكي كماشة المرشد الإيراني في الشمال الشرقي وكماشة مكتب الإرشاد الإخواني في الجنوب الغربي، والثاني عندما تقع في الفوضى والحروب الأهلية، وفي هذا السياق تحديداً قال عبد الفتاح السيسي يوم الاثنين الماضي لصحيفة «المصري اليوم» إن مصر كانت على شفير حرب أهلية بعدما تمادى مرسي و«الإخوان» في تغليب مصلحتهم على مصلحة الوطن!
قيل الكثير عن أن مراهنة أمريكا على «الإخوان» تقرب من المؤامرة، فها هو الإخواني السابق ثروت الخرباوي يعترف بأن واشنطن دعمتهم عشية الانتخابات بمليار ونصف المليار من الدولارات، وعندما قال ميت رومني لأوباما: «عيب عليكم دعم (الإخوان) بالمليـــارات» رد عليــــه: «إنهــا أموال لدعم التحول الديمقراطي ولدعم اختيار الشعب المصري». أما صحيفة «واشنطن بوست»، فسبق أن تحدثت عن سلسلة من الزيارات قام بها جون كيري وجون ماكين ومايكل بوزنر إلى القاهرة، لوضع الترتيبات لإرساء «الشرق الأوسط الإسلامي الجديد»، انطلاقا من تمكين «الإخوان»، بما يؤدي إلى تأجيج التناقضات الإقليمية وبث روح الانقسامات الداخلية، وكل ذلك على قاعدة أن «الإخوان» ينظرون إلى السلطة بمعايير آيديولوجية مغلقة لا تقيم وزناً للمصالح الوطنية ولا للمفاهيم القومية، وهو ما يريح إسرائيل، لأنه يذيب قضية فلسطين!
في 4 أكتوبر، قال رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق في الجيش الأمريكي، الجنرال هيو شيلتون، لشبكة «فوكس نيوز»، صراحة ومباشرة، إن أوباما تآمر لقلب الوضع في البحرين منذ عام 2011 على قاعدة أن انهيارها سيؤدي إلى تحكم الشركات الغربية في نفط المنطقة، لكن الملك حمد وتدخل دول «مجلس التعاون الخليجي» بمبادرة جسورة من الرياض أفشلا المؤامرة، أما فيما يتعلق بمصر فقال بالحرف: «أنا أتصور أن السيسي نجح في إسقاط مشروع الشرق الأوسط الجديد»!
على هذا الأساس، يشكل التعاون بين مصر ودول «مجلس التعاون الخليجي» قاعدتي الجسر، الذي يفترض أن تقوم عليه عملية إنقاذ واستنهاض وترتيب أوضاع البيت العربي!
عن «الشرق الأوسط» السعودية