نشر عدد من أجهزة الإعلام الغربية والعربية التقرير الذي وضعه المؤرخ والأكاديمي «الإسرائيلي» آفنر كوهين حول مداولات المسؤولين «الإسرائيليين» الكبار بصدد استخدام القنبلة الذرية ضد الدول العربية خلال اليوم الثاني من حرب أكتوبر. جاء في التقرير أن وزير الدفاع «الإسرائيلي» آنذاك، موشيه دايان، حاول أن يقنع رئيسة الحكومة غولدا مائير بالتحضير لاستخدام القنبلة إذا «سقط الهيكل الإسرائيلي الثالث»، أي إذا خسرت «إسرائيل» الحرب. كذلك جاء في التقرير أيضاً أن إيغال آلون، نائب رئيس الحكومة، وإسرائيل غاليلي، الوزير بلا وزارة والمقرب إلى مائير اللذين حضرا اللقاء، عارضا اللجوء إلى هذا التدبير، وبعد التداول في الأمر انحازت مائير إلى الوزيرين وطلبت من دايان نسيان اقتراحه. ولكن دايان الذي كان عائداً لتوه من الجبهة السورية والذي كان يعتقد استناداً إلى متابعاته لتطور القتال أن «إسرائيل» مهددة بالزوال، أبلغ المشتركين في اللقاء أنه غير مقتنع بالتخلي عن الخيار النووي، ولكنه ينزل عند رأي الأكثرية.
ما يلفت النظر في هذه الرواية أن مائير طلبت من دايان أن «ينسى اقتراحه»، ولكنها لم تفسر موقفها هذا ولا تطرقت إلى أي مبرر أخلاقي في مناقشتها للاقتراح. ولم يكن في رد فعلها هذا أية إشارة تدل على استبعاد قبول اقتراح دايان إذا ما ساءت الأحوال. بالمقارنة مع مائير، فإن غاليلي وآلون لم يعارضا اقتراح دايان من حيث المبدأ، ولكنهما عارضاه على أساس أن «إسرائيل» لا تعاني خطراً داهماً وعلى أساس أنها، في تلك اللحظة، كانت قادرة على صد الهجوم المصري -السوري- العربي عبر استخدام السلاح التقليدي. أي أن هذا الموقف الذي أثر في موقف مائير، كان قابلاً للتغير وللانتقال من معارضة مقترح دايان إلى الموافقة عليه، فيما لو رجحت كفة العرب بصورة حاسمة على كفة «إسرائيل»، وبالتالي احتمال إلحاق هزيمة شاملة بها.
جدير بالذكر أيضاً، أن هذه الرواية التي نقلها كوهين عن أرنان ازارياهو، السكرتير المقرب إلى إسرائيل غاليلي، لم تكن الوحيدة من نوعها، بل هناك روايات عدة أتى بها مؤرخون وصحافيون «إسرائيليون» وغير «إسرائيليين»، تؤكد أن الزعماء «الإسرائيليين» بحثوا خلال حرب أكتوبر 1973 الخيار النووي.
ومن الملاحظ أن التقرير لا يأتي بخبر جديد كلياً عندما يتحدث عن امتلاك «إسرائيل» لأسلحة الدمار الشامل وعن امتلاكها السلاح الذري تحديداً. لقد أكده أيهود أولمرت، رئيس الحكومة «الإسرائيلية» الأسبق إبان زيارة قام بها لألمانيا في نهاية عام 2006، وأكده أيضاً روبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي عام 2007، بالاستناد إلى تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية. كل ذلك يؤكد، امتلاك «إسرائيل» لترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل المهيأة للاستخدام ضد العرب وضد دول وشعوب أخرى في المنطقة مثل إيران وتركيا. كذلك نشرت مجلة «فورين بوليسي» خلال شهر سبتمبر الفائت تقريراً صادراً عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية يقول إن «إسرائيل» تمتلك مخزوناً واسعاً من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، كما جاء في دراسات سابقة نشرها علماء ومؤرخون غربيون وعرب، مثل المؤرخ الفلسطيني البارز سليمان أبو ستة، تقول إن المنظمات الصهيونية العسكرية ومنها «الهاغاناه» التي شكلت نواة الجيش «الإسرائيلي» استخدمت الأسلحة الجرثومية ضد الفلسطينيين حتى قبل قيام الكيان العبري عام 1948.
إن أسلحة الدمار الشامل «الإسرائيلية» لا تهدد دول المنطقة في أمنها وفي حالات الحرب والصراع المسلح فحسب، بل تهددها كما هو بديهي كل شأن معيشي آخر وحتى في أوقات السلم والهدوء النسبي في العلاقات العربية - «الإسرائيلية». يعود هذا بالدرجة الأولى إلى التدهور الجلي في الأوضاع العربية خاصة على صعيد الأمن الوطني والإقليمي العربيين بحيث تراجعت قدرة الدول العربية على حماية مصالحها، ليس فقط في مواجهة «إسرائيل» بل حتى في مواجهة لاعبين لا يملكون ما تملكه من قدرات عسكرية. هكذا تمكن هؤلاء من أن يفرضوا على دول عربية مثل العراق وسوريا التخلي عن الهوية الجامعة التي تربطها بدول المنطقة الأخرى، ويسلبوها بالتالي أحد العوامل المهمة التي تحفزها إلى التضامن والتعاون من أجل صيانة حقوقها ومصالحها المشروعة. إذا كان هذا شأن اللاعبين الذين لا يملكون أسلحة الدمار الشامل، فإنه من البديهي أن تمتلك «إسرائيل» قدرة أكبر على ابتزاز الدول العربية وعلى إجبارها على التخلي عن شتى العناصر والأسباب التي توفر لها القدرة، ولو المحدودة، على حماية حقوق شعوبها من الانتهاك والاستباحة. تأسيساً على ذلك، فإنه من الواجب التنبيه إلى خطر تفويت فرصة مهمة لتجديد المطالبة بتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل (المنطقة). وترتكز هذه الفرصة إلى العاملين التاليين:
أولاً؛ نشر وتداول المعلومات المشار إليها أعلاه حول القنبلة الذرية «الإسرائيلية» والأنواع الأخرى من أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها «إسرائيل»، والتنبيه إلى أخطار سلاح الدمار الشامل «الإسرائيلي» ليس فقط على أمن العرب والمنطقة، وإنماً أيضاً على الأمن الدولي.
ثانياً؛ إن نشر هذه المعلومات يأتي متزامناً مع القرار الدولي بإتلاف السلاح الكيماوي السوري، وكذلك مع الحملة على طهران من أجل منعها من تنفيذ برنامج نووي يسمح لها بإنتاج القنبلة الذرية. إن مقتضيات العدالة الدولية تفرض أن تأتي هذه الحملات في سياق إقامة (المنطقة)، وأن تتضمن القرارات الأممية نصاً صريحاً بذلك. لقد تضمن القرار الأممي رقم 687 الخاص بتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية نصاً يقول إنه خطوة على طريق إقامة (المنطقة). ويمكن إضافة مثل هذا النص إلى أي قرار يتناول أسلحة الدمار الشامل في أي بلد عربي أو شرق أوسطي آخر.
إن تجديد طرح تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل سوف يتحول إلى فرصة مهمة للكشف عن مواقف بعض الدول الكبرى تجاه المنطقة العربية. إن أحزاباً وجماعات كثيرة في هذه الدول تطالب حكوماتها بالتدخل المباشر في المنطقة العربية بقصد حماية شعوب المنطقة وضمان العدالة لها. إذا كان هذا فعلاً ما ترغب فيه وتسعى إليه انطلاقاً من موجبات التضامن الأممي، فإن هذه الأحزاب والجماعات سوف تتمكن من الإفصاح والتأكيد على سلامة نواياها إذا أيدت الدعوة إلى إقامة (المنطقة). أما إذا عارضت هذه الأحزاب والجماعات هذه الدعوة، فإنه من حق شعوب المنطقة أن تنظر إلى مواقف هذه الأحزاب والجماعات الداعية إلى التدخل في المنطقة العربية بعين الشك والحذر.
- عن «الخليج» الإماراتية
ما يلفت النظر في هذه الرواية أن مائير طلبت من دايان أن «ينسى اقتراحه»، ولكنها لم تفسر موقفها هذا ولا تطرقت إلى أي مبرر أخلاقي في مناقشتها للاقتراح. ولم يكن في رد فعلها هذا أية إشارة تدل على استبعاد قبول اقتراح دايان إذا ما ساءت الأحوال. بالمقارنة مع مائير، فإن غاليلي وآلون لم يعارضا اقتراح دايان من حيث المبدأ، ولكنهما عارضاه على أساس أن «إسرائيل» لا تعاني خطراً داهماً وعلى أساس أنها، في تلك اللحظة، كانت قادرة على صد الهجوم المصري -السوري- العربي عبر استخدام السلاح التقليدي. أي أن هذا الموقف الذي أثر في موقف مائير، كان قابلاً للتغير وللانتقال من معارضة مقترح دايان إلى الموافقة عليه، فيما لو رجحت كفة العرب بصورة حاسمة على كفة «إسرائيل»، وبالتالي احتمال إلحاق هزيمة شاملة بها.
جدير بالذكر أيضاً، أن هذه الرواية التي نقلها كوهين عن أرنان ازارياهو، السكرتير المقرب إلى إسرائيل غاليلي، لم تكن الوحيدة من نوعها، بل هناك روايات عدة أتى بها مؤرخون وصحافيون «إسرائيليون» وغير «إسرائيليين»، تؤكد أن الزعماء «الإسرائيليين» بحثوا خلال حرب أكتوبر 1973 الخيار النووي.
ومن الملاحظ أن التقرير لا يأتي بخبر جديد كلياً عندما يتحدث عن امتلاك «إسرائيل» لأسلحة الدمار الشامل وعن امتلاكها السلاح الذري تحديداً. لقد أكده أيهود أولمرت، رئيس الحكومة «الإسرائيلية» الأسبق إبان زيارة قام بها لألمانيا في نهاية عام 2006، وأكده أيضاً روبرت غيتس، وزير الدفاع الأمريكي عام 2007، بالاستناد إلى تقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية. كل ذلك يؤكد، امتلاك «إسرائيل» لترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل المهيأة للاستخدام ضد العرب وضد دول وشعوب أخرى في المنطقة مثل إيران وتركيا. كذلك نشرت مجلة «فورين بوليسي» خلال شهر سبتمبر الفائت تقريراً صادراً عن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية يقول إن «إسرائيل» تمتلك مخزوناً واسعاً من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، كما جاء في دراسات سابقة نشرها علماء ومؤرخون غربيون وعرب، مثل المؤرخ الفلسطيني البارز سليمان أبو ستة، تقول إن المنظمات الصهيونية العسكرية ومنها «الهاغاناه» التي شكلت نواة الجيش «الإسرائيلي» استخدمت الأسلحة الجرثومية ضد الفلسطينيين حتى قبل قيام الكيان العبري عام 1948.
إن أسلحة الدمار الشامل «الإسرائيلية» لا تهدد دول المنطقة في أمنها وفي حالات الحرب والصراع المسلح فحسب، بل تهددها كما هو بديهي كل شأن معيشي آخر وحتى في أوقات السلم والهدوء النسبي في العلاقات العربية - «الإسرائيلية». يعود هذا بالدرجة الأولى إلى التدهور الجلي في الأوضاع العربية خاصة على صعيد الأمن الوطني والإقليمي العربيين بحيث تراجعت قدرة الدول العربية على حماية مصالحها، ليس فقط في مواجهة «إسرائيل» بل حتى في مواجهة لاعبين لا يملكون ما تملكه من قدرات عسكرية. هكذا تمكن هؤلاء من أن يفرضوا على دول عربية مثل العراق وسوريا التخلي عن الهوية الجامعة التي تربطها بدول المنطقة الأخرى، ويسلبوها بالتالي أحد العوامل المهمة التي تحفزها إلى التضامن والتعاون من أجل صيانة حقوقها ومصالحها المشروعة. إذا كان هذا شأن اللاعبين الذين لا يملكون أسلحة الدمار الشامل، فإنه من البديهي أن تمتلك «إسرائيل» قدرة أكبر على ابتزاز الدول العربية وعلى إجبارها على التخلي عن شتى العناصر والأسباب التي توفر لها القدرة، ولو المحدودة، على حماية حقوق شعوبها من الانتهاك والاستباحة. تأسيساً على ذلك، فإنه من الواجب التنبيه إلى خطر تفويت فرصة مهمة لتجديد المطالبة بتحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل (المنطقة). وترتكز هذه الفرصة إلى العاملين التاليين:
أولاً؛ نشر وتداول المعلومات المشار إليها أعلاه حول القنبلة الذرية «الإسرائيلية» والأنواع الأخرى من أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها «إسرائيل»، والتنبيه إلى أخطار سلاح الدمار الشامل «الإسرائيلي» ليس فقط على أمن العرب والمنطقة، وإنماً أيضاً على الأمن الدولي.
ثانياً؛ إن نشر هذه المعلومات يأتي متزامناً مع القرار الدولي بإتلاف السلاح الكيماوي السوري، وكذلك مع الحملة على طهران من أجل منعها من تنفيذ برنامج نووي يسمح لها بإنتاج القنبلة الذرية. إن مقتضيات العدالة الدولية تفرض أن تأتي هذه الحملات في سياق إقامة (المنطقة)، وأن تتضمن القرارات الأممية نصاً صريحاً بذلك. لقد تضمن القرار الأممي رقم 687 الخاص بتدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية نصاً يقول إنه خطوة على طريق إقامة (المنطقة). ويمكن إضافة مثل هذا النص إلى أي قرار يتناول أسلحة الدمار الشامل في أي بلد عربي أو شرق أوسطي آخر.
إن تجديد طرح تحويل الشرق الأوسط إلى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل سوف يتحول إلى فرصة مهمة للكشف عن مواقف بعض الدول الكبرى تجاه المنطقة العربية. إن أحزاباً وجماعات كثيرة في هذه الدول تطالب حكوماتها بالتدخل المباشر في المنطقة العربية بقصد حماية شعوب المنطقة وضمان العدالة لها. إذا كان هذا فعلاً ما ترغب فيه وتسعى إليه انطلاقاً من موجبات التضامن الأممي، فإن هذه الأحزاب والجماعات سوف تتمكن من الإفصاح والتأكيد على سلامة نواياها إذا أيدت الدعوة إلى إقامة (المنطقة). أما إذا عارضت هذه الأحزاب والجماعات هذه الدعوة، فإنه من حق شعوب المنطقة أن تنظر إلى مواقف هذه الأحزاب والجماعات الداعية إلى التدخل في المنطقة العربية بعين الشك والحذر.
- عن «الخليج» الإماراتية