بغض النظر عن تقييم الموقف السعودي الرافض لقبول عضوية مجلس الأمن، وبغض النظر عن جدوى اتخاذ هذا الموقف في ظل طبيعة نظام مجلس الأمن الذي يمنح الأعضاء الخمسة الكبار، فقط دون سواهم، حق الحسم لكل القضايا الدولية والتفاوض عليها. وبغض النظر عن وجهة النظر الأخرى التي ترى أن تعبير السعودية عن مواقفها من داخل مجلس الأمن سيكون أكثر وضوحاً وأبلغ دلالة من انسحابها منه. فإن ارتفاع صوت السعودية في أكثر من قضية مؤشر أنها بدأت تعيد النظر في تحالفاتها مع الغرب، وأنها بدأت تُلَوّح بإمكانية إدارة ظهرها شرقاً وجنوباً إذا استدعت مصالحها ذلك.
موقف السعودية المنقلب على الغرب، صدر بعد سلسلة سياسات خذل فيها الغرب، وأمريكا تحديداً، حلفاءهم في الشرق، والسعودية تحديداً، فموقف الغرب الداعم لبعض الاضطرابات الداخلية في كثير من الدول العربية، ومنها البحرين، بدعاوى دعم الحريات وحقوق الإنسان ونشر الديمقراطية أقلق السعودية على أمنها القومي. والتفاهمات الإيرانية الأمريكية على تقاسم العراق التي دفعت دول الخليج ثمنها باهظاً توشك أن تتكرر بصورة أكثر ابتذالاً في الحالة السورية التي تدخلت فيها دول الخليج بثقلها وتحالفت مع الغرب لحسم الصراع في سوريا ضد الأسد وحلفائه. وهاهي اليوم أمريكا تُفضل التفاوض مع إيران والتفاهم معها على حسمٍ ودي للقضية السورية، وها هي تعد حقائبها لجنيف 2 الذي تقرر عقده مبدئياً في 22 أكتوبر والذي ترفض دول الخليج عقده دون شروط مسبقة!!
وفي الفترة السابقة اتخذت دول الخليج إجراءات عديدة تكشف عن تحول في مواقفها ضد الغرب، كان أولها تضامن منظومة دول الخليج مع البحرين في أحداث فبراير 2011م التي حُسمت بدخول قوات درع الجزيرة لحماية البحرين من أي تطور في الأحداث. ثم موقف السعودية الحاسم في دعم مصر تجاه الأحداث الإرهابية التي رافقت الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي، وما تبع ذلك من إجراءات خليجية ضد التحالف الأمريكي الإخواني في المنطقة، وأخيراً زيارة ملك البحرين للصين وهي الزيارة التي رافقها زخم إعلامي كبير تبشيراً ببدء عهد جديد مع الشرق. الخليج إذن يتجه نحو الشرق ونحو مصر، فلم يعد يأمن على مستقبله وعلى مصيره من البراغماتية الغربية الشرسة والمقلقة في ظل ضعف الداخل العربي وتشابك بعض خيوطه مع المصالح الغربية.
ولكن سيبقى موقف السعودية ودول الخليج احتجاجاً صوتياً ودبلوماسياً غير مؤثر في واقع الأحداث إن هي لم تتجاوزه نحو سلسلة من الإجراءات العملية التي تمنح المواقف الخليجية ثقلاً يُعتد به، فإذا كانت مواقف مجلس الأمن من القضايا العربية مخيبة للآمال فأين هي مواقف مجلس التعاون الخليجي من قضايا مواطني الخليج خاصة والعرب عامة؟! إذا كان مجلس الأمن يعاني من ازدواجية المعايير تجاه العرب، فأين هو دور الدول الخليجية في تطوير الجامعة العربية وإعادة بعث دورها بعد أن تحولت مكاتبها إلى شواهد متعددة لقبر واحد؟! كثيرة هي المواقف العملية التي تنتظرها الشعوب العربية من الحكومات ومن دولة قوية لها ثقلها السياسي الحضاري في الوجدان مثل السعودية، الشعوب العربية تنتظر اتحاداً بين دول الخليج العربي في أي صيغة كان ينتج عنه جوازات سفر موحدة وعملة موحدة وتنسيق اقتصادي وشبكة مواصلات مترابطة. الشعوب العربية تنتظر دفعاً للتكامل الخليجي العربي تستثمر فيه دول الخليج أموالها في المشاريع الاقتصادية العربية «الإنتاجية»، مثل الاستثمار في قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية والصناعات المتعددة واستيفاء دول الخليج احتياجاتها من تلك القطاعات من الدول العربية التي تعاني شُحاً في الموارد وتراجعاً في الاستثمارات.
الشعوب العربية تنتظر مواقف موحدة وإيجابية من القضايا الداخلية مثل دعم الديمقراطيات والتعدديات السياسية والحريات التي إن تمت معالجتها فستحمي الوطن العربي من الهشاشة الخطيرة التي يعاني منها والتي نفذ الغرب إلى عمق قضايانا من خلالها.
ثمة مواقف عديدة تلوح في الأفق حول استفاقة خليجية من غفلة الارتماء في الحلف الغربي، فهل ستُتِم دول الخليج العربي صحوتها وتهب في المضي نحو إصلاحات داخلية وإقليمية تجعل منها قوة سياسية واقتصادية إقليمية يحسب لها الغرب ألف حساب كما يفعل مع إيران؟ أم أنها ستدخل غفوات متعددة بين كل استفاقة وأخرى؟!