بعناوين مختلفة يكرر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الانحناءات الدبلوماسية لطهران بشكل شعائري؛ فمرة يعلن سلمية مشروعها النووي ومرة يمهل الأسد وقتاً إضافياً لقتل شعبه بذريعة البحث عن الحل السلمي الذي تريده طهران، لكن تلك الانحناءات وإن أتت من منطلقات متنوعة وكأنها لمقاصد وغايات متباينة إلا أن ما يجمعها هو المقامرة مع «الـ» التعريف بأرواح السوريين ومستقبل أمن الخليج، فلماذا؟
في مواقف سيارات وزارة الخارجية الأمريكية تستطيع رؤية نيقولا ماكيافيللي يترجل من سيارته حاملاً قدح قهوة ستاربكس الورقي بيد وكتابه الأمير بيده الأخرى. فمن دون مواربة ولا تحفظ قام وزير الخارجية الخارجية الأمريكي جون كيري بتعيين «نيك» كمستشار له؛ بل يتردد أنه كان مستشاره منذ حملته الانتخابية التي خسرها أمام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن 2004 لاستنفاذ كيري كل رصيده من الوسائل المبررة وغير المبررة لوصول الغاية.
ولا يؤمن جون كيري بمنطقية التاريخ؛ لذا شن هجوماً مسعوراً على الرياض إبان حملته الانتخابية، ليس لعيون طهران في ذلك الوقت، بل لإرضاء «أيباك»، فقد كان ماكيافيللي يهمس في أذنه، كما همس من قبل في آذان الطغاة وطلاب السلطة والطموحين من قليلي المواهب، فكيري يحاول الابتعاد عن السياسة التقليدية لواشنطن في اتباع مصالحها، فاتباع المصالح ليس نهجاً جديداً على صانع القرار السياسي في واشنطن، لكن ما يقوم به كيري هو طموح شخصي أكثر منه مصلحة قومية أمريكية، وقد يتناقض ذلك مع مؤسسية صنع القرارات الأمريكية، وذلك صحيح، لكن ما يجري حالياً هو صناعة غريبة بدليل الانتقادات الكثيرة التي تواجهها الإدارة الحالية من عدد لا يستهان به من المشرعين وعلى رأسهم جون مكين.
فهل من مصالح أمريكا العليا قلب العلاقة التقليدية بين الرياض وواشنطن خلال ستة أشهر فقط دون تمهيد أو ذريعة؟ بل ودون الحصول على إذن صريح من برج المراقبة في قم للهبوط في مطار الإمام الخميني الدولي في طهران.
لقد نظرت أكثر من عاصمة خليجية في عيون جون كيري فلم تجد احتراماً للعلاقات الخليج الأمريكية، والتي يجب أن تكون حاضرة عند فتح ملف التقرب من طهران، بل لم تجد مصلحة أمريكية في التخلي عن تعهدها بحفظ أمن الصهاينة -أقرب حلفائها- فيما تلمح لإمكانية إطلاق يد طهران لتكون قوة إقليمية، لقد قرأ الخليجيون في عيون كيري المقامر طموحاً شخصياً لخلق مجد لنفسه يدخله التاريخ الأمريكي الذي كان قاب قوسين أو أدنى من دخوله لو فاز على بوش.
بعد أن عدد ماكيافيللي نصائحه للأمير في كتابه الذي قرأه معظمنا، ختم القول بأن الخطر الأكبر هو عندما يحتل المناصب العليا في الدولة الأشخاص الأكثر نفوذاً لا الأشخاص الأكثر جدارة، وقلة الجدارة والمقامرة والطموح الشخصي مع غياب مصلحة الطرفين هي ما دفع أكثر من عاصمة للاصطدام بسياسة جون كيري من ليبيا لتونس مروراً بالقاهرة وحتى الكيان الصهيوني، لكن أقوى الصفعات هي التي تلقاها في الرياض وتل أبيب.
فمن الخصومات المعلنة لجون كيري؛ امتناع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن مصافحته، حيث دخل نتنياهو مطار تل أبيب ووجد كيري فقال له «انتظر هنا» سأخرج إلى الصحافة وحين فرغ من مهاجمة نية الولايات المتحدة التوقيع على اتفاق مع إيران، وعندما عاد امتنع عن مصافحة كيري الذي سأل نتنياهو حول كيفية إجراء اللقاء فرد نتنياهو بغضب «أجرِه كيفما تشاء»، فلاحظ كيري غضب نتنياهو وطلب من جميع مساعديه مغادرة الغرفة حتى لا يتعرض لمزيد من التوبيخ علناً. ولم تنتهِ إهانات المطارات، ففي الرياض طلب كيري مقابلة الأمير بندر بن سلطان، وكان رد رئيس الاستخبارات السعودي «انتظرني في المطار يمكنك مقابلتي وأنا في طريقي للسفر خارج المملكة» ما صعق المسؤولين الأمريكيين أن لا تكون لكيري أهمية تؤهله للمقابلة.
إن ما يقلقنا أن صفعات المطارات لم تحرك شعرة في رأس جون كيري، لأنه يرى أن هذه الإهانات أصغر من أن تثنيه عن تحقيق مجده الشخصي والمقامرة بأمن الخليج وحياة السوريين لاختراق الجمود في العلاقات الأمريكية الإيرانية ليدخل التاريخ السياسي الأمريكي، كما فعل الداهية هنري كيسنجر، حين فتح ثغرة في سور الصين العظيم عام 1972م.
{{ article.visit_count }}
في مواقف سيارات وزارة الخارجية الأمريكية تستطيع رؤية نيقولا ماكيافيللي يترجل من سيارته حاملاً قدح قهوة ستاربكس الورقي بيد وكتابه الأمير بيده الأخرى. فمن دون مواربة ولا تحفظ قام وزير الخارجية الخارجية الأمريكي جون كيري بتعيين «نيك» كمستشار له؛ بل يتردد أنه كان مستشاره منذ حملته الانتخابية التي خسرها أمام الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن 2004 لاستنفاذ كيري كل رصيده من الوسائل المبررة وغير المبررة لوصول الغاية.
ولا يؤمن جون كيري بمنطقية التاريخ؛ لذا شن هجوماً مسعوراً على الرياض إبان حملته الانتخابية، ليس لعيون طهران في ذلك الوقت، بل لإرضاء «أيباك»، فقد كان ماكيافيللي يهمس في أذنه، كما همس من قبل في آذان الطغاة وطلاب السلطة والطموحين من قليلي المواهب، فكيري يحاول الابتعاد عن السياسة التقليدية لواشنطن في اتباع مصالحها، فاتباع المصالح ليس نهجاً جديداً على صانع القرار السياسي في واشنطن، لكن ما يقوم به كيري هو طموح شخصي أكثر منه مصلحة قومية أمريكية، وقد يتناقض ذلك مع مؤسسية صنع القرارات الأمريكية، وذلك صحيح، لكن ما يجري حالياً هو صناعة غريبة بدليل الانتقادات الكثيرة التي تواجهها الإدارة الحالية من عدد لا يستهان به من المشرعين وعلى رأسهم جون مكين.
فهل من مصالح أمريكا العليا قلب العلاقة التقليدية بين الرياض وواشنطن خلال ستة أشهر فقط دون تمهيد أو ذريعة؟ بل ودون الحصول على إذن صريح من برج المراقبة في قم للهبوط في مطار الإمام الخميني الدولي في طهران.
لقد نظرت أكثر من عاصمة خليجية في عيون جون كيري فلم تجد احتراماً للعلاقات الخليج الأمريكية، والتي يجب أن تكون حاضرة عند فتح ملف التقرب من طهران، بل لم تجد مصلحة أمريكية في التخلي عن تعهدها بحفظ أمن الصهاينة -أقرب حلفائها- فيما تلمح لإمكانية إطلاق يد طهران لتكون قوة إقليمية، لقد قرأ الخليجيون في عيون كيري المقامر طموحاً شخصياً لخلق مجد لنفسه يدخله التاريخ الأمريكي الذي كان قاب قوسين أو أدنى من دخوله لو فاز على بوش.
بعد أن عدد ماكيافيللي نصائحه للأمير في كتابه الذي قرأه معظمنا، ختم القول بأن الخطر الأكبر هو عندما يحتل المناصب العليا في الدولة الأشخاص الأكثر نفوذاً لا الأشخاص الأكثر جدارة، وقلة الجدارة والمقامرة والطموح الشخصي مع غياب مصلحة الطرفين هي ما دفع أكثر من عاصمة للاصطدام بسياسة جون كيري من ليبيا لتونس مروراً بالقاهرة وحتى الكيان الصهيوني، لكن أقوى الصفعات هي التي تلقاها في الرياض وتل أبيب.
فمن الخصومات المعلنة لجون كيري؛ امتناع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو عن مصافحته، حيث دخل نتنياهو مطار تل أبيب ووجد كيري فقال له «انتظر هنا» سأخرج إلى الصحافة وحين فرغ من مهاجمة نية الولايات المتحدة التوقيع على اتفاق مع إيران، وعندما عاد امتنع عن مصافحة كيري الذي سأل نتنياهو حول كيفية إجراء اللقاء فرد نتنياهو بغضب «أجرِه كيفما تشاء»، فلاحظ كيري غضب نتنياهو وطلب من جميع مساعديه مغادرة الغرفة حتى لا يتعرض لمزيد من التوبيخ علناً. ولم تنتهِ إهانات المطارات، ففي الرياض طلب كيري مقابلة الأمير بندر بن سلطان، وكان رد رئيس الاستخبارات السعودي «انتظرني في المطار يمكنك مقابلتي وأنا في طريقي للسفر خارج المملكة» ما صعق المسؤولين الأمريكيين أن لا تكون لكيري أهمية تؤهله للمقابلة.
إن ما يقلقنا أن صفعات المطارات لم تحرك شعرة في رأس جون كيري، لأنه يرى أن هذه الإهانات أصغر من أن تثنيه عن تحقيق مجده الشخصي والمقامرة بأمن الخليج وحياة السوريين لاختراق الجمود في العلاقات الأمريكية الإيرانية ليدخل التاريخ السياسي الأمريكي، كما فعل الداهية هنري كيسنجر، حين فتح ثغرة في سور الصين العظيم عام 1972م.