«أنتم لا تشكلون شيئاً في مواجهة الحكومة»..
قالها قبل أيام رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مخاطبا متظاهري الأنبار بعد أن كان قد وصفهم سابقا بأنهم «فقاعات» وبعد أن هدد القائمين على المظاهرات التي تحركت قبل أسابيع بأن عليهم «إنهاءها قبل أن ينتهوا».
إنها تلك اللغة نفسها التي تكررت في الأعوام الثلاثة الأخيرة حتى باتت رتيبة دون أن يقلل ذلك من خطورتها. فهذه اللغة المستخدمة في مخاطبة مسؤول لمواطنين يفترض أنهم تحت رعايته، تستحضر ذاكرة قريبة لعبارات شهيرة سبق أن قالها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي حين وصف المتظاهرين الليبيين بأنهم «جرذان»..
اللهجة الاستعلائية التي كررها المالكي اقترنت بخطوات أمنية كثيرة منها ما هو دموي واستخباري ومنها ما طال مباشرة الإعلام عبر إقفال عشر فضائيات عراقية اتهمت بأنها غير موضوعية وتروج للفتنة. طبعا لم يشمل قرار الإقفال أي فضائية أو وسيلة إعلام من تلك المحسوبة على النظام والتي انكبت منذ اليوم الأول للمظاهرات على التعامل مع الاحتجاجات بلغة التخوين واتهام المتظاهرين بأنهم بعثيون وقاعديون. ما زاد من تأزم الأمر هو كيفية تعامل الإعلام الرسمي مع قتلى الجيش الذين جرى التمثيل بجثثهم، فقد عرضت قنوات النظام صور القتلى على نحو صادم تكراراً لإثارة المشاعر المذهبية مع إغفال شبه كامل للقتلى والجرحى الذين سقطوا من المتظاهرين..
صحيح أن الإعلام الداعم للمتظاهرين كان يضخ اتهامات وتحريضاً أيضاً من خلال وصفه الجيش بأنه «صفوي» ومن خلال مضامين مذهبية وطائفية كثيرة، لكن تحول السلطة إلى طرف أهلي ومذهبي هو أكثر فداحة. والصحيح أيضاً أن إقفال عشر فضائيات لن يجفف منابع الاحتقان على ما قال أحد المسؤولين العراقيين حين برر خطوة إقفال تلك الفضائيات؛ إذ بدا اختصار المشكلة وإحالتها على أداء الإعلام حجة سريعة ممجوجة يلجأ إليها عادة من يفتقر إلى الحكمة ويسعى إلى التغطية على ارتكاباته. وهنا لا يعد حصر المشكلة بأنها إعلام متفلت وخارج عن الضبط سوى محاولة ممجوجة لتحويل الأنظار عن الجوهر الحقيقي للمأزق العراقي الراهن. ولعل إقفال القنوات المعارضة للمالكي هو نوع من الاستعاضة عن مواجهة الواقع بشكل مباشر.. فالإعلام يظهّر الانقسام لكن السياسة هي من تحدثه وهي من تسببه. وتبسيط المسألة بصفتها ضخاً إعلامياً هو نوع من الهروب من الحقائق الكبرى التي تثقل على العراق اليوم.
صحيح أنه لا أحد مبرأ من الدم العراقي المسال وأن المعارضة لم توفر كلاماً طائفياً لكن السلطة هي المسؤولة بالدرجة الأولى.. فالسلطة حين تصبح طائفية وتمارس سياسة تحت هذا العنوان وحين تندرج في مواجهات إقليمية بمضمون طائفي يصبح من الصعب ضبط المواجهة. وهنا يكون الحل بأن الإعلام هو المسؤول عن التجييش.. ثم تأتي خطوة الإقفال محملة بمضمون طائفي أيضا فينجم عن ذلك مزيد من الاحتقان.
عن «الشرق الأوسط» اللندنية
{{ article.visit_count }}
قالها قبل أيام رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي مخاطبا متظاهري الأنبار بعد أن كان قد وصفهم سابقا بأنهم «فقاعات» وبعد أن هدد القائمين على المظاهرات التي تحركت قبل أسابيع بأن عليهم «إنهاءها قبل أن ينتهوا».
إنها تلك اللغة نفسها التي تكررت في الأعوام الثلاثة الأخيرة حتى باتت رتيبة دون أن يقلل ذلك من خطورتها. فهذه اللغة المستخدمة في مخاطبة مسؤول لمواطنين يفترض أنهم تحت رعايته، تستحضر ذاكرة قريبة لعبارات شهيرة سبق أن قالها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي حين وصف المتظاهرين الليبيين بأنهم «جرذان»..
اللهجة الاستعلائية التي كررها المالكي اقترنت بخطوات أمنية كثيرة منها ما هو دموي واستخباري ومنها ما طال مباشرة الإعلام عبر إقفال عشر فضائيات عراقية اتهمت بأنها غير موضوعية وتروج للفتنة. طبعا لم يشمل قرار الإقفال أي فضائية أو وسيلة إعلام من تلك المحسوبة على النظام والتي انكبت منذ اليوم الأول للمظاهرات على التعامل مع الاحتجاجات بلغة التخوين واتهام المتظاهرين بأنهم بعثيون وقاعديون. ما زاد من تأزم الأمر هو كيفية تعامل الإعلام الرسمي مع قتلى الجيش الذين جرى التمثيل بجثثهم، فقد عرضت قنوات النظام صور القتلى على نحو صادم تكراراً لإثارة المشاعر المذهبية مع إغفال شبه كامل للقتلى والجرحى الذين سقطوا من المتظاهرين..
صحيح أن الإعلام الداعم للمتظاهرين كان يضخ اتهامات وتحريضاً أيضاً من خلال وصفه الجيش بأنه «صفوي» ومن خلال مضامين مذهبية وطائفية كثيرة، لكن تحول السلطة إلى طرف أهلي ومذهبي هو أكثر فداحة. والصحيح أيضاً أن إقفال عشر فضائيات لن يجفف منابع الاحتقان على ما قال أحد المسؤولين العراقيين حين برر خطوة إقفال تلك الفضائيات؛ إذ بدا اختصار المشكلة وإحالتها على أداء الإعلام حجة سريعة ممجوجة يلجأ إليها عادة من يفتقر إلى الحكمة ويسعى إلى التغطية على ارتكاباته. وهنا لا يعد حصر المشكلة بأنها إعلام متفلت وخارج عن الضبط سوى محاولة ممجوجة لتحويل الأنظار عن الجوهر الحقيقي للمأزق العراقي الراهن. ولعل إقفال القنوات المعارضة للمالكي هو نوع من الاستعاضة عن مواجهة الواقع بشكل مباشر.. فالإعلام يظهّر الانقسام لكن السياسة هي من تحدثه وهي من تسببه. وتبسيط المسألة بصفتها ضخاً إعلامياً هو نوع من الهروب من الحقائق الكبرى التي تثقل على العراق اليوم.
صحيح أنه لا أحد مبرأ من الدم العراقي المسال وأن المعارضة لم توفر كلاماً طائفياً لكن السلطة هي المسؤولة بالدرجة الأولى.. فالسلطة حين تصبح طائفية وتمارس سياسة تحت هذا العنوان وحين تندرج في مواجهات إقليمية بمضمون طائفي يصبح من الصعب ضبط المواجهة. وهنا يكون الحل بأن الإعلام هو المسؤول عن التجييش.. ثم تأتي خطوة الإقفال محملة بمضمون طائفي أيضا فينجم عن ذلك مزيد من الاحتقان.
عن «الشرق الأوسط» اللندنية