على المتابع لما يحصل في «المسلسل الطويل» المتعلق بالحوار أن يكون منتبهاً وواعياً لما تحاول الجمعيات المعارضة أن تقره من خلال الحوار كأساس وأرضية ستبني عليها أموراً أكثر خطورة في المستقبل تمهيداً للاستحواذ على كل شيء لاحقاً في هذا البلد.
تعطيل جلسات الحوار مسألة بتنا نعرف كيف تتم ولماذا، وفكرة الانسحاب منه لن تكون واردة أبداً من قبل الجمعيات الانقلابية طالما المراقب الأمريكي بالأخص والجهات الخارجية عموماً تضع عينها عليه وتدعو جميع الأطراف للعمل على إنجاحه.
مسألة الانسحاب من جانبهم انسوها، بل هم يعملون في المقابل على دفع الأطراف الأخرى للانسحاب لتحميلها المسؤولية بعد ذلك، ويتم ذلك عبر أساليب «الاستفزاز» و»التطاول اللفظي» و»قلة الأدب» حتى تأخذ الأطراف الأخرى موقفاً من منطلق غضب واستياء.
تمعنوا في المطالب التي دائماً يكررونها بشأن المضي في عملية الحوار، وما يفترض أن تكون بالنسبة لهم «ضوءاً أخضر» لبدء مناقشة جدول الأعمال.
أولاً؛ هم يطالبون بتمثيل الحكم في المفاوضات بدعوى أن النظام يجب أن يكون طرفاً في الحوار، وهنا النقطة المهمة بشأن هذه المسألة، إذ هدفهم «جر» النظام إلى موقف لا يخرج إلا بصورة واحدة مفادها أن الدولة أو جلالة الملك أو ممثله يجلس على طاولة معهم لا للتحاور بل «للتفاوض»، الصورة وحدها كفيلة بأن تبين «زيفاً» أن هؤلاء لهم وزن وثقل بحيث يمثلون نداً يفاوض الدولة.
فقط دخول الدولة كطرف في الحوار يعني إحداث «هزة» أو «خلل» في شكل الدولة وشرعيتها، وهذا ما تريده الجمعيات الخمس، أن تصل بالدولة لمرحلة «تفاوض» على كيانها وشرعيتها، وهنا نتمنى ألا يتسرع أي أحد يمثل النظام أو من الأطراف الأخرى في الحوار بالوقوع في الفخ الذي تنصبه الوفاق وأذيالها باعتبار أن ذلك سينهي حالة «الشلل» التي أصيب بها الحوار، لأن تداعيات العملية ستكون أخطر لاحقاً.
المسألة الأخرى والتي يكررونها دائماً متعلقة بـ»الاستفتاء»، وهو مطلب لم يطرحوه إلا بعد أن طالب به مرجعهم الديني من على المنبر قبل بدء الحوار، وهنا قد يرى البعض أنها مسألة لا ضير منها، لكن كما يقال بالبحريني «اللي في الفخ أكبر من العصفور».
الفكرة من الاستفتاء تقع في نفس سياق فكرة المطالبة بتواجد الحكم على الطاولة، الهدف هو وضع شرعية النظام والبلد على المحك، بحيث مجرد القبول بذلك يعني «تصفير» الدولة البحرينية وإعادة كل شيء إلى نقطة «اللاشيء» وكأننا نبني دولة جديدة، نضحي بنظامها وشكله، ونلغي كل حراك حصل وإصلاح تفعل ونعود للبدء من جديد.
فكرة الاستفتاء يطرحونها بقوة لأنهم يبنونها على نظام «التبعية» المطلقة للولي الفقيه، فأي استفتاء سيتم بالتأكيد سيتجه في اتجاه ما يريده الولي الفقيه وما يتوافق مع الإرادة الإيرانية التي عينته «آية لله»، أعطوا إخواننا المتضررين من الشيعة ضمانات بالحماية واحموهم من الترهيب الذي يمارس عليهم ولتسمعوا منهم كيف يكون حال من يخالف ما يريده عيسى قاسم ومن يخالف توجهات الوفاق.
الاستفتاء كأداة لقياس توجه الناس ليست أداة سيئة بل على العكس، لكن في مجتمع مثل البحرين عملت الوفاق على تقسيمه طائفياً بدرجة مهولة المطالبة بالاستفتاء ليست سوى وسيلة لتمرير الأجندة الانقلابية، فالنتيجة مرهونة بما يريده عيسى قاسم وحده ولا أحد يمكنه مخالفة رأيه وإلا سيتعرض للتسقيط وكل أنواع التنكيل. في حين الغرض الأساس منه هو إلغاء كيان الدولة البحرينية وإعادتها لنقطة الصفر بحيث يتم التفاوض على كل شيء فيها، ابتداء من الحكم وصولاً إلى أصغر تفصيل دقيق.
هم يتبجحون باستفتاء السبعينات ضد مطالب إيران بالاستحواذ على البحرين، وهنا فقط نقول انظروا للمقارنة التي يطرحونها، يقارنون الوضع بوضع دولة تريد احتلال بلادنا، بالتالي في وضعية استفتائهم من يمثل الطرف الإيراني بالضبط؟! يكاد المريب أن يقول خذوني.
بينما النقطة الأهم كانت وستظل بأن استفتاء السبعينات كان ضد نظام حكم الشاه بهلوي العلماني وقبل ثورة الخميني الإسلامية الشيعية، ولكم أن تتصوروا لو كان معنياً بنظام الخميني حينها هل كانت النتيجة ستكون مماثلة؟! أفعالهم وأقوالهم وولاءاتهم تقدم جواباً واضحاً ومرجحاً.
خلاصة القول، ما يحصل في الحوار من تعطيل ليس بهدف إفشاله، أبداً على الإطلاق، بل هي محاولات مستميتة منهم لتضمين هاتين المسألتين في العملية، تمثيل الحكم والاستفتاء، هم يعرفون تماماً لماذا يصرون عليهما في كل جلسة وفي كل تصريح، فهل تعرف الأطراف الأخرى سواء حكومة أو أعضاء سلطة تشريعية أو ائتلاف جمعيات وطنية ذلك؟!
هاتان قنبلتان «ملغومتان» الاستهتار بهما والموافقة عليهما حتى لو بعد حين ستكون بداية انقلاب جديد واضح بأن عملية التخطيط له بدأت منذ انتهاء حالة السلامة الوطنية! فالحذر لمن يتوجب عليه الحذر!