كما أن التقارب الأمريكي الإيراني مستغرب، وفي غير محله، وليس له تفسير منطقي، فإن هذا التحالف من شأنه أن يولد تحالفاً آخر في منطقة الشرق أوسط «على غير اتفاق مسبق»، فالعداء المشترك يساوي في حد ذاته تحالفاً، ولو كان مؤقتاً.في هذا المشهد الغريب على الساحة، نلاحظ أن هناك طرفين يحتجان بقوة على التقارب الأمريكي الإيراني (الغريب المريب)، الأول من دول الخليج بحكم التهديد المعروف الذي يشكله النظام الإيراني، والطرف الثاني هو إسرائيل بحكم الخوف من صعود قوة إيرانية منفلتة تشكل تهديداً على أمنها القومي وتصارعها على حيازة النووي.ومن هنا نفك شفرة التقارب الأمريكي الإيراني، الذي يصب في المحصلة النهائية لصالح إسرائيل وعلاقاتها في المنطقة، فإسرائيل هي خارج مشاهد الصراعات حالياً -عدا الشعب الفلسطيني- ولكنها موجودة كطرف مهم في هذه المرحلة الحرجة والسيئة من العلاقات الإيرانية في الخليج والوطن العربي خاصة العراق وسوريا.إدارة الظهر الأمريكي للخليج، كان يقصد منها فتح المجال للقاء المصالح الخليجية الإسرائيلية، فالمعروف أن أكثر دولة تملك تأثيراً على الولايات المتحدة الأمريكية هي إسرائيل، وأقوى لوبي سياسي فيها هو اللوبي اليهودي، فالرسالة هي أن المفتاح يكمن في تل أبيب لا في واشنطن.هذا الفرز الجهنمي الذي يرسمه النظام الدولي السياسي في الشرق الأوسط، قد يؤدي إلى الدخول في مرحلة عقد الصفقات -وإذا أردنا أن تتحدث بصراحة ونتجاوز الخطوط الحمر ونفرش البساط من الآخر- فنقول إن التهديدات والذبح الذي عانى منه العرب والمسلمون من إيران وأذنابها مؤخراً لا يقل خطراً أمام قضية الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين.يستطيع المراقب أن يرصد التصريحات الإسرائيلية خلال الأشهر الماضية، وسيرى أنها تزداد حدة يوماً بعد يوم على إيران، الوضع الذي يشابه تماماً ما يجري لدينا في الخليج.من الواضح أن هناك سعياً وثمناً تحاول الولايات المتحدة الوصول إليه، وقد تتضح صورته قريباً ضمناً أو في العلن، فمن خلال هذه المعطيات والفرز، أن ثمن كبح جماح إيران وكف يدها سيكون صعود إسرائيل كقوة تسيطر على منطقة الشرق الأوسط بشكل أو بآخر، قد يبدأ اقتصادياً ثم يكتمل إلى ثمن سياسي وحتى عسكري.. ولكن هذا هو الخيار الذي سيطرح قريباً على طاولة المفاوضات.. ثمن إيران هو إسرائيل.. وأعتقد أن هذه المرحلة تتطلب تقديم التضحيات من أجل كف يد الأعداء عن منطقتنا. في هذه الأثناء، نرى أن النظام الدولي مطبق على سوريا ولا يريد أن يكون هناك حل، فكلما رجحت كفة الثوار ساند النظام والعكس صحيح، وكذلك في معظم دول «الربيع العربي» يحصل فيها المثل كل حسب ظرفه الخاصة الداخلية.إن الظروف الراهنة تفرض على دول الخليج اتخاذ قرارات سياسية وعسكرية تؤدي إلى القدرة على الاعتماد على الذات، لكي لا تكون دول الخليج مطية سهلة لسياسات يرسمها الخارج ليحدد مستقبلنا بالشكل الذي هو يريد.إن الزمن والشكل الذي كان الخليج يعيش فيه في طريقه إلى التغير، فجرس الإنذار الاقتصادي الذي أطلقه سمو أمير الكويت، لا يخص الكويت وحدها، بل يعم الخليج بأكمله، وهذا الزمن هو زمن الكيانات الموحدة والاتحادات، إذا ما أردنا للخليج البقاء أو التطور.