يضم كتاب العلاقات البحرينية الإيرانية للباحث حسام الدين جابر سالم ثلاثة ملاحق، كل منها يقدم وثيقة مهمة؛ أولها كلمة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد في قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي انعقدت في قطر عام 2007، وثانيها استعراض للتيارات السياسية في البحرين وإيران في الفترة من 1979-2013، وثالثها يضم خريطتي البحرين وإيران.ولا بد لي من تعليق واقتراح التعليق إنني كنت أتمنى إن هذا الملحق يكون أكثر عمقاً فيضم عدة خرائط لتطور الإمبراطورية الفارسية عبر العصور ولحضارة دلمون عبر العصور، وهذا سوف يترتب عليه دحض عملي للدعاوى غير التاريخية وتوضيح واقعي من الخرائط لمراحل تطور كل دولة، ومن ثم عدم مصداقية الادعاء بأن البحرين جزء من إيران. ويقدم تحليلاً لهذه الخرائط وليس مجرد خريطة واحدة في مرحلة تاريخية واحدة .وأما الاقتراح فهو إنني أتمنى أن يستدرك الباحث في الطبعة الثانية للكتاب هذا الأمر وأن يجعل رسالته للدكتوراه تركز على التحليل السياسي لتطور خرائط إيران منذ العصر الفارسي وعبر الدويلات التي استولت عليها إيران في مختلف مراحل تطورها وكيف قام الحكم الصفوي باستغلال الفكر الشيعي لأهداف سياسية توسعية بعيداً عن المفهوم الديني الصحيح، كذلك تحليل خرائط البحرين منذ حضارة دلمون وتسميات الخليج العربي المتعددة عبر العصور. إن هذه يمكن أن تكون مساهمة علمية تاريخية تخدم مصلحة البحرين بل وأيضاً مصلحة إيران بالمساعدة في إعادة المفهوم العقلاني للشعوب والحكام وتدفعهم نحو بناء سياسة واقعية مستقبلية، وإنني أدرك أن هذا رغم ضرورته فإنه يحتاج للتفرغ وإلى التمويل، والبحث العلمي في بلادنا هو مثل حالة «الأيتام على مائدة كبار القوم» لا يرغبون في رؤيته لأنه يثير في نفوسهم الآلام المرتبطة بالطمع والجشع حيث يأكلون أشهى الطعام وينسون الفقراء الأيتام . ومن ثم نقول إن كثيراً من الدول تنفق ثروات طائلة على مسائل هامشية دون أن تتحمس لتبني الباحثين أو مراكز الأبحاث، وأن مراكز الأبحاث في عالمنا العربي تعيش مأساة ثلاثية الأبعاد فهي محدودة الموارد من ناحية، وتلجأ للتمويل الأجنبي فهذا بدوره يشكل قيداً علي برامجها من ناحية ثانية، وتبذر في إنفاقها الموارد المحدودة على أصحاب البشرة البيضاء من دون أن تتحمس لبناء كوادر وطنية حقيقية تعرف البحث العلمي وتقدم إنتاجاً وتحليلاً علمياً يخدم مصالح شعوبها وفقاً لأجندتها الوطنية من ناحية ثالثة. وعلى سبيل التذكرة أنه في منتصف الستينات من القرن الماضي عندما كنت أدرس الماجستير عن الصين باعتبارها ستكون القوة الصاعدة وجدت أن إسرائيل أنشأت مركزاً متخصصاً في الشؤون الصينية في جامعة تل أبيب منذ أوائل الخمسينات، والآن لديها عشرات الخبراء المتخصصين. ومن هنا فإنني أقول إن أهم أولويات الدول العربية وبخاصة دول الخليج العربية الآن هي بناء كادر متخصص في الشؤون الإيرانية لغة وحضارة وثقافة وسياسة. كما فعلت مصر وخاصة بعد هزيمة 1967 ببناء كادر متخصص في اللغة والثقافة العبرية وهذا إعمالاً للمقولة التقليدية «من فهم لغة قوم أمن مكرهم» إن كلاً من إيران وإسرائيل تمثلان تهديداً للعرب من حيث كيانهم السياسي وثقافتهم ودورهم في حين أن المنطق يقول إن الجيران هم أقرب الناس إليك، ولكن من زاوية أخرى يقول المثل إن الجيران مثل الفئران يدخلون بيتك خلسة دون أن تشعر ويخربونه بسمومهم. وهذا يستدعي بناء حصن قوي وهذا الحصن يقوم على ثلاث ركائز العلم والقوة العسكرية والقوة الاقتصادية وأتمنى أن يدرك أصحاب القرار العربي والخليجي أهمية ذلك بمنهج عملي وليس بمجرد الشعارات والأحلام لأن الارتباط بالقوى الأجنبية وهي تبحث عن مصالحها وفي لحظة الحاجة إليها من المحتمل أن تتخلى عن وعودها وتعهداتها إذا تغيرت مصالحها.ومن هنا أهمية بناء وتشجيع وتبني الكوادر العلمية من منظور استراتيجي حيث تهتم مؤسساتنا الاقتصادية، والسياسية بمثل هذه الكوادر دون أن تتصور أن من يتخصص في ثقافة العدو أو يتعلم لغته سيكون قريباً من فكرهم مما يثير الشكوك حول مواقفه الوطنية وإنا أرى العكس تماماً بأن من يهتم بشؤون الدول المنافسة أو الخصوم هو خير من يخدم بلاده في تعاملها مع الأعداء ولعل ما يؤكد ذلك أن كيسنجر أكبر المتشددين في السياسة الأمريكية كان هو الذي فتح أبواب الصين أمام أمريكا مع الرئيس نيكسون أكثر المتشددين ضد الصين في بداية توليه السلطة، وهو ما أحدث تغيراً جذرياً في السياسة الدولية. إن بعض المؤسسات لدينا عليها أن تطور مفاهيمها ،وأن تتبنى من يعرف ثقافة ولغة الخصوم، كما يحدث في الولايات المتحدة التي لديها عشرات مراكز الأبحاث عن الصين وعن روسيا، وأيضاً في إسرائيل التي تدرك من هي القوة الصاعدة قبل فوات الأوان، بل إن إيران ذاتها لديها عدة مراكز أبحاث مرتبطة بوزارة الخارجية وبأجهزة الأمن وتعرف اللغة العربية والثقافة العربية وهي متخصصة في الشؤون العربية وغيرها من الشؤون الدولية. وهو ما حاولت مصر القيام به منذ هزيمة عام 1967 بالتركيز علي اللغة العبرية والإذاعة الموجهة لإسرائيل، وكذلك تدريس اللغة الفارسية واللغة الصينية واليابانية فضلاً عن الإسبانية والروسية والألمانية ناهيك عن الإنجليزية والفرنسية. وأتمنى أن يصدر من قادة إيران الجدد ثلاث كلمات الأولى الاعتذار للشعوب العربية وفي مقدمتها دول الخليج العربية وعلى الأخص البحرين وشعبها لما سببته لهم الشعارات القديمة من قلق وآلام وما سببته تلك الممارسات في سوريا ولبنان والعراق من نزاعات ودمار واقتتال طائفي حول فكر مضى ومرت عليه عشرات القرون. الثانية إعلان تركيز إيران على مصالح شعبها وتخليها عن أوهام التوسع ومفهوم شرطي الخليج بل شرطي العالم العربي والثالثة العمل على بناء علاقات دولية سلمية تقوم على مبادئ الثقة التي يجب أن توجه للداخل الإيراني قبل الخارج وأنه ليست لديهم طموحات للسيطرة وتدعو الشعب لنسيان الشعارات بالتوسع في الخليج أو تصدير الثورة أو فرض حمايتها على أبناء طوائف في دول أخرى أو القيام بنشر الفكر المذهبي ولقد زال الاستعمار البريطاني رغم نشره الحضارة، وزال الاستعمار السوفيتي من آسيا الوسطى وأوربا الشرقية رغم رفعه شعار الاشتراكية والطبقة العاملة، كما إن الإمبراطورية الأمريكية التي تسعى للهيمنة باسم حقوق الإنسان ونشر الديمقراطية هي في طريقها للزوال تحت تأثير أعباء انتشارها العسكري الذي يفوق إمكاناتها والصراع بين الديمقراطيين والجمهوريين أو بالعجز الضخم في ميزانيتها وإنتاجها واعتمادها على التمويل الخارجي.ختاماً أقول للباحث حسام الدين جابر سالم ابن مدينة المحرق تهنئة من القلب لهذا الإنجاز العلمي ولا تتوان في السعي للعلم والمعرفة مهما كانت التضحيات، إن كثيراً من العلماء ماتوا فقراء في حين أن غيرهم من الجهلاء عاشوا وماتوا وهم أصحاب الملايين، ولكن بعد موتهم نسيهم العالم بخلاف أصحاب العلم والفكر. وأختم بما طرحه أستاذ الفكر الإسلامي والمفكر البحريني المتميز الدكتور محمد جابر الأنصاري حول المقارنة بين نموذجين في الحضارة الغربية هو النموذج الإسباني والنموذج البريطاني؛ الأول كانت لديه ثروة من الذهب فاستخدمها في الحلي وحدوات الخيول والثاني كان لديه مخزون من الفحم فاستخدمه في توليد الطاقة للثورة الصناعية فتقدمت بريطانيا وتراجعت إسبانيا، ونحن مانزال نعيش في مفاهيم حرب داعس والغبراء وشعر الحماس والرثاء والهجاء. هل من عقل يدرك الفارق ويغير الوضع الراهن؟! إن الباحثين أمثال حسام الدين جابر السيد ابن البحرين البار وأمثاله عليهم هذه المسؤولية وأتمنى ألا أكون كلفتهم رهقاً.