تعمل إيران على خطين متداخلين. في الأول؛ تستغل الإشارات الإيجابية المتبادلة بينها وبين واشنطن لإشاعة أنه باتت لها اليد الطولى في المنطقة ومطلق الحرية في التصرف في شؤونها، بحجة أن الأمريكيين صاروا على عتبة الاعتراف بنفوذها في الإقليم ورعايتها نقاط ارتكازها الشيعية في بعض دوله. وفي الثاني؛ تتخذ سلسلة خطوات تصعيدية في منطقتنا من شأنها تأجيج التوترات الإقليمية القائمة، بهدف زيادة إحراج الولايات المتحدة تجاه حلفائها والضغط على هؤلاء لمواكبة ما تراه تراجعاً أمريكياً.
وفي وقت تكتفي بالتلويح للغرب بـ»تنازلات» شكلية وهامشية في ملف برنامجها النووي، مبدية تشككاً في نياته رغم حديثها عن احتمال توصل المحادثات مع مجموعة 5+1 إلى اتفاق إطاري، تسعى إلى الاستفادة القصوى من الغموض الذي يسود مرحلة استكشاف النيات، عبر محاولة فرض نفسها طرفاً في كل ما يتعلق بشؤون المنطقة، خصوصاً المفاوضات المزمعة في مؤتمر «جنيف-» بهدف التأثير في مساره والتنسيق مع موسكو لإحباط هدفه الرئيس بتشكيل سلطة انتقالية في دمشق.
لكن الرفض العربي، خصوصاً السعودي، للتمييز بين نظامي خامنئي والأسد، والتشديد على اعتبارهما طرفاً واحداً يخوض معركة الحفاظ على النظام الفئوي السوري في مواجهة شعبه، أدى إلى فرملة أمريكية، قد تكون مؤقتة، لكنها بانت واضحة في المحادثات التمهيدية التي عقدت في جنيف أول من أمس وفشلت في تحديد موعد للمؤتمر -طالما لاتزال دمشق ترفض فكرة المرحلة الانتقالية- أو في الاتفاق على مشاركة إيران فيه.
وتقترن المحاولات العربية لتصويب الموقف الأمريكي بدعوات متكررة إلى سحب «الحرس الثوري» وقـــوات «حزب الله» اللبناني من سورية، وتوقف طهران عن تشجيع ميليشيات شيعية عراقية على الانضمام للمدافعين عن حليفها.
وفي مواجهة الإصرار العربي على تبديد طغيان التصور الروسي للحل في سورية، ووضع حدود لأي دور إيراني فيه، عمد الإيرانيون إلى توجيه ضربات إلى الخاصرتين العربيتين الرخوتين؛ اليمن ولبنان. وهكذا فجر «الحوثيون» في شكل مفاجئ الوضع الأمني في شمال اليمن وأفشلوا جهود التهدئة المتكررة، فيما وتر الانفصاليون الذين ترعاهم طهران وتمول بعضهم الوضع في جنوبه، على رغم قطع مؤتمر المصالحة الوطنية في صنعاء خطوات مهمة برعاية مجلس التعاون الخليجي على طريق إعادة الاستقرار.
كذلك جاء الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» ليكشف بوضوح إصراره على منع أي خطوة في لبنان يمكن أن تؤدي إلى تعزيز دور الدولة وتفعيل مؤسساتها الدستورية، وإعلانه، بالنيابة عن طهران، أن القرار بيده، سواء تعلق الأمر بتشكيل الحكومة أو بانتخابات الرئاسة أو بالسياسة الخارجية، غير عابئ بأخطار الانهيار الذي يدق أبواب اقتصاد البلد ومجتمعه. ولا يشذ التفجير المتكرر للوضع الأمني في طرابلس عن هذا التوجه.
وتحاول طهران في الوقت نفسه الاستفادة من المأزق الذي تعيشه حركة «الإخوان المسلمين» بعد سلسلة النكسات التي منيت بها، خصوصاً في مصر، وتقدم لذلك عروضاً إلى تركيا الحائرة، وإلى حركة «حماس» المنكفئة، لإعادة جذبهما نحوها، بعد القطيعة التي تسبب بها الموقف من النظام السوري، وبهدف نسج تحالف جديد لتطويق الخط العربي المعتدل، خصمها المشترك.
وقد تلجأ طهران إلى التصعيد في مناطق أخرى، بينها البحرين، حيث يتعثر الحوار الوطني نتيجة إيحاءات إيرانية، فيما تؤكد قيادة البلد أن الحوار هو السبيل الوحيد لمعالجة أي مشكلات.
غير أن الهجمة الإيرانية تستند إلى القدرة على التخريب أكثر من القدرة على الإمساك بالأوضاع في الدول المستهدفة، وتفترض أن الانتصار في سورية معقود لنظام بشار الأسد، الأمر الذي لا ينطبق على الواقع، على رغم بعض العثرات العسكرية للمعارضة. كما تفترض أن العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب وصلت إلى طريق مسدود بسبب اختلاف الأساليب، وهو ما كذبته زيارة جون كيري إلى الرياض قبل أيام ونتائجها التي بدأت في الظهور.
- عن «الحياة» اللندنية
{{ article.visit_count }}
وفي وقت تكتفي بالتلويح للغرب بـ»تنازلات» شكلية وهامشية في ملف برنامجها النووي، مبدية تشككاً في نياته رغم حديثها عن احتمال توصل المحادثات مع مجموعة 5+1 إلى اتفاق إطاري، تسعى إلى الاستفادة القصوى من الغموض الذي يسود مرحلة استكشاف النيات، عبر محاولة فرض نفسها طرفاً في كل ما يتعلق بشؤون المنطقة، خصوصاً المفاوضات المزمعة في مؤتمر «جنيف-» بهدف التأثير في مساره والتنسيق مع موسكو لإحباط هدفه الرئيس بتشكيل سلطة انتقالية في دمشق.
لكن الرفض العربي، خصوصاً السعودي، للتمييز بين نظامي خامنئي والأسد، والتشديد على اعتبارهما طرفاً واحداً يخوض معركة الحفاظ على النظام الفئوي السوري في مواجهة شعبه، أدى إلى فرملة أمريكية، قد تكون مؤقتة، لكنها بانت واضحة في المحادثات التمهيدية التي عقدت في جنيف أول من أمس وفشلت في تحديد موعد للمؤتمر -طالما لاتزال دمشق ترفض فكرة المرحلة الانتقالية- أو في الاتفاق على مشاركة إيران فيه.
وتقترن المحاولات العربية لتصويب الموقف الأمريكي بدعوات متكررة إلى سحب «الحرس الثوري» وقـــوات «حزب الله» اللبناني من سورية، وتوقف طهران عن تشجيع ميليشيات شيعية عراقية على الانضمام للمدافعين عن حليفها.
وفي مواجهة الإصرار العربي على تبديد طغيان التصور الروسي للحل في سورية، ووضع حدود لأي دور إيراني فيه، عمد الإيرانيون إلى توجيه ضربات إلى الخاصرتين العربيتين الرخوتين؛ اليمن ولبنان. وهكذا فجر «الحوثيون» في شكل مفاجئ الوضع الأمني في شمال اليمن وأفشلوا جهود التهدئة المتكررة، فيما وتر الانفصاليون الذين ترعاهم طهران وتمول بعضهم الوضع في جنوبه، على رغم قطع مؤتمر المصالحة الوطنية في صنعاء خطوات مهمة برعاية مجلس التعاون الخليجي على طريق إعادة الاستقرار.
كذلك جاء الخطاب الأخير للأمين العام لـ«حزب الله» ليكشف بوضوح إصراره على منع أي خطوة في لبنان يمكن أن تؤدي إلى تعزيز دور الدولة وتفعيل مؤسساتها الدستورية، وإعلانه، بالنيابة عن طهران، أن القرار بيده، سواء تعلق الأمر بتشكيل الحكومة أو بانتخابات الرئاسة أو بالسياسة الخارجية، غير عابئ بأخطار الانهيار الذي يدق أبواب اقتصاد البلد ومجتمعه. ولا يشذ التفجير المتكرر للوضع الأمني في طرابلس عن هذا التوجه.
وتحاول طهران في الوقت نفسه الاستفادة من المأزق الذي تعيشه حركة «الإخوان المسلمين» بعد سلسلة النكسات التي منيت بها، خصوصاً في مصر، وتقدم لذلك عروضاً إلى تركيا الحائرة، وإلى حركة «حماس» المنكفئة، لإعادة جذبهما نحوها، بعد القطيعة التي تسبب بها الموقف من النظام السوري، وبهدف نسج تحالف جديد لتطويق الخط العربي المعتدل، خصمها المشترك.
وقد تلجأ طهران إلى التصعيد في مناطق أخرى، بينها البحرين، حيث يتعثر الحوار الوطني نتيجة إيحاءات إيرانية، فيما تؤكد قيادة البلد أن الحوار هو السبيل الوحيد لمعالجة أي مشكلات.
غير أن الهجمة الإيرانية تستند إلى القدرة على التخريب أكثر من القدرة على الإمساك بالأوضاع في الدول المستهدفة، وتفترض أن الانتصار في سورية معقود لنظام بشار الأسد، الأمر الذي لا ينطبق على الواقع، على رغم بعض العثرات العسكرية للمعارضة. كما تفترض أن العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها العرب وصلت إلى طريق مسدود بسبب اختلاف الأساليب، وهو ما كذبته زيارة جون كيري إلى الرياض قبل أيام ونتائجها التي بدأت في الظهور.
- عن «الحياة» اللندنية