بلاشك إن إرادة الشعوب هي العامل الرئيس لحفظ توازن المجتمع، ومتى تحققت هذه الإرادة أصبحت العلاقة بينها وبين نظام الحكم تقف على أرضية ثابتة، بل واضحة بأدواتها وتركيبتها السياسية، لذلك نجد أن الدول التي ترسخت فيها تقاليد الديمقراطية جعلت من الشعب -عبر مؤسساته- المشرع للدستور حتى يأتي نتاج هذا العمل الديمقراطي منسجماً مع ما يتطلع إليه المجتمع.
لكن هل يمكن للغرب أن يراعي الثوابت الديمقراطية عندما يتعلق الأمر بمصالحة الخارجية أو نظرته المستقبلية لجزء ما في العالم دون أن تخضع بعض المفاهيم لعملية جراحية بسيطة، أو إذا صح التعبير لتطويع مؤسساته السياسية للقيام بدور ما، طالما أن الأمر لن يمس مجتمعاته بشكل مباشر؟ ربما هذا التناول يدفعنا للتوقف عند سؤال مفاده؛ ما هو دور الغرب -من خلال مؤسساته السياسية ذات الطابع المدني- في جعل حق «تقرير المصير» منسجماً مع مصالحها ورؤيتها السياسية؟
لعل هذا السؤال يفتح أمامنا تساؤلاً آخر وهو؛ هل نحن بالفعل ضد أن يحدد الشعب مصيره -كما ادعت جمعية الوفاق مراراً وتكراراً-؟ الشواهد التاريخية تبين لنا كيف تم تحريف إرادة الشعوب بخارطة طريق رسمتها فرشاة العم «سام»، فإذا رجعنا بالذاكرة إلى زمن ليس ببعيد، فقد كانت سنغافورة جزءاً تابعاً لجغرافية ماليزيا حتى قام الإنجليز بضخ العمالة الوافدة من الصين إلى سنغافورة، وبعد أن اطمأنت إلى التغيير الواضح في الديمغرافية السكانية، وأن الصينيين باتوا يشكلون أغلبية ساحقة، دعتهم إلى أن يطالبوا بحق «تقرير المصير»، وبالفعل قامت بعثة من الأمم المتحدة بإجراء استفتاء شعبي هناك شكل الماليزيون فيه الحلقة الأضعف، وانتهى الاستفتاء بفصل سنغافورة عن الحكم الماليزي لتصبح دولة مستقلة ذات سيادة ونظام حكم مستقل العام 1964.
المشهد ذاته تكرر في سيناريو آخر وهو السودان، الذي وقع هو الآخر ضحية التقسيم بفعل «مشرط» ما يعرف بحق «تقرير المصير»، فبعد أن قامت القوى الغربية بتغذية النعرات الداخلية على مدى ثلاثة عقود -تارة على أساس ديني وتارة على أساس عرقي- أصبح التعايش ضرباً من ضروب الخيال ليتكرر ذات السيناريو، ويتم تحديد تمزيق السودان إلى دولة في الشمال وأخرى في الجنوب بعد أن كان يشكل أكبر جغرافية عربية من حيث المساحة.
ولو سلمنا أن حق تقرير المصير يأتي احتراماً لرغبة المجتمعات دون أن تأخذ المصالح الاستراتيجية للدول الغربية في عين الاعتبار والتوازنات المرافقة لها، فسيبدو من الطبيعي أن نتساءل؛ لماذا لا يتم دعم هذا الحق الشعبي في قضية إقليم الأحواز الذي يطالب بدولة مستقلة وتحرير أرضه من الاحتلال الإيراني منذ العام 1928؟ أو أن تتم الاستجابة للمطلب العراقي بتشكيل فيدرالية تحفظ دماء أبناء محافظاته، بعد أن صدرت لهذا البلد أسوأ ما في تفاصيل الاختلاف الطائفي؟ ولو كان هذا الحق يخرج فعلاً من إرادة الشعوب، وليس وفق تشكيل خارطة المصالح الغربية، فلنا أن نتساءل لماذا لم تحترم رغبة الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني أو الدفع بجدية نحو حل الدولتين، هذا إذا توافقنا مع المصطلحات الغربية التي بررت احتلال حركة سياسية دينية متطرفة لأراضي الآخرين بحق شعب بالحصول على أرض الآخرين لإقامة دولته!.
إذا كان حق «تقرير المصير» يأتي بــ»وصفة» خارجية، فهو حتماً لن يخدم سوى الخارج الذي أتى منه، ولن يحقق سوى مصالح من وضع هذه «الوصفة»، ولن تكون نتائجه سوى التقسيم وتجزئة المجتمعات العربية والإسلامية إلى مكونات مجتمعية تتصارع داخلياً مع بعضها بعضاً، ومما لا يدع مجالاً للشك فإن التبعية الدينية والسياسية للوفاق لـ»جار السوء» سيجعلنا أمام تكرار السيناريوهات السابقة وبنسخة مشوهة، إذا أخذنا البعد الطائفي الذي أنتج أسوأ السيناريوهات في العراق.
باختصار؛ لقد قرر الشعب البحريني مصيره عندما استفتى على الميثاق الوطني بنسبة 98.4%، ورتب أولويات بيته الداخلي بأن يكون تقدم الشعب وتطور بلاده واقعاً لا يخضع لجدلية، وأن تقف مؤسسات دولته على مسافة واحدة من مختلف أبناء الشعب، وبغير هذا الواقع لن نكون سوى أمام «وصفات» مستوردة لن تنقل لنا سوى أمراض الآخرين.
{{ article.visit_count }}
لكن هل يمكن للغرب أن يراعي الثوابت الديمقراطية عندما يتعلق الأمر بمصالحة الخارجية أو نظرته المستقبلية لجزء ما في العالم دون أن تخضع بعض المفاهيم لعملية جراحية بسيطة، أو إذا صح التعبير لتطويع مؤسساته السياسية للقيام بدور ما، طالما أن الأمر لن يمس مجتمعاته بشكل مباشر؟ ربما هذا التناول يدفعنا للتوقف عند سؤال مفاده؛ ما هو دور الغرب -من خلال مؤسساته السياسية ذات الطابع المدني- في جعل حق «تقرير المصير» منسجماً مع مصالحها ورؤيتها السياسية؟
لعل هذا السؤال يفتح أمامنا تساؤلاً آخر وهو؛ هل نحن بالفعل ضد أن يحدد الشعب مصيره -كما ادعت جمعية الوفاق مراراً وتكراراً-؟ الشواهد التاريخية تبين لنا كيف تم تحريف إرادة الشعوب بخارطة طريق رسمتها فرشاة العم «سام»، فإذا رجعنا بالذاكرة إلى زمن ليس ببعيد، فقد كانت سنغافورة جزءاً تابعاً لجغرافية ماليزيا حتى قام الإنجليز بضخ العمالة الوافدة من الصين إلى سنغافورة، وبعد أن اطمأنت إلى التغيير الواضح في الديمغرافية السكانية، وأن الصينيين باتوا يشكلون أغلبية ساحقة، دعتهم إلى أن يطالبوا بحق «تقرير المصير»، وبالفعل قامت بعثة من الأمم المتحدة بإجراء استفتاء شعبي هناك شكل الماليزيون فيه الحلقة الأضعف، وانتهى الاستفتاء بفصل سنغافورة عن الحكم الماليزي لتصبح دولة مستقلة ذات سيادة ونظام حكم مستقل العام 1964.
المشهد ذاته تكرر في سيناريو آخر وهو السودان، الذي وقع هو الآخر ضحية التقسيم بفعل «مشرط» ما يعرف بحق «تقرير المصير»، فبعد أن قامت القوى الغربية بتغذية النعرات الداخلية على مدى ثلاثة عقود -تارة على أساس ديني وتارة على أساس عرقي- أصبح التعايش ضرباً من ضروب الخيال ليتكرر ذات السيناريو، ويتم تحديد تمزيق السودان إلى دولة في الشمال وأخرى في الجنوب بعد أن كان يشكل أكبر جغرافية عربية من حيث المساحة.
ولو سلمنا أن حق تقرير المصير يأتي احتراماً لرغبة المجتمعات دون أن تأخذ المصالح الاستراتيجية للدول الغربية في عين الاعتبار والتوازنات المرافقة لها، فسيبدو من الطبيعي أن نتساءل؛ لماذا لا يتم دعم هذا الحق الشعبي في قضية إقليم الأحواز الذي يطالب بدولة مستقلة وتحرير أرضه من الاحتلال الإيراني منذ العام 1928؟ أو أن تتم الاستجابة للمطلب العراقي بتشكيل فيدرالية تحفظ دماء أبناء محافظاته، بعد أن صدرت لهذا البلد أسوأ ما في تفاصيل الاختلاف الطائفي؟ ولو كان هذا الحق يخرج فعلاً من إرادة الشعوب، وليس وفق تشكيل خارطة المصالح الغربية، فلنا أن نتساءل لماذا لم تحترم رغبة الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني أو الدفع بجدية نحو حل الدولتين، هذا إذا توافقنا مع المصطلحات الغربية التي بررت احتلال حركة سياسية دينية متطرفة لأراضي الآخرين بحق شعب بالحصول على أرض الآخرين لإقامة دولته!.
إذا كان حق «تقرير المصير» يأتي بــ»وصفة» خارجية، فهو حتماً لن يخدم سوى الخارج الذي أتى منه، ولن يحقق سوى مصالح من وضع هذه «الوصفة»، ولن تكون نتائجه سوى التقسيم وتجزئة المجتمعات العربية والإسلامية إلى مكونات مجتمعية تتصارع داخلياً مع بعضها بعضاً، ومما لا يدع مجالاً للشك فإن التبعية الدينية والسياسية للوفاق لـ»جار السوء» سيجعلنا أمام تكرار السيناريوهات السابقة وبنسخة مشوهة، إذا أخذنا البعد الطائفي الذي أنتج أسوأ السيناريوهات في العراق.
باختصار؛ لقد قرر الشعب البحريني مصيره عندما استفتى على الميثاق الوطني بنسبة 98.4%، ورتب أولويات بيته الداخلي بأن يكون تقدم الشعب وتطور بلاده واقعاً لا يخضع لجدلية، وأن تقف مؤسسات دولته على مسافة واحدة من مختلف أبناء الشعب، وبغير هذا الواقع لن نكون سوى أمام «وصفات» مستوردة لن تنقل لنا سوى أمراض الآخرين.