مفارقة التطابق الدال بين الحالة البحرينية والحالة المصرية تجعلنا نقتنع أن ما تعيشه بلداننا ليس إلا معركة من معارك (الجيل الرابع من الحروب)، التي ترفع شعار الديمقراطية والتغيير، ولكنها تهدف إلى تحويل دولنا العربية إلى (دول فاشلة) تماثل النموذج اللبناني والصومالي والعراقي وحالياً الليبي، ولم يكن بيان الأمير سعود الفيصل الأخير الذي قال فيه إن دول الغرب تستكثر علينا نعمة الأمن إلا إشارة للمتحكمين بخيوط تلك الحرب بأن الحكومات العربية تعي حقيقة المؤامرة التي تحاك ضدها والتي ستطال الجميع إن لم يتم التصدي لها.
مفهوم الجيل الرابع من الحروب الذي تتداوله العديد من التقارير يشير إلى الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في تدمير الدول وتفكيكها وإخضاعها لسلطتها دون أن تشن عليها حروباً اعتيادية تكلفها جنوداً وعتاداً حربية، هذه الحروب لا تحتاج إلى أكثر من مجاميع من المعارضة تتحرك (ميدانياً)، وحفنة من (المرتزقة) يتم استقدامهم من الخارج، مثل عناصر تنظيم القاعدة التي امتلأت بها سوريا وليبيا وحالياً مصر. كما إنها تحتاج أيضاً إلى جيش جرار من صناع الرأي العام مثل منظومة متكاملة من وسائل الإعلام، وحسابات وهمية أو موجهة على شبكات التواصل الاجتماعي وشخصيات سياسية وإعلامية وحقوقية ومنظمات دولية، وتحتاج كذلك إلى ممولين يدفعون بسخاء لهذه الحرب. وكل تلك العناصر كانت حاضرة بالفاعلية ذاتها في البحرين ومصر.
استراتيجية الجيل الرابع من الحروب تقوم على تكتيكين رئيسين، الأول: الدقة في تقسيم الأدوار؛ فثمة من يدعو إلى العنف ولا يتحمل مسؤوليته، وهناك من ينفذ العنف، وطرف ثالث يبرر للعنف، وآخر يدَّعي الحياد ويمارس المراوغة إلى حين ثم يمارس الانحياز الذي يمثله، وهناك نخب فكرية وحقوقية وحسابات إلكترونية تصطنع العقلانية والاتزان وتتاجر بالشعارات والمثاليات وتناقش الجزئيات والهوامش على حساب الجوهر والمتن، وكل طابور يؤدي دوراً مدروساً بعناية ويتحرك في توقيت دقيق، وهدفهم الحقيقي خدمة الطرف المعارض لنظام الحكم وإمداده بغطاء شرعي وتشتيت الرأي العام وتفريق الإجماع الوطني من أجل حصد أكبر قدر من المكاسب.
والتكتيك الثاني هو نشر (الفوضى) بكل صورها في مجريات الأحداث داخل هذه الدول؛ لإفقاد المواطن الثقة في أجهزة الدولة والتشكيك بمصادر معلوماتها وإجراءاتها، وهذه هي الخطوة الأولى والفاعلة (لتفكيك الدولة) لأنها تحقق الهزيمة النفسية للشعوب وتقود إلى باقي الهزائم. فليست الاعتصامات في الأماكن الحيوية مثل إشارة رابعة العدوية وأمام جامعة القاهرة في ميدان النهضة أو دوار مجلس التعاون في قلب المنطقة التجارية بمملكة البحرين إلا أداة مموهة بالسلمية للإخلال بحياة الناس الاعتيادية وتعطيل مصالحهم وخلق حالة التذمر بينهم، وهي مصيدة تُساق إليها الأجهزة الأمنية والجيوش من أجل المواجهة والإيقاع بأكبر عدد من القتلى واستثمار ذلك دولياً وإعلامياً أفضل استثمار. وليست معارك المولوتوف والأسياخ الحديدية التي تخوضها عناصر 14فبراير في البحرين، وإشهار السلاح في وجوه الناس وارتكاب المجازر التي تقوم بها العناصر المتطرفة في مصر إلا الوجه العنيف لتلك الحركات من أجل بث الرعب بين المواطنين وإشعارهم بعجز الدولة عن نشر الأمن ومواجهة تلك الجماعات وتسريب الإحساس العام بقرب سقوط (الدولة).
صورة أخرى من صور نشر الفوضى هي الفوضى الفكرية التي لها مرجعياتها التاريخية ومسوغاتها المنطقية، فنحن نعيش حرباً بين أنظمة لها تاريخها الأمني السيئ في ذاكرة الشعوب ولها ممارساتها المجافية للديمقراطية، وبين جماعات أصولية لا تؤمن بالديمقراطية والتعددية وتنتهج العنف وسيلة للوصول لغاياتها، وتبدو الأولويات هنا صعبة الضبط لأن النتائج غير متوقعة وتخضع للتنازلات المرحلية؛ وهذا يوفر مناخاً مناسباً لوسائل الإعلام والمحللين السياسيين والاستراتيجيين والمنظمات الدولية والحقوقية الداعمة لهذه الحروب في التشكيك بمصداقية كل شيء، لتخرج جماعات الحياد والمنطقة الرمادية داعية إلى رفض الأنظمة الحاكمة والجماعات المعارضة والاتجاه نحو (التيار الثالث) ضبابي الدلالة الذي هو الفوضى بعينها.
وتزداد عملية التشتيت عمقاً حين تخرج بعض الشخصيات العامة ذات الثقل السياسي المؤثر بمواقف (صادمة) في توقيت حساس مثل استقالة د.محمد البرادعي من الحكومة المصرية المؤقتة يوم فض الاعتصامات، واستقالة بعض المسؤولين الحكوميين في البحرين يوم دخول درع الجزيرة والبدء بفض اعتصام دوار مجلس التعاون؛ بذريعة الاحتجاج على قيام مجازر عسكرية ضد معتصمين مدنيين عزل في تطابق فريد يجعنا نشعر أننا أمام (كتالوج) يسير الجميع خلف تعليماته الثابتة والمحددة!!
والدور الذي قامت به منظومة الإعلام الإيراني والصهيوني مثل قناة العالم والمنار والجزيرة وcnn و bbc وغيرها في كل من البحرين ومصر ركز على ترويج الأخبار المضخمة ضد حكومتي البحرين ومصر وفبركة الأفلام والصور الداعمة للجماعات الممارسة للعنف، أما دور المنظمات الحقوقية فاهتم بحماية حياة المتظاهرين والمعتصمين وتوثيق الانتهاكات ضدهم والاكتفاء بالتواصل مع الجمعيات الحقوقية المرتبطة بهم، وتجاهلت التقارير الصادرة عنها التجاوزات غير السلمية من تلك الجماعات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون العزل ورجال الأمن والأقليات في كل من مصر والبحرين، وكان مستغرباً أن تلك المنظمات تجاهلت التواصل مع مراكز حقوقية عريقة في مصر ولها حضورها الدائم والقوي في المحافل الدولية. وهذه معطيات تشكك ببعض الأدوار التي لأجلها شُكلت تلك المنظمات التي قليلاً ما انتصرت لقضايانا العربية مجاناً!!. الهدف من الربيع العربي القادم عبر فوضى الجيل الرابع من الحروب هو تفتيت مفهوم (الدولة) بالتشكيك في أجهزتها وأدواتها ومصداقيتها، واستنزاف جيوشها ورجال الأمن فيها بالضربات الأمنية المتلاحقة، وإنهاك اقتصادها بالأعمال الإرهابية؛ كي تنتهي حال الدولة بخروج مناطق جغرافية عن سيطرتها، فتعجز عن أداء وظائفها وتفشل في مجابهة العناصر الخارجة عن القانون، ثم تخرج دعاوى الانفصال وحرية تقرير المصير و...، وتصير الكلمة الطولى والأخيرة للمجتمع الدولي. إن هذه الحرب حققت نجاحاً كبيراً في سوريا وانكشفت في البحرين ومصر، ولا حل لدولنا كي تنجح في مجابهتها إلا بدراسة أدوات تلك الحروب وصورها المتعددة وبث الوعي بمخاطرها ومروجيها، وتقوية مؤسسات الدولة بإصلاحها وترميمها من الفساد وتعزيز مبدأ الشفافية الذي يخلق الثقة بين المواطن والحكومة، وتجديد العلاقة بالشعوب بخلق مناخ ديمقراطي وإصلاحي سليم يتلاءم مع خصوصيات دولنا التي تعاني، من حيث الأساس، من التفكك والاستقطابات. عدا ذلك ستبقى الشعوب العربية هي التي تدفع ضريبة كل أنواع الحروب التي تتورط بها الأنظمة الحاكمة والشعارات التي تتاجر بها المعارضات.
{{ article.visit_count }}
مفهوم الجيل الرابع من الحروب الذي تتداوله العديد من التقارير يشير إلى الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في تدمير الدول وتفكيكها وإخضاعها لسلطتها دون أن تشن عليها حروباً اعتيادية تكلفها جنوداً وعتاداً حربية، هذه الحروب لا تحتاج إلى أكثر من مجاميع من المعارضة تتحرك (ميدانياً)، وحفنة من (المرتزقة) يتم استقدامهم من الخارج، مثل عناصر تنظيم القاعدة التي امتلأت بها سوريا وليبيا وحالياً مصر. كما إنها تحتاج أيضاً إلى جيش جرار من صناع الرأي العام مثل منظومة متكاملة من وسائل الإعلام، وحسابات وهمية أو موجهة على شبكات التواصل الاجتماعي وشخصيات سياسية وإعلامية وحقوقية ومنظمات دولية، وتحتاج كذلك إلى ممولين يدفعون بسخاء لهذه الحرب. وكل تلك العناصر كانت حاضرة بالفاعلية ذاتها في البحرين ومصر.
استراتيجية الجيل الرابع من الحروب تقوم على تكتيكين رئيسين، الأول: الدقة في تقسيم الأدوار؛ فثمة من يدعو إلى العنف ولا يتحمل مسؤوليته، وهناك من ينفذ العنف، وطرف ثالث يبرر للعنف، وآخر يدَّعي الحياد ويمارس المراوغة إلى حين ثم يمارس الانحياز الذي يمثله، وهناك نخب فكرية وحقوقية وحسابات إلكترونية تصطنع العقلانية والاتزان وتتاجر بالشعارات والمثاليات وتناقش الجزئيات والهوامش على حساب الجوهر والمتن، وكل طابور يؤدي دوراً مدروساً بعناية ويتحرك في توقيت دقيق، وهدفهم الحقيقي خدمة الطرف المعارض لنظام الحكم وإمداده بغطاء شرعي وتشتيت الرأي العام وتفريق الإجماع الوطني من أجل حصد أكبر قدر من المكاسب.
والتكتيك الثاني هو نشر (الفوضى) بكل صورها في مجريات الأحداث داخل هذه الدول؛ لإفقاد المواطن الثقة في أجهزة الدولة والتشكيك بمصادر معلوماتها وإجراءاتها، وهذه هي الخطوة الأولى والفاعلة (لتفكيك الدولة) لأنها تحقق الهزيمة النفسية للشعوب وتقود إلى باقي الهزائم. فليست الاعتصامات في الأماكن الحيوية مثل إشارة رابعة العدوية وأمام جامعة القاهرة في ميدان النهضة أو دوار مجلس التعاون في قلب المنطقة التجارية بمملكة البحرين إلا أداة مموهة بالسلمية للإخلال بحياة الناس الاعتيادية وتعطيل مصالحهم وخلق حالة التذمر بينهم، وهي مصيدة تُساق إليها الأجهزة الأمنية والجيوش من أجل المواجهة والإيقاع بأكبر عدد من القتلى واستثمار ذلك دولياً وإعلامياً أفضل استثمار. وليست معارك المولوتوف والأسياخ الحديدية التي تخوضها عناصر 14فبراير في البحرين، وإشهار السلاح في وجوه الناس وارتكاب المجازر التي تقوم بها العناصر المتطرفة في مصر إلا الوجه العنيف لتلك الحركات من أجل بث الرعب بين المواطنين وإشعارهم بعجز الدولة عن نشر الأمن ومواجهة تلك الجماعات وتسريب الإحساس العام بقرب سقوط (الدولة).
صورة أخرى من صور نشر الفوضى هي الفوضى الفكرية التي لها مرجعياتها التاريخية ومسوغاتها المنطقية، فنحن نعيش حرباً بين أنظمة لها تاريخها الأمني السيئ في ذاكرة الشعوب ولها ممارساتها المجافية للديمقراطية، وبين جماعات أصولية لا تؤمن بالديمقراطية والتعددية وتنتهج العنف وسيلة للوصول لغاياتها، وتبدو الأولويات هنا صعبة الضبط لأن النتائج غير متوقعة وتخضع للتنازلات المرحلية؛ وهذا يوفر مناخاً مناسباً لوسائل الإعلام والمحللين السياسيين والاستراتيجيين والمنظمات الدولية والحقوقية الداعمة لهذه الحروب في التشكيك بمصداقية كل شيء، لتخرج جماعات الحياد والمنطقة الرمادية داعية إلى رفض الأنظمة الحاكمة والجماعات المعارضة والاتجاه نحو (التيار الثالث) ضبابي الدلالة الذي هو الفوضى بعينها.
وتزداد عملية التشتيت عمقاً حين تخرج بعض الشخصيات العامة ذات الثقل السياسي المؤثر بمواقف (صادمة) في توقيت حساس مثل استقالة د.محمد البرادعي من الحكومة المصرية المؤقتة يوم فض الاعتصامات، واستقالة بعض المسؤولين الحكوميين في البحرين يوم دخول درع الجزيرة والبدء بفض اعتصام دوار مجلس التعاون؛ بذريعة الاحتجاج على قيام مجازر عسكرية ضد معتصمين مدنيين عزل في تطابق فريد يجعنا نشعر أننا أمام (كتالوج) يسير الجميع خلف تعليماته الثابتة والمحددة!!
والدور الذي قامت به منظومة الإعلام الإيراني والصهيوني مثل قناة العالم والمنار والجزيرة وcnn و bbc وغيرها في كل من البحرين ومصر ركز على ترويج الأخبار المضخمة ضد حكومتي البحرين ومصر وفبركة الأفلام والصور الداعمة للجماعات الممارسة للعنف، أما دور المنظمات الحقوقية فاهتم بحماية حياة المتظاهرين والمعتصمين وتوثيق الانتهاكات ضدهم والاكتفاء بالتواصل مع الجمعيات الحقوقية المرتبطة بهم، وتجاهلت التقارير الصادرة عنها التجاوزات غير السلمية من تلك الجماعات والانتهاكات التي تعرض لها المواطنون العزل ورجال الأمن والأقليات في كل من مصر والبحرين، وكان مستغرباً أن تلك المنظمات تجاهلت التواصل مع مراكز حقوقية عريقة في مصر ولها حضورها الدائم والقوي في المحافل الدولية. وهذه معطيات تشكك ببعض الأدوار التي لأجلها شُكلت تلك المنظمات التي قليلاً ما انتصرت لقضايانا العربية مجاناً!!. الهدف من الربيع العربي القادم عبر فوضى الجيل الرابع من الحروب هو تفتيت مفهوم (الدولة) بالتشكيك في أجهزتها وأدواتها ومصداقيتها، واستنزاف جيوشها ورجال الأمن فيها بالضربات الأمنية المتلاحقة، وإنهاك اقتصادها بالأعمال الإرهابية؛ كي تنتهي حال الدولة بخروج مناطق جغرافية عن سيطرتها، فتعجز عن أداء وظائفها وتفشل في مجابهة العناصر الخارجة عن القانون، ثم تخرج دعاوى الانفصال وحرية تقرير المصير و...، وتصير الكلمة الطولى والأخيرة للمجتمع الدولي. إن هذه الحرب حققت نجاحاً كبيراً في سوريا وانكشفت في البحرين ومصر، ولا حل لدولنا كي تنجح في مجابهتها إلا بدراسة أدوات تلك الحروب وصورها المتعددة وبث الوعي بمخاطرها ومروجيها، وتقوية مؤسسات الدولة بإصلاحها وترميمها من الفساد وتعزيز مبدأ الشفافية الذي يخلق الثقة بين المواطن والحكومة، وتجديد العلاقة بالشعوب بخلق مناخ ديمقراطي وإصلاحي سليم يتلاءم مع خصوصيات دولنا التي تعاني، من حيث الأساس، من التفكك والاستقطابات. عدا ذلك ستبقى الشعوب العربية هي التي تدفع ضريبة كل أنواع الحروب التي تتورط بها الأنظمة الحاكمة والشعارات التي تتاجر بها المعارضات.