المواقف الخليجية تجاه الأزمة السورية مازالت بعيدة عن مستوى التطــورات الأخيــرة فيهــا. فاستخـــدام الأسلحـــة الكيميائيـــة حـــدث وشاهـــده الجميـــع، والموضوع سيدخل في السيناريو العراقي والسيناريو الإيراني، إذ تبدأ المسألة باستنكارات دولية واسعة النطاق، ثم تبدأ مرحلة التشكيك في استخدام الأسلحة الكيميائية، وتنتهي بإيفاد بعثات خاصة للتفتيش من الأمم المتحدة، وتبدأ مرحلة من المهاترات الدبلوماسية الطويلة غير معروفة النهاية أو النتائج.
هذا الوضع نشاهده اليوم، وسنشاهده خلال الأيام المقبلة، ولن تتجاوز ردود الأفعال الخليجية سوى الاستنكارات وتقديم المساعدات الإنسانية. بالمقابل ثمة قوة إقليمية تمارس دوراً يفوق بكثير ما تقوم به دول الخليج العربية، ونقصد بها طبعاً إيران التي باتت تحذر واشنطن من مغبة التدخل العسكري في الأراضي السورية.
ليس منطقياً أن يترك المشهد السوري بعيداً عن الموقف الخليجي الذي يجب أن يتجاوز مرحلته الخجولة نحو مرحلة أخرى أكثر تأثيراً، وقدرة على تغيير مسارات الصراع على الأرض ميدانياً.
المتشائمون يرون أن حسم الصراع في سوريا يعني حرباً عالمية بأطراف إقليمية، والبعض الآخر يرى أن حسم الصراع سيؤدي إلى انتقاله إلى دول أخرى في المنطقة. رغم وجود فرص هائلة لحسم هذا الصراع بشكل ينهي المجازر الدموية التي راح ضحيتها الشعب السوري.
قد تكون الأزمة السورية الأكثر تعقيداً على مستوى الشرق الأوسط بسبب تضاد المصالح واختلاف وجهات النظر بشأنها وفقاً للعوامل الداخلية والخارجية، ولكن استمرارها وإطالة أمد الصراع تعني المزيد من الضرر لدول مجلس التعاون الخليجي.
دول المنظومة الخليجية تملك الإمكانيات والفرص لتغيير مسارات الصراع في الأزمة السورية، خاصة وأن أعداءها أكثر وضوحاً من أي طرف، فهناك طهران التي تحاول ربط التسوية في سوريا بما تسميه التسوية في المنامة، وهناك حزب الله الإرهابي الذي صنفته دول مجلس التعاون كتنظيم إرهابي، وتعمل حالياً على محاربته كما حاربت سابقاً تنظيم القاعدة باعتباره تنظيماً إرهابياً.
لذلك فإن الخيارات الخليجية قد لا تتطلب تدخلاً مباشراً، ولكنها تهدف للإسراع في إنهاء الصراع السوري، الأمر الذي يتطلب مزيداً من الضغوط الخليجية على القوة الأعظم والقوى الكبرى الأخرى. وبإمكان دول الخليج تكليف بعض القوى الكبرى لشن حملات عسكرية على قوات النظام في سوريا بتمويل خليجي، كما هو الحال عندما موّلت دول الخليج جيوش العالم لتحرير الكويت قبل أكثر من 20 عاماً. أيضاً يمكن مقايضة بعض القوى الكبرى باستثمارات ضخمة تحتاجها حالياً لمعالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية.
إذا كانت دول مجلس التعاون تنتظر الفرصة التاريخية، فإنها مواتية الآن لإنهاء الصراع في سوريا الذي يعني بالضرورة إنهاء نفوذ طهران في الشام. أما التخاذل عن هذه الفرصة، فسينقل الصراع تدريجياً إلى حوض الخليج العربي.