ليس هنالك اليوم أكثر سعادة من تل أبيب، فما يجري في وطننا العربي وفي مصر الغالية على وجه الخصوص، يعتبر انتحاراً سياسياً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فلا العربي ولا المصري ولا أي إنسان يعيش معنا أو في جوارنا يبدو سعيداً مما يجري اليوم في وطننا العربي سوى أعداء العرب.
إن ما يحدث في مصر، هو سقوط مدوي لمفهوم الدولة المدنية الحديثة، وتبعثر القوة العسكرية فيها، والتي تعتبر من أكبر نقاط العزة والمَنَعة في وطننا العربي، ضد كل أشكال احتمالية التدخلات الصهيونية والأجنبية، فما يجري على أرض الكنانة لا يسر صديقاً ولا عدواً.
بغض النظر عن كل ما يتبناه أي مصري أو عربي من هذا التيار السياسي المصري أو ذاك، ومن هذا الرئيس أو من الرؤساء المحبوسين، يظل الوضع المصري وضعاً قلقاً لأنه يكثف الضغط على سلامة وأمن وسيادة مصر الحبيبة وكل العرب.
ربما يتبنى بعضنا شخصية مصرية أو خطاً سياسياً في مصر، لكن بكل تأكيد، لا يمكن لنا نحن العرب أن نفرح لما يجري في القاهرة من فوضى عارمة، قد تطيح بالدولة العربية الكبرى، تلك العاصمة التي كانت وما زالت مهداً للحضارة الإنسانية، والمركز الاستراتيجي والعسكري، تلك العاصمة القابعة في قلب الوطن العربي.
في هذه المرحلة الزمنية العصيبة والمهمة للغاية من تاريخ مصر، لا يوجد وقت كاف للشماتة، فمن يشمت في مصر فإنه يشمت في كل العرب، وفي كل حصن يمكن أن يكون المانع الحقيقي من الضياع، ولهذا فرفقاً بمصر أيها العرب فما فيها يكفيها.
العرب اليوم، مطالبون أن يقفوا مع مصر العظيمة قبل أن يقفوا مع الإخوان أو السيسي، فكل التيارات السياسية هي الوجود العابر لمصر، أما الشعب المصري العزيز والدولة المدنية الكبرى ذات الحضارة الإنسانية العظيمة فهي الثوابت الراسخة كرسوخ أهراماتها في الأرض والتاريخ.
علينا جميعاً ألا نطلق الشماتة على مصر، بل يجب أن نقدم لهذه الدولة التي أعطت للعرب الكثير من العزة والمعرفة والسمو بعض معروف من الجميل، لأنها وبكل تأكيد لا تستحق ما يجري على أراضيها من ويلات.
نتعجب من بعض العرب يطلقون النكات والشماتة على الشعب المصري الكبير في هذا الوقت تحديداً، وكأنهم يشاطرون العدو الصهيوني فرحته باهتزاز مصر وتراجعها المقصود عن مكانتها الطبيعية عند العرب، ولهذا لا يجوز أن نتوغل أكثر في دماء المصريين ومشاعرهم، أو في طعن دولة طالما كانت وما زالت الحامي والنصير لدول غارقة في الظلام والضعف، فلا نريد أن يكون جزاء مصر جزاء سنمار.