العديد من دور العبادة في البحرين وفي العديد من الدول العربية من مساجد ومآتم تحول إلى «منطقة تجارة إرهاب حرة» مورست فيها كل أنواع التحشيد الحزبي وتمت الدعوة فيها لا لله بل للجماعات ومرشديها، ومع ذلك بقيت رغم كل تلك الشواهد مواقع هي خارج النطاق القانوني للدولة، رغم كونها داخل حدودها، وعجزت عن الدخول لها منذ عقود حتى الآن، وهي في تردد من اتخاذ القرار رغم الدعم الشعبي الذي تحظى به الدولة لوقف هذا النزيف ومعالجة هذا القصور، فكيف ممكن أن يتوقع أن تقوم إدارة كالأوقاف في البحرين بالقيام بالمهمة وحدها؟
إذ في حين انصبت توصيات المجلس الوطني في البحرين وتركزت على تجفيف منابع الإرهاب، ظلت تلك المواقع والقائمون عليها حتى هذه اللحظة خارج نطاق التوصيات، ومازالت الدولة مترددة في اتخاذ قرار إنفاذ القانون، فلا يتوقع أحد أن تقدر إدارة كالأوقاف أن تقوم بما عجزت عنه الدولة ممثلة في وزارة العدل ووزارة الداخلية والمؤسسة القضائية.
الدولة بحاجة لأن تعمل كفريق متضامن «شعبياً ورسمياً» بكل أجهزتها في معالجة بؤر الإرهاب في مساجدنا ومآتمنا، ولا يترك شخص أو إدارة أو جهة لوحدها دون إسناد رسمي وشعبي، فالمعركة التي تخوضها الدولة المدنية الديمقراطية هي معركة الجميع ومن أجل مستقبل الأجيال القادمة.
ففي العقود الأخيرة سيطرت «الأحزاب» على دور العبادة وسخرتها لخدمة فكرها وعقيدتها الحزبية الضيقة وادعت أن خدمة حزبها تعني خدمة «الإسلام»، وأصبحت هذه الدور مواقع تنافس وتقاتل بين هذه «الأحزاب» بشقيها السني والشيعي، وكان دور الدولة معدوماً في تلك المعارك الحزبية، ومن ولي على الأوقاف وقف متفرجاً لأنه لا يملك الضوء الأخضر من قيادة الدولة، حتى سقطت معظم المساجد والمآتم في يد تلك الأحزاب، وأتت الطامة الكبرى.
اليوم خرجت تلك الدور أجيالاً حزبية لا أجيالاً إسلامية، فالإخواني لا يقبل السلفي وكلاهما من مذهب واحد والعكس صحيح، وتقاتل الطرفان على الاستحواذ على المساجد، كل حزب ينشط في جلب التمويل لتفرح الأوقاف بتوفير مبلغ بناء أو ترميم المسجد مقابل أن تسلم إدارة المسجد لجهة التمويل تسليماً كاملاً فتتلقفها الأحزاب «مصلمة»، حتى يكون الإمام من جهة طرف التمويل! وهكذا آلت النتيجة أن تجد أحياء ومناطق سكنية يغلب عليها الفكر السلفي لأن إمامهم من هذا الحزب، وأحياء ومناطق وعوائل يغلب عليها الإخوان لأن مسجدهم بني على نفقة هذا الحزب,، وكأن ديننا السمح، ورسالة نبينا المصطفى، انتهى بهما المطاف إلى أن يحدد «التحزب» هويتنا، لا الإسلام ولا التوحيد مقصدنا، فإن لم تكن تبعاً لولاية هذا المرشد أو ذاك المرشد فأنت لست من الدين ولا يحق لك أن تتحدث عن الدين.
والأمر بالنسبة للشيعة كان أخطر، حيث ابتعدت الدولة مسافات أكبر عن مسؤولية تلك الدور كما هو حالها في كل ما يتعلق بالعقيدة والمذهب الشيعي، إذا أرادت الدولة أن تبرئ ذمتها من التدخل في الخصوصية المذهبية، فلتتخلَ عن مسؤوليتها بالكامل، حتى جاءتنا أحزاب إيرانية التبعية واستولت على المساجد والمآتم ووصلت بمعركة الاستحواذ التي خاضتها ضد المرجعيات العربية إلى استخدام العنف، ومع ذلك لم تتدخل الدولة، حتى وصل بنا الحال إلى أن يعين رئيس الدولة الإيرانية سفيراً دينياً له يحمل الجنسية البحرينية ليكون دولة داخل الدولة.
النتيجة أن الكثير من دور العبادة تضاءل فيها ذكر الله مقابل نمو وتصاعد ذكر الجماعات والأحزاب بامتداداتها. فالخطبة الرئيسة الآن، تدور حول ما يحدث في العراق أو ما يحدث في إيران أو ما يحدث في سوريا أو ما يحدث في مصر -كل دار عبادة حسب تبعية حزبها- وجهة التبعية هي التي تستحوذ على القدر الأكبر من الخطاب الذي كان مفروضاً أن يوجه لله.
وحين لا ينشغل الخطيب بالشأن الخارجي فإنه يخصص الخطبة الرئيسة للتهجم على خصوم حزبه سواء كانوا من مذهب آخر أو من مذهبه، أو يخصصه للدعوة لكتل نيابية أو لترشيحات انتخابية.. هذا هو حال العديد، بل معظم مساجدنا، وغابت الدولة وكان الشعب البحريني هو الضحية الذي دفع الثمن.
العديد من دور العبادة كان لها دور في ما حدث في البحرين، ونظرة واحدة للجرائم التي نصت توصيات الجلسة الاستثنائية على التشديد في عقوبتها هي التي تركزت على بؤر الإرهاب وعلى البيئة وعلى الماكينة التفريخية الإرهابية، وسنجد أن كثيراً من تلك الجرائم ارتكبت في دور العبادة، دور العبادة كانت أكبر ماكينة تفريخ إرهابية خارج نطاق الدولة وكانت منطقة إرهاب حرة لا تدخلها الدولة ولا قانونها.. ومازالت!!
التحريض على القتل، التحريض على ازدراء الآخر، التحريض على تقسيم البحرين، التحريض على مخالفة القوانين وعدم الاعتراف بها، جمع المال الذي كان مصدراً رئيساً من مصادر قوة الزعامات السياسية بفضله كل تلك الجرائم ارتكبت في دور العبادة والدولة تتفرج والشعب حانق يكتم غيظه.
وحتى هذه اللحظة مازال دور الدولة متردداً في معالجة هذا الخلل الرهيب، حتى هذه اللحظة تحوم السلطة التنفيذية بتوصياتها الخاصة بمكافحة الإرهاب خارج نطاق التطبيق، وتقف عند حدود التعديلات التشريعية فقط، لكنها لم تجرؤ على تطبيق أي من تلك التشريعات وتضعها موضع التنفيذ والتطبيق.
لذا فإن تغيير الوجوه في الأوقاف ما لم يسنده موقف وقرار دولة تسخر كل أجهزتها الرسمية لتطبيق القانون وإلزام تلك الدور بالضوابط القانونية، فإننا ندور في الهواء وفي حلقة مفرغة وأجبن من أن نكون دولة!
{{ article.visit_count }}
إذ في حين انصبت توصيات المجلس الوطني في البحرين وتركزت على تجفيف منابع الإرهاب، ظلت تلك المواقع والقائمون عليها حتى هذه اللحظة خارج نطاق التوصيات، ومازالت الدولة مترددة في اتخاذ قرار إنفاذ القانون، فلا يتوقع أحد أن تقدر إدارة كالأوقاف أن تقوم بما عجزت عنه الدولة ممثلة في وزارة العدل ووزارة الداخلية والمؤسسة القضائية.
الدولة بحاجة لأن تعمل كفريق متضامن «شعبياً ورسمياً» بكل أجهزتها في معالجة بؤر الإرهاب في مساجدنا ومآتمنا، ولا يترك شخص أو إدارة أو جهة لوحدها دون إسناد رسمي وشعبي، فالمعركة التي تخوضها الدولة المدنية الديمقراطية هي معركة الجميع ومن أجل مستقبل الأجيال القادمة.
ففي العقود الأخيرة سيطرت «الأحزاب» على دور العبادة وسخرتها لخدمة فكرها وعقيدتها الحزبية الضيقة وادعت أن خدمة حزبها تعني خدمة «الإسلام»، وأصبحت هذه الدور مواقع تنافس وتقاتل بين هذه «الأحزاب» بشقيها السني والشيعي، وكان دور الدولة معدوماً في تلك المعارك الحزبية، ومن ولي على الأوقاف وقف متفرجاً لأنه لا يملك الضوء الأخضر من قيادة الدولة، حتى سقطت معظم المساجد والمآتم في يد تلك الأحزاب، وأتت الطامة الكبرى.
اليوم خرجت تلك الدور أجيالاً حزبية لا أجيالاً إسلامية، فالإخواني لا يقبل السلفي وكلاهما من مذهب واحد والعكس صحيح، وتقاتل الطرفان على الاستحواذ على المساجد، كل حزب ينشط في جلب التمويل لتفرح الأوقاف بتوفير مبلغ بناء أو ترميم المسجد مقابل أن تسلم إدارة المسجد لجهة التمويل تسليماً كاملاً فتتلقفها الأحزاب «مصلمة»، حتى يكون الإمام من جهة طرف التمويل! وهكذا آلت النتيجة أن تجد أحياء ومناطق سكنية يغلب عليها الفكر السلفي لأن إمامهم من هذا الحزب، وأحياء ومناطق وعوائل يغلب عليها الإخوان لأن مسجدهم بني على نفقة هذا الحزب,، وكأن ديننا السمح، ورسالة نبينا المصطفى، انتهى بهما المطاف إلى أن يحدد «التحزب» هويتنا، لا الإسلام ولا التوحيد مقصدنا، فإن لم تكن تبعاً لولاية هذا المرشد أو ذاك المرشد فأنت لست من الدين ولا يحق لك أن تتحدث عن الدين.
والأمر بالنسبة للشيعة كان أخطر، حيث ابتعدت الدولة مسافات أكبر عن مسؤولية تلك الدور كما هو حالها في كل ما يتعلق بالعقيدة والمذهب الشيعي، إذا أرادت الدولة أن تبرئ ذمتها من التدخل في الخصوصية المذهبية، فلتتخلَ عن مسؤوليتها بالكامل، حتى جاءتنا أحزاب إيرانية التبعية واستولت على المساجد والمآتم ووصلت بمعركة الاستحواذ التي خاضتها ضد المرجعيات العربية إلى استخدام العنف، ومع ذلك لم تتدخل الدولة، حتى وصل بنا الحال إلى أن يعين رئيس الدولة الإيرانية سفيراً دينياً له يحمل الجنسية البحرينية ليكون دولة داخل الدولة.
النتيجة أن الكثير من دور العبادة تضاءل فيها ذكر الله مقابل نمو وتصاعد ذكر الجماعات والأحزاب بامتداداتها. فالخطبة الرئيسة الآن، تدور حول ما يحدث في العراق أو ما يحدث في إيران أو ما يحدث في سوريا أو ما يحدث في مصر -كل دار عبادة حسب تبعية حزبها- وجهة التبعية هي التي تستحوذ على القدر الأكبر من الخطاب الذي كان مفروضاً أن يوجه لله.
وحين لا ينشغل الخطيب بالشأن الخارجي فإنه يخصص الخطبة الرئيسة للتهجم على خصوم حزبه سواء كانوا من مذهب آخر أو من مذهبه، أو يخصصه للدعوة لكتل نيابية أو لترشيحات انتخابية.. هذا هو حال العديد، بل معظم مساجدنا، وغابت الدولة وكان الشعب البحريني هو الضحية الذي دفع الثمن.
العديد من دور العبادة كان لها دور في ما حدث في البحرين، ونظرة واحدة للجرائم التي نصت توصيات الجلسة الاستثنائية على التشديد في عقوبتها هي التي تركزت على بؤر الإرهاب وعلى البيئة وعلى الماكينة التفريخية الإرهابية، وسنجد أن كثيراً من تلك الجرائم ارتكبت في دور العبادة، دور العبادة كانت أكبر ماكينة تفريخ إرهابية خارج نطاق الدولة وكانت منطقة إرهاب حرة لا تدخلها الدولة ولا قانونها.. ومازالت!!
التحريض على القتل، التحريض على ازدراء الآخر، التحريض على تقسيم البحرين، التحريض على مخالفة القوانين وعدم الاعتراف بها، جمع المال الذي كان مصدراً رئيساً من مصادر قوة الزعامات السياسية بفضله كل تلك الجرائم ارتكبت في دور العبادة والدولة تتفرج والشعب حانق يكتم غيظه.
وحتى هذه اللحظة مازال دور الدولة متردداً في معالجة هذا الخلل الرهيب، حتى هذه اللحظة تحوم السلطة التنفيذية بتوصياتها الخاصة بمكافحة الإرهاب خارج نطاق التطبيق، وتقف عند حدود التعديلات التشريعية فقط، لكنها لم تجرؤ على تطبيق أي من تلك التشريعات وتضعها موضع التنفيذ والتطبيق.
لذا فإن تغيير الوجوه في الأوقاف ما لم يسنده موقف وقرار دولة تسخر كل أجهزتها الرسمية لتطبيق القانون وإلزام تلك الدور بالضوابط القانونية، فإننا ندور في الهواء وفي حلقة مفرغة وأجبن من أن نكون دولة!