وحدة الهدف المشترك لا وحدة الوجود، هي الحالة التي تلبست ذهنية الرئيس الأمريكي باراك أوباما متعبداً في محراب الروحانيات الإيرانية. والهدف المشترك مع حسن روحاني هو إنهاء القطيعة القائمة بين البلدين منذ أكثر من ثلاثة عقود. فالمصالحة يمكن الترويج لها بوصفها منتجاً جديداً. ولا يحتاج الأمر إلى مدارك ذهنية عالية ليعرف أن عودة التواصل سيعد إنجازاً يضاف إلى إنجازات أوباما كالانسحاب من العراق ولاحقاً من أفغانستان، بالإضافة إلى عدم شن هجوم على المفاعلات الإيرانية، ومثلها عدم دخول واشنطن في حرب حتى مع «الأسد الكيماوي». فهل من المصادفات الاستراتيجية أن المحور الذي تتقاطع فيه كل هذه الإنجازات هو مصلحة نظام طهران!هذا التقاطع المثير للاهتمام أثار أسئلة ستقود لنسف الكثير من المرتكزات التي قام عليها لمدة طويلة تحليل المشهد الأمريكي - الإيراني. فما الذي سيجعل النوازع الشيطانية الأمريكية تتكسر على حدود لغة الخطاب الجديدة لروحاني؟ فواشنطن سعت إلى إسقاط حكومة الملالي منذ انتصار الثورة الإسلامية، «عبر أسوأ وأكثر الإجراءات غدراً، وذلك مسجل في ذاكرة الشعب الإيراني، فالأمريكيون يعرقلون حتى شراء الأدوية للمرضى في إيران» كما قال قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني في هجومه على غزل روحاني مع واشنطن. فهل نتلقف الجواب السهل ونقول حسن النوايا الإيرانية التي أبدتها طهران مؤخراً هي الدافع، أم إن الاتصال كان قائماً ومعقد التتبع منذ زمن؟!لم تكن الأحذية والبيض الذي تطاير في اتجاه الرئيس الإيراني حسن روحاني حال عودته إلى بلاده إلا لطمة تأديب مرتبة منه لنفسه الأمارة بالسوء، وهي إشارة خضراء لواشنطن حيث ستبدأ بعدها شبكة العلاقات العامة الأمريكية بالترويج لروحاني كبطل، وفي ذلك امتداد لـ»البروباغندا» التي بدأها مرشد الجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي، حين أوضــح أن سياسة إيران الجديدة تعتمد «مرونة الأبطال» في مفارقة مثقلة بالسخرية تذكرنا بسلام الشجعان، حين واجه أنور السادات الصهاينة «بزيارة» كان ثمنها التطبيع العلني والمستتر مع إسرائيل من كافة من حاربها لعقود.ستكون نتيجة المداهنة القائمة حالياً بين الطرفين لصالح طهران، فالسياسة الخارجية الإيرانية تقودها ثوابت عقائدية، بينما يقود السياسة الخارجية الأمريكية المنهج التجريبي كجزء من البراغماتية أو المصلحية المتقلبة بين مرحلة سياسية وأخرى. ولعل خير دليل على ذلك هو تردد الرئيس أوباما في استقبال روحاني حينما كان الاثنان معاً تحت سقف واحد في نيويورك. وحينما انتهى الارتباك وانتهت مشاركتهما في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، اتصل البيت الأبيض على هاتف السفير الإيراني لدي الأمم المتحدة محمد خزاعي الذي رافق روحاني وأبلغه رغبة أوباما في الحديث مع روحاني.ورغم أن واشنطن كانت على اتصال دائم بتل أبيب مبررة لحليفها الاستراتيجي كل خطوة تقوم بها في هذا الاتجاه، رغم ذلك فقد ظهر في أفق هذا التواصل فوراً سحب رعدية إسرائيلية غاضبة وتشكيك في «استعراض الابتسامات» بين الطرفين. حينها تملكتني فجأة الرغبة بمعرفة إن كان في أروقة صنع القرار الخليجية غضب، أو ارتياح أم لامبالاة بما يجري بين حليفنا الاستراتيجي في واشنطن وجارتنا المتعبة في طهران! خاصة أن هذه التطورات تمت خلال عقد «منتدى التعاون الاستراتيجي بين مجلس التعاون والولايات المتحدة»، بل وفي ظل قرار الاستمرار في تعزيز التنسيق في مجال الدفاع ضد الصواريخ الباليستية، بمنظومة صاروخية قابلة للتشغيل بصورة مشتركة بين قوات مجلس التعاون والولايات المتحدة، وضد إيران بصورة خاصة.* المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج