في جلسة جمعتني مع أحد الأطباء، كنا نتحدث عن خطورة ما يقوم به بعض علماء الدين من تجاوزات لكل القيم التي يدعون إليها في المجتمع، والخلاصة التي وصلنا إليها في حديثنا؛ أنه يجب على عالم الدين أن يكون قدوة لكل أبناء المجتمع، سواء في حال أمر بواجب أو نهى عن معصية، وإلا فإن علمه

وكلامه وكل نصائحه لا تعدو مجرد هراء.
لم نكمل كلامنا حتى قام حضرة الدكتور الفاضل بإخراج سيجارته، ومن ثم أخذ يدخن أمامي وهو يتحدث عن أهمية القدوة في المجتمع. من هنا سقطت كل القيم التي تحدث عنها هذا الطبيب أمام عيني، لأنه بات يمارس ذات الدور المجنون الذي يمارسه عالم الدين الذي يحق له أن يقول كل شيء، لكنه لا يفعل

أي شيء.
بعد ذلك سألته؛ ما هو الفرق بينك أيها الطبيب الناصح وبين عالم الدين الذي لا يعمل بعلمه؟ كيف لك أن تكون قدوة للشباب ولكل أفراد المجتمع وأنت تقوم بالتدخين أمامهم؟ هل لك أن تقنع مدخناً بالإقلاع عن التدخين وأنت تدخن؟ أم أن مضار التدخين العلمية والصحية لم تثبت لديك حتى الآن؟
انتشرت ظاهرة التدخين بين الأطباء في الآونة الأخيرة بصورة رهيبة، حتى أصبحت ظاهرة عادية في المستشفيات والمقاهي على حد سواء، فالطبيب وهو في عمله يدخن، وما أن يتحصل على فرصة في مستشفى السلمانية الطبي وغيره من المستشفيات الخاصة والعامة، حتى يقوم بإخراج سيجارته في البهو

أو الممرات الخارجية لتلك المستشفيات، وأمام أنظار كل المرضى والزوار، وحتى أمام أعين كل المسؤولين في وزارة الصحة دون حياء أو خجل ليمارس مراهقته.
في ساحات المستشفيات المفتوحة تستطيع أن تميز الطبيب من الشخص «اللوفري» بالرداء الأبيض «لاب كوت» فقط، وما يجتمعون عليه هو السيجار، وما يختلفون فيه هو وعي كل منهما بمضار التدخين من عدمه.
من غير اللائق أن يتوجه الأطباء إلى سلوك ربما يخالف معتقداتهم العلمية والطبية، ومن غير المفهوم أن يقوم الأطباء بممارسة عادات غير صحية تخالف ثقافتهم العلمية وتوجهاتهم الثقافية، ومن غير المقبول أن يقوموا بالنصح لمرضاهم بترك العادات السيئة وهم يمارسونها في ذات الوقت!
أطباء يقومون بالتدخين في وقت الدوام الرسمي وفي المستشفيات، وكذلك يمارسون هذا السلوك في منازلهم وأمام أطفالهم، أما حين يجلسون في المقاهي وقت استجمامهم فإن دخان الشيشة يتطاير من أفواههم في منظر غير عادي، لا يدلك على أن من هو أمامك الآن طبيب ومثقف ورجل علمي على الإطلاق.
تدخين الأطباء لا يدخل في نطاق الحرية الشخصية كما يريد بعضهم أن يوهمنا، كما إنه ليس سلوكاً فردياً، بل أصبح ظاهرة صحية سلبية مقلقة للمجتمع، كما إنها سلوك غير حضاري، ومن هنا يجب إيقاف هذه الفوضى فوراً.
أين وزارة الصحة عن كل هذا الأمر المفضي إلى الضحك والبكاء معاً؟ لماذا لا تقوم الوزارة باستصدار قوانين صارمة وعقوبات رادعة لكل طبيب يقوم بممارسة التدخين، خصوصاً في المستشفيات؟ أين دور عيادة الإقلاع عن التدخين التابعة لوزارة الصحة عن ظاهرة تدخين الأطباء في البحرين؟ أم أنهم

يدخنون كذلك؟ أما السؤال الأخير والأهم فهو؛ متى سيقنع الطبيب المدخن، الإنسان العادي المدخن، بأن يقلع عن التدخين؟... في المشمش.