هــذه حقيقــة لا يختلــف عليهــا اثنــان؛ فالجميع مل من الوضع الذي صرنا فيه، والجميع صار يتلفت من حوله لعله يرى مخرجاً من هذه الأزمة المملة، ومع هذا لا تزال كل الأطراف ذات العلاقة مستمرة في الإصرار على رأيها وموقفها، ولا تزال دون أن تقتنع بأن وضعاً كهذا يتطلب تنازلات بعضها يرقى إلى مستوى تجرع كأس من السم.
المشاركون في حوار التوافق الوطني لا يفكر أحدهم لحظة في مسألة تقديم التنــازلات، ويريد كل طرف منهـــم أن تكــون المكاسب له وحده دون غيــره، فهو يرى أنه هو الصح فقط وأن الخطأ يلبس الآخرين من أخمص أقدامهم إلى أعلى رؤوسهم، وكل طرف يعتقد أنه هو وحده الوطن والآخرين غرباء ولا حق لهم فيه.
ذوو الجمعيات السياسيــــة ومؤسســات المجتمع المدني ينحاز كل منهم إلى تفكيره ورؤيته ويعتقد أنه هو الصح دون غيره، وأن على الآخرين أن يستجيبوا لما يريده ويسلموه الراية عن طيب خاطر. كل اعتبر نفســـه الوطـــن، وكل اعتبر نفسه المفيد الوحيد للوطن دون غيره وأنه هو من ينبغي أن يسمع منه وأن يتكلم، فهو وحده الصح والصح ليس إلا هو.
هذه إشكالية كبيرة ينبغي إيجاد حل لها، لأن أي حل للمشكلة البحرينية لا يمكن أن يتحقق إن ظلت الأطراف المعنية تعتقد مثل ذلك الاعتقاد، وتؤمن أنها الوحيدة المعنية بمشكلة هذا الوطن الذي هو الآخر مل من هذا الذي يحدث، واستاء من إصرار كل طرف على رأيه دون أن يحسب له أي حساب.
كلنا أطراف وكلنا أجزاء، ولا يمكن لهذه المشكلة أن تحل من دون أحدنا، فلا يمكن تغييب طرف ولا يمكن تهميش آخر. هذه حقيقة علينا جميعاً أن نستوعبها. الكل معني بالمشكلة، والكل ينبغي أن يشارك في حلها وأن يتحمل المسؤولية التاريخية، وعلى الجميع أن ينظر إلى الموضوع من منطلق الوطنية وليس من منطلق المصلحة الشخصية أو مصلحة جماعة أو فئة أو طائفة أو حزب أو مصلحة آنية أو مرحلية.
حالة الملل التي صرنا فيها ودائرة الإصرار على الرأي التي حصرنا أنفسنا فيها تستدعي تدخلاً قوياً من الدولة، والتدخل هنا، كما أراه ويراه كثيرون، يكون بقرارات شجاعة ظلت على الدوام تميز قيادتنا الرشيدة التي لا يمكن أن تقبل باستمرار هذا الوضع الذي لن يؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد وإلى مزيد من تعميق الشروخ بين أبناء الوطن الواحد.
سنظل ندور في حلقة مفرغة ولن نصـــل في النهاية إلا إلى حقيقة واحدة هي أن مفتاح الحل بيد القيادة التي تملك وحدها القدرة على رمي كل التجاوزات وراء ظهر الوطن ليتفرغ الجميع للبناء وتعويض ما فات الوطن من وقت ضاع في اللاشيء، ولم ينتج سوى الضغائن ولم يتسبب إلا في إحداث الآلام.
الشعب مل من كل هذا الذي يحدث منذ سنتين ونيف ولا يرى ضوء في آخر النفق يعطيه الأمل في أن أطراف المشكلة سيتوصلون ذات لحظة إلى حل وتوافق.
الأمل بعد الله سبحانه وتعالى معقود بالقيــادة الرشيدة التي تعودنا منهـــا الجرأة في حسم الأمور، والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، وتسجيل المواقف التي يدونها التاريخ بأحرف من نور. والحقيقة أن شعب البحرين لا يستبعد أن تحل كل المشكلات في لحظة، فالقيادة التي غيرت أحوال البـلاد مائة وثمانين درجة في وقت قصير واستجابت لمطالب الشعب كلها وحلت مشكلات كبيرة ظلت عالقة لسنوات طويلة، هذه القيادة لا شك أنها قادرة على أن تطوي المشكلة التي أرقت الجميع وأوصلتهم إلى حالة الملل هذه، وهي قادرة على جبر كل الخواطر.