تخرج مظاهرة في قرية أو فريج وتتحول بعد قليل إلى أعمال شغب ومواجهات مع رجال الأمن، المتظاهرون يرمون رجال الأمن بالحجارة وقنابل المولوتوف الحارقة وغير ذلك، ورجال الأمن يتعاملون معهم بإطلاق قنابل مسيلات الدموع. يحمى الوطيس فتستمر المواجهات وتطول؛ فما الذي يحدث؟
بسبب أن الطرفين لا يلتقيان في ملعب كرة قدم، وبسبب أن الجمهور لا يتابع ما يحدث وهو جالس في المدرجات «يفسفس الحب»، لذا فإن كل ما ومن يتواجد في المكان الذي تحدث فيه الاشتباكات قابل لأن يتعرض للأذى والضرر. فالحجارة التي يرميها المتظاهرون على رجال الأمن قد تخطئ هدفها وتصيب أحد المارة ممن لا علاقة لهم بما يدور بين الطرفين، ولكن لسوء حظه تواجد في ذلك المكان في تلك اللحظة، وقد تصيب السيارات المتوقفة في المكان فتكسر الزجاج أو تحدث ندبات في هياكلها. وزجاجات المولوتوف التي يرميها المتظاهرون على رجال الأمن قد تخطئ مسارها وتنزل على السيارات المتوقفة في المكان أو المارة به أو حتى في البيوت، وقد ينتج عن ذلك حرائق. والحال نفسه يحدث مع مسيلات الدموع التي يطلقها رجال الأمن على المتظاهرين للسيطرة على الموقف وفرض القانون؛ حيث يمكن أن تتسبب هي الأخرى في الأذى. وبالتاكيد فإن الدخان بلونيه الذي يتصاعد من مسيلات الدموع وإطارات السيارات يتسبب في أذى كل الموجودين في المنطقة بمن فيهم المتعاركون.
في وضع كهذا، والذي قد يمتد إلى ساعات، لا يتمكن أحد من الدخول إلى المنطقة أو الخروج منها لأن في ذلك مغامرة قد تكلف الكثير. هذا يعني أن تعرض أحد المواطنين أو المقيمين لطارئ يستدعي نقله إلى المستشفى أو وصول سيارة الإسعاف إليه في الوقت المناسب مسألة صعبة، فالمعركة التي تجري في المكان تعيق وصوله إلى المستشفى وتعيق وصول المستشفى إليه.
هذا يعني أن عاثر الحظ هذا، الذي قد يكون رجلاً أو امرأة أو طفلاً أو عجوزاً، يمكن أن «يروح من صيد أمس»، ويعني أن الأشخاص الذين يتصادف وجودهم في المكان يمكن أن يتعرضوا للخطر، ويعني أن السيارات التي لن يتمكن أصحابها من تحريكها قابلة للتعرض للأذى، وكذلك البيوت التي يمكن أن تستقبل بطريق الخطأ قنبلة مسيلة دموع أو قنبلة مولوتوف أو حجراً أو سيخاً حديدياً أو أي أداة أخرى يتم استخدامها في تلك المواجهات.
هنا يأتي السؤال الخشن؛ من هو المسؤول عن مثل هذه الأضرار؟ ومن الملام؟ في الأيام الأخيرة احترقت ثلاث سيارات في البلاد القديم وأخرى في سترة وتضررت سيارات أخرى وتعرض كثيرون للأذى والخطر وتعطلت حياة الكثيرين، من هو المسؤول عن كل هذه الأضرار؟ الحكومة التي واجهت بمسيلات الدموع مظاهرة ترفع شعارات ضد الدولة وتتحدى القانون وتوظف ما صارت تسميه «أدوات الدفاع المقدس»؛ أم المتظاهرون الذين يعتبرون عدم خروجهم في مظاهرات ومواجهات مع رجال الأمن في اليوم الواحد خمس مرات ذنباً يستدعي التكفير عنه بالمشاركة في مظاهرة أكبر؟ من المسؤول عما تخلفه تلك المعارك التي تتكرر يومياً من أضرار في البشر والممتلكات؟
أسئلة خشنة؛ لكن الإجابة عنها مائعة، ولن يجد المتضرر فيها ما يشفي غليله ويعوضه عن خسارته، ولعل شركة التأمين تقول له «الله يعوضك» باعتبار أن التأمين لا يشمل مثل هذه الأمور.
هذا وضع ينبغي إيجاد نهاية له، فلا المتظاهرون بإمكانهم أن يركعوا الدولة، ولا الأمن بإمكانه وضع حد نهائي لممارسات المتظاهرين. حل المشكلة معروف ولا حل غيره، وهو التفاهم والتحاور والتوافق على إصلاحات، عدا هذا ستستمر المواجهات وستستمر معاناة الأبرياء الذين يتكبدون الخسائر الأكبر.