قضية «حضانة الحد» هي القضية الجديدة بعد قضية الطفلة فاطمة والطفل راشد التي نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في إثارتها جماهيرياً بشكل واسع، ونجحت في خلق رأي عام ضاغط أجبرت من خلاله السلطة التنفيذية والسلطة القضائية على التحرك حراكاً غير تقليدي سريع المفعول غير مسبوق، حيث اتخذت الإجراءات فوراً وخلال أيام من إثارتها وفتح ملفها في «تويتر وواتس آب وإنستغرام» وبذلك يصبح التويتر والواتس آب والإنستغرام سلطة رقابية شعبية تفوق في قوتها وأثرها الرقابي سلطة المجالس النيابية أو سلطة الأحزاب السياسية، وحتى قوة وأثر السلطة الرابعة «الصحافة».
فحين يتجاوز متابعو أي من الحسابات -حتى وإن كان باسم مستعار- أكثر من 20 ألفاً «وهذا رقم متواضع» فإنك تتحدث عن عدد من الأصوات يفوق العدد الذي حصل عليه أكثر من 90% من نوابنا والذين نجح بعضهم ووصلوا للكرسي البرلماني بعدد لا يزيد عن 3000 صوت! إنك تتحدث عن حساب يفوق عدد قرائه قراء أهم صحيفتين في البحرين، إذاً أنت أمام سطوة جماهيرية كبيرة تنافس الأحزاب السياسية والمؤسسات التمثيلية، وهي سطوة ثبت أنها قادرة على إحكام الأدوات الرقابية وقادرة على التغيير وقادرة على سرعة التنفيذ، وهذه شواهد حية وأخرى غيرها قادم في الطريق «ملف اللحوم، ملف ألبا، ملف الديزل» وغيرها، فهل ستكون هذه الوسائل هي برلماننا القادم؟!!
على العموم إن التبشير بتجاوز الجماهير المؤسسات التقليدية التي تدير شؤون الدولة والتابعة للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى وسائل وبدائل أخرى لتنفيذ الإرادة الشعبية، نقاش جاد يجري في الدول الديمقراطية الغربية منذ فترة تحت مسمى «ما بعد الديمقراطية» وهو مصطلح جديد يشبـــه مصطلح ما بعد الحداثة، وهو جديد حتى في بلاد منشأ الديمقراطية، فما بالك ونحن بالكاد نسير إلى بوادر الديمقراطية وبواكيرها؟!!
إنما يبدو من بعض الشواهد مثل تلك التي افتتحت بها مقال اليوم أننا مسيرون في بعض الأحيان ولسنا مخيرين إلى طرائق لم تكن في حسباننا نتيجة «هجوم» التكنولوجيا واقتحامها لغرف نومنا وانتشارها وسهولة توافرها كوسيلة تعبير مما فتح لنا الباب دون أن ندري إلى تنفيذ الإرادة الشعبية بوسيلة جديدة وربما قفز بنا إلى ما يسمى بما بعد الديمقراطية.
فالنقاش الأوروبي الأمريكي الآن يبشر بتجاوز المجتمعات للسلطات المنتخبة واستبدالها بالشركات الدولية وبعضهم بشر باللاعبين الجدد «منظمات وشركات وجماعات»، وبعضهم كشنتال موف أستاذة العلوم السياسية في جامعة وست منيستر نبهت الأحزاب إلى زوال سطوتهم وحذرتهم من هذا القادم والمسمى «الطريق الثالث ما بعد الديمقراطية» فقالت «تذهب إحدى الأطروحات المركزية في النقاش الراهن حول «ما بعد الديموقراطية» إلى التأكيد على أن الديموقراطيات الحديثة تخضع، بشكل متصاعد، لسيطرة نخب تتمتع بالامتيازات، خلف واجهة من المبادئ الديموقراطية الشكلية. كما يؤدّي اعتماد سياسة نيوليبرالية إلى «استعمار» الدولة من قبل مصالح كتل اجتماعية ومؤسسات اقتصادية، مما يجعل القرارات السياسية المهمة تتخذ اليوم خارج القنوات الديمقراطية التقليدية. وينعكس فقدان المؤسسات الديمقراطية للمشروعية في تفاقم الاستلاب السياسي».. ثم تضيف «لا أرفض هذه النظرية ولكني أعتقد مع ذلك أننا عندما نبحث في أسباب تلك الظاهرة، بالنظر إلى إمكانية قلب ذلك الاتجاه من جديد، فلابد لنا أيضاً من إبراز الدور الذي لعبته أحزاب الطيف اليساري في سيرورة استلاب السياسة الديمقراطية».
وبشر بعضهم الآخر بتولي المؤسسات المدنية «جمعيات واتحادات ونقابات» زمام الأمور وسحب البساط من السلطة النيابية (اقرأ بحثاً ممتازاً للكاتب حيدر سعيد «نهاية الحزب.. بداية المجتمع المدني» نشر في مجلة آفاق المستقبل قبل عامين)، وبعضهم مثل فريد زكريا كاتب في نيويورك تايمز وله برنامج في الـ«سي إن إن» وله كتاب اسمه حرية الديمقراطية دعا فيه لإعادة النظر في التعصب لفكرة حصر الديمقراطية في السلطات الثلاث فقط كنظام لإسعاد الشعوب وتحقيق إرادتهم، وإنه بإمكان القضاء المستقل النزيه العادل والصحافة المستقلة النزيهة أن يقوما مقام أي مؤسسة رقابية شعبية.
الشاهد من هذا العرض وعودة لمقدمة المقال نصل إلى أن الشعوب سئمت الأحزاب وسئمت النخب السياسية مثلما سئمت الأنظمة، ففساد الأحزاب وانحراف مسيرتهم واستحواذ نخب دينية أو نخب اقتصادية على تلك الأحزاب جعلها تمثل مصالح فئوية خاصة على حساب رفاه الشعوب، مما دفع المجتمعات إلى تلمس طريقها بنفسها بعيداً عن هيمنة هذه النخب.
وفي البحرين على رغم صغر عمر التجربة الحزبية فإن خيبة أمل المجتمع البحريني في النماذج الموجودة داخل أو خارج المجلس النيابي خيبة لا يختلف عليها اثنان، فالأحزاب الدينية واليسارية أصبحت عبئاً على الشعب البحريني وكلفة استرضائها من قبل نخب النظام السياسي جاءت على حساب رفاه المجتمع، مما جعله يجد الطريق الثالث ويحقق بعضاً من إرادته بنفسه، قافزاً على المجلس النيابي وعلى الصحافة وعلى الجمعيات السياسية، وبالفعل حقق نجاحات تبشر بالخير.. من يدري قد تكون البداية لأن تقود البحرين التجربة السياسية إلى ما بعد الديمقراطية في حين لم تقترب الشعوب المجاورة من الديمقراطية.. الله العالم.
فحين يتجاوز متابعو أي من الحسابات -حتى وإن كان باسم مستعار- أكثر من 20 ألفاً «وهذا رقم متواضع» فإنك تتحدث عن عدد من الأصوات يفوق العدد الذي حصل عليه أكثر من 90% من نوابنا والذين نجح بعضهم ووصلوا للكرسي البرلماني بعدد لا يزيد عن 3000 صوت! إنك تتحدث عن حساب يفوق عدد قرائه قراء أهم صحيفتين في البحرين، إذاً أنت أمام سطوة جماهيرية كبيرة تنافس الأحزاب السياسية والمؤسسات التمثيلية، وهي سطوة ثبت أنها قادرة على إحكام الأدوات الرقابية وقادرة على التغيير وقادرة على سرعة التنفيذ، وهذه شواهد حية وأخرى غيرها قادم في الطريق «ملف اللحوم، ملف ألبا، ملف الديزل» وغيرها، فهل ستكون هذه الوسائل هي برلماننا القادم؟!!
على العموم إن التبشير بتجاوز الجماهير المؤسسات التقليدية التي تدير شؤون الدولة والتابعة للسلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى وسائل وبدائل أخرى لتنفيذ الإرادة الشعبية، نقاش جاد يجري في الدول الديمقراطية الغربية منذ فترة تحت مسمى «ما بعد الديمقراطية» وهو مصطلح جديد يشبـــه مصطلح ما بعد الحداثة، وهو جديد حتى في بلاد منشأ الديمقراطية، فما بالك ونحن بالكاد نسير إلى بوادر الديمقراطية وبواكيرها؟!!
إنما يبدو من بعض الشواهد مثل تلك التي افتتحت بها مقال اليوم أننا مسيرون في بعض الأحيان ولسنا مخيرين إلى طرائق لم تكن في حسباننا نتيجة «هجوم» التكنولوجيا واقتحامها لغرف نومنا وانتشارها وسهولة توافرها كوسيلة تعبير مما فتح لنا الباب دون أن ندري إلى تنفيذ الإرادة الشعبية بوسيلة جديدة وربما قفز بنا إلى ما يسمى بما بعد الديمقراطية.
فالنقاش الأوروبي الأمريكي الآن يبشر بتجاوز المجتمعات للسلطات المنتخبة واستبدالها بالشركات الدولية وبعضهم بشر باللاعبين الجدد «منظمات وشركات وجماعات»، وبعضهم كشنتال موف أستاذة العلوم السياسية في جامعة وست منيستر نبهت الأحزاب إلى زوال سطوتهم وحذرتهم من هذا القادم والمسمى «الطريق الثالث ما بعد الديمقراطية» فقالت «تذهب إحدى الأطروحات المركزية في النقاش الراهن حول «ما بعد الديموقراطية» إلى التأكيد على أن الديموقراطيات الحديثة تخضع، بشكل متصاعد، لسيطرة نخب تتمتع بالامتيازات، خلف واجهة من المبادئ الديموقراطية الشكلية. كما يؤدّي اعتماد سياسة نيوليبرالية إلى «استعمار» الدولة من قبل مصالح كتل اجتماعية ومؤسسات اقتصادية، مما يجعل القرارات السياسية المهمة تتخذ اليوم خارج القنوات الديمقراطية التقليدية. وينعكس فقدان المؤسسات الديمقراطية للمشروعية في تفاقم الاستلاب السياسي».. ثم تضيف «لا أرفض هذه النظرية ولكني أعتقد مع ذلك أننا عندما نبحث في أسباب تلك الظاهرة، بالنظر إلى إمكانية قلب ذلك الاتجاه من جديد، فلابد لنا أيضاً من إبراز الدور الذي لعبته أحزاب الطيف اليساري في سيرورة استلاب السياسة الديمقراطية».
وبشر بعضهم الآخر بتولي المؤسسات المدنية «جمعيات واتحادات ونقابات» زمام الأمور وسحب البساط من السلطة النيابية (اقرأ بحثاً ممتازاً للكاتب حيدر سعيد «نهاية الحزب.. بداية المجتمع المدني» نشر في مجلة آفاق المستقبل قبل عامين)، وبعضهم مثل فريد زكريا كاتب في نيويورك تايمز وله برنامج في الـ«سي إن إن» وله كتاب اسمه حرية الديمقراطية دعا فيه لإعادة النظر في التعصب لفكرة حصر الديمقراطية في السلطات الثلاث فقط كنظام لإسعاد الشعوب وتحقيق إرادتهم، وإنه بإمكان القضاء المستقل النزيه العادل والصحافة المستقلة النزيهة أن يقوما مقام أي مؤسسة رقابية شعبية.
الشاهد من هذا العرض وعودة لمقدمة المقال نصل إلى أن الشعوب سئمت الأحزاب وسئمت النخب السياسية مثلما سئمت الأنظمة، ففساد الأحزاب وانحراف مسيرتهم واستحواذ نخب دينية أو نخب اقتصادية على تلك الأحزاب جعلها تمثل مصالح فئوية خاصة على حساب رفاه الشعوب، مما دفع المجتمعات إلى تلمس طريقها بنفسها بعيداً عن هيمنة هذه النخب.
وفي البحرين على رغم صغر عمر التجربة الحزبية فإن خيبة أمل المجتمع البحريني في النماذج الموجودة داخل أو خارج المجلس النيابي خيبة لا يختلف عليها اثنان، فالأحزاب الدينية واليسارية أصبحت عبئاً على الشعب البحريني وكلفة استرضائها من قبل نخب النظام السياسي جاءت على حساب رفاه المجتمع، مما جعله يجد الطريق الثالث ويحقق بعضاً من إرادته بنفسه، قافزاً على المجلس النيابي وعلى الصحافة وعلى الجمعيات السياسية، وبالفعل حقق نجاحات تبشر بالخير.. من يدري قد تكون البداية لأن تقود البحرين التجربة السياسية إلى ما بعد الديمقراطية في حين لم تقترب الشعوب المجاورة من الديمقراطية.. الله العالم.