المطرقة وحدها لا تدخل مسماراً في لوح خشب، والفأس وحده لا يقطع شجرة.. الريشة لا ترسم لوحة، السنارة لا تصطاد سمكة والمحراث لا يزرع أرضاً ولا يجني رزقاً، كل تلك الأدوات تحتاج لأيدي الصانع الماهر، تحتاج لمخيلة فنان ومثابرة مزارع وجهد وعرق صياد، نعم فبدونهم تصبح أدوات جامدة لا قيمة لها، وحين تعطيها لمن لا يملك صنعته ولا يجيد وأسرارها لن تجني من ورائها شيئاً ولو بعد حين.
سأضرب على ذلك مثلاً بنفسي؛ فلو أعطيتمونا خشباً ومطرقة ومنشاراً ومسامير وكل الأدوات النجارية وانتظرتم شهراً كاملاً فلن تجدوا أكثر من ألواح خشب مقطعة بعشوائية ومثبت فيها كم مسمار دون هدف ولا تكاد تتماسك، طبعاً مع كثير من فوضى وأصابع مجروحة!! نفس تلك الأدوات يصنع منها النجار الماهر أبواباً ونوافذ وقطع أثاث في يوم واحد، ونستطيع أن نقيس على ذلك ما نشاء وسنحصل على ذات النتائج.
لا يختلف الحال كثيراً مع الأدوات النيابية في أي برلمان؛ فلو حصل عليها برلمانيون متمكنون من صلاحياتهم وطرق العمل بها وتسخيرها وإخراج أفضل النتائج منها تشريعاً ورقابة، مع وضعهم مصلحة الوطن والناس والمسؤولية الملقاة على عاتقهم قبل كل شي، وتحلو بالأمانة والشجاعة والعزيمة سيحققون لأوطانهم ومواطنيهم، وحتى لقادة دولهم وحكوماتها، أفضل المنافع وأكثرها مردوداً على الجميع، فيحاربون الفساد ويقتصون على جذوره ويحاسبون المقصرين ويسنون القوانين التي تساعد على ترسيخ الاقتصاد وجذب الاستثمارات والخروج بأكبر قيمة من الموارد والقوى العاملة، فتتحقق العدالة الاجتماعية والرفاه وحسن توزيع الثروات الوطنية، وتخلق فرص العمل وتطبق القوانين دون تفرقة ويرتفع مستوى الخدمات المقدمة، ويتساوى جميع المواطنين في الحقوق والواجبات، أما إن وقعت تلك الصلاحيات في يد من لا يعرف تحريكها واستثمارها فلا يصبح لوجودها أي قيمة، تماماً كوجود ألواح خشب وأدوات نجارة في يدي.
أقول هذا ونحن نستعد على ما يبدو لدور نيابي ساخن؛ حيث ترد أخبار عن نية النواب تفعيل أدواتهم النيابية الجديدة التي اكتسبوها عام 2011 باستجواب ثلاثة وزراء خلال الأسابيع القليلة المقبلة وهم؛ وزير الصحة صادق الشهابي وزير شؤون البلديات والزراعة جمعة الكعبي ووزيرة الثقافة الشيخة مي آل خليفة، حيث تنسق كتلتا الأصالة والمنبر لاستجواب الوزيرة، فيما تسعى كتلة المستقلين لاستجواب وزير شؤون البلديات والزراعة، أما كتلة البحرين فتعمل على استجواب وزير الصحة، وتؤكد الكتل أنها جادة في موضوع الاستجوابات وتفعيل الأدوات الرقابية خلال هذا الدور تحديداً!!
حقيقة يحق لنا كمتابعين أن نسأل؛ لماذا في هذا الدور تحديداً؟! ولماذا سيتم استجواب هؤلاء الوزراء دون غيرهم؟! هل في وزاراتهم من التجاوزات والفساد المالي والإداري أكثر مما في سواها من وزارات وهيئات حكومية؟! هل ستصلحون باستجواب وزيرة الثقافة أو التنمية (مثلاً يعني) أهم الأخطاء الموجودة في الدولة؟! وستكونون حينها بدأتم فعلاً بالأهم؛ بل بالأكثر أهمية فالمهم؟! وهل التجاوزات الخطيرة التي أبرزها تقرير الرقابة في العام الماضي خصتهم أكثر من غيرهم أم لديكم تسريبات من التقرير القادم تؤكد أنهم الأحق بالاستجواب؟
الواقع يقول إن الوضع داخل المجلس لا يبشر بإمكانية حدوث هكذا استجوابات، وإن حدثت فلا مؤشرات لإمكانية الخروج من ورائها بنتائج تذكر، حتى أن النائب الأول لرئيس مجلس النواب، عبدالله الدوسري، اعتبر التهديدات التي أطلقها كثير من زملائه خلال الفترة الماضية غير جادة ولن تتجاوز الإثارة الإعلامية، والسبب ما وصفه بـ «حالة التشظي والتشتت داخل المجلس»، وهذا شاهد من أهلها!!
وبالنظر لشواهد أخرى نرى أنه في العام 2012 تقدم 19 نائباً بطلب استجواب وزيرة الثقافة، لكنه سقط لأنه لم يحز على أغلبية الأصوات المطلوبة للإحالة إلى اللجنة المختصة، كما تقدم 5 نواب بطلب استجواب وزيرة حقوق الإنسان والتنمية، وقد سقط أيضاً لعدم حصوله على غالبية الأصوات، كذلك تم سحب طلب استجواب وزير المواصلات بناءً على طلب 5 نواب، وهم من سبق لهم أن تقدموا بهذا الطلب!! كان ذلك فقط قبل عام؛ فما الذي تغير منذ ذلك الحين ويدعونا لانتظار أداء مختلف؟!
ونسأل السادة النواب من جديد؛ لماذا هؤلاء الوزراء تحديداً؟! ألم تقرؤوا تقرير ديوان الرقابة؟! حسننا سأذكركم ببعض مما جاء فيه؛ «أملاك حكومية داخل البحرين وخارجها بلا وثائق»، «حلبة البحرين تخالف قانون المناقصات وترسي عقوداً دون مناقصة»، ‏»ألبا تعاني من متأخرات على العملاء بقيمة 120 مليون دينار»، «تراكم المبالغ المستحقة لبابكو على العديد من الجهات والشركات، ‏والتي تصل إلى 231 مليون دينار» هذا غيض من فيض، ولا يسع المجال لذكره كله!!
- شريط إخباري..
لننتهج نمط التفكير العكسي ونسأل؛ هل يشغل النواب الناس بهؤلاء الوزراء عمن سواهم وعن التجاوزات المالية والإدارية الكبرى التي نطق بها تقرير الرقابة الأخير؟ أم يبحثون فقط عن بهرجة إعلامية وانتخابية ويتجنبون في نفس الوقت المواجهات القوية والحقيقية والتي قد تهدد مستقبلهم البرلماني برمته؟!.. والمعنى في بطن الشاعر.