منذ لحظات الاستقلال في 1971 وحتى اليوم مرت تحالفات البحرين الدولية بمراحل عدة اعتمدت على الظروف والتقلبات التي شهدها النظام الدولي، خاصة وأن الفترة التي أعقبت الاستقلال شهدت تحولاً أساسياً في هذا النظام بتغير النظام من الثنائية القطبية إلى الأحادية القطبية.
فاستقـــلال البحريــن كــان فــي مرحلــة الثنائيــــة القطبيــــة والصـــراع بيــــن المعسكريــن الغربي والشرقي، ورغم تبني السياسة الخارجية البحرينية مبدأ عدم الانحياز وانضمام الدولة الوليدة آنذاك إلى حركة عدم الانحياز في 1972، إلا أنها بشكل أو بآخر لم تكن تميل للمعسكر الشرقي كثيراً، وهذا الموقف لم يكن مختلفاً كثيراً عن مواقف الدول الخليجية التي شكلت منظومة مجلس التعاون الخليجي لاحقاً، وحكم هذه العلاقة المصالح الاستراتيجية التي تملكها هذه الدول، وأبرزها الاحتياطيات النفطية الضخمة.
وعليه فإن المنامة لم تفرط في تحالفاتها الدولية مع المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وعزز هذا التوجه غزو الكويت وما عقبه من تحالف خليجي ـ أمريكي لحفظ أمن الخليج.
في العام 1991 تم تحرير الكويت، وأعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب بدء النظام الدولي الجديد بسقوط الاتحاد السوفيتي السابق لتبدأ مرحلة جديدة من التحالفات الدولية قامت على توثيق العلاقات مع واشنطن إلى درجة التحالف العسكري والأمني باتفاقات تم تجديدها عدة مرات حتى وقتنا الراهن.
خلال هذه المرحلة ظهر صراع خفي بين واشنطن ولندن لتكون الحليف الأساس مع دول مجلس التعاون الخليجي ومن بينها طبعاً البحرين. وكانت له مظاهر عدة ليس مكانها الحديث في هذه المقالة، وإنما كانت دول مجلس التعاون بين خيارين إما تعزيز التحالف مع واشنطن أو تعزيزها مع لندن.
الخيار طبعاً صعب، فالأولى هي القوة الأعظم في النظام الدولي، والثانية قوة كبرى في النظام نفسه شأنها شأن أطراف عديدة مثل موسكو أو باريس أو الاتحاد الأوروبي وغيرها من القوى الكبرى.
ظل الصراع بين واشنطن ولندن إلى حين اندلاع الثورات العربية في نهاية العام 2010، حينها تبين لحكومات دول مجلس التعاون من الذي كان يعمل ضدها ويسعى لزعزعة أمنها واستقرارها والهدف الرئيس المعلن إعادة تشكيل المنطقة ومدخل ذلك المنامة.
شكلت هذه النقطة تحولاً هاماً في التحالفات الدولية الخليجية، وأبرز مظاهرها حالة الفتور اللافتة في العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، وتباين المواقف إزاء العديد من القضايا الداخلية والقضايا الإقليمية ومثالها الاختلاف الكبير في الموقف بين واشنطن ودول مجلس التعاون إزاء الأوضاع المتطورة في العاصمة المصرية رغم التباينات البينية الخليجية في الموقف نفسه.
فعاد السؤال من جديد، هل من المجدي الاستمرار في التحالف مع القوة الأعظم في النظام الدولي بنفس النمط والزخم السابق؟ أم أن هناك عدة خيارات أخرى متاحة يمكن الاستفادة منها في التحالفات الدولية بناءً على الاستفادة من الدروس السابقة؟
من الواضح أن القرار تم حسمه، وأن هناك توجهاً جديداً يمكن ملاحظته في السياسات الخارجية الخليجية التي كانت تتجه منذ عقد السبعينات وحتى قبل ثلاث سنوات إلى واشنطن دون غيرها.
فكانت النتيجة الاستمرار في علاقات متوازنة ومدروسة بدقة مع القوة الأعظم، وفي الوقت نفسه الشروع في تحالفات جديدة إقليمية ودولية من شأنها خلق التوازن في هذه التحالفات. لذلك صرنا نرى تحركات الدبلوماسية الخليجية تتجه شرقاً نحو القوى الكبرى الآسيويـــة، وكذلـــك القـــوى الكبــــرى الأوروبية أكثر من أي وقت مضى.
لذلك تأتي الزيارات المتتالية لكبار المسؤولين البحرينيين وفي مقدمتهم جلالة الملك للعاصمة البريطانية لتعزز هذا التوجه الخليجي الجديد، فلندن محور مهم في التحالفات الدولية للمنظومة الخليجية، ولا يمكن التفريط فيها.
وما يميز فرص تعزيز التحالف مع لندن الخبرات التاريخية المشتركة المتكافئة بين الطرفين، فالإنجليز لديهم خبرة أكثر من أي دولة أخرى مع دول الخليج العربية بحكم عوامل التاريخ، ولذلك فإن نحو 200 عام من الخبرة والتعامل المشترك والمصالح المشتركة لا يمكن التفريط فيها، بدلاً من وضع المصالح مع قوة عظمى لا تتجاوز خبراتها التاريخية مع دول المنطقة نحو 68 عاماً.
بالإضافة إلى ذلك فإن النظام الملكي الحاكم في بريطانيا مقارب إلى حد ما الأنظمة الملكية الحاكمة في دول مجلس التعاون، فكلا الطرفين تحكمهما أسر متوافق عليها منذ عدة قرون بعيداً عن حيثيات وتفاصيل الأنظمة نفسها. وهو ما يدفع نحو تقارب وتفاهم أكثر من قوى تحاول فرض صيغ غير مناسبة تماماً على دول الخليج بما يشكل انتهاكاً لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى باعتباره مبدأ مهماً من مبادئ العلاقات الدولية اليوم، وأحد مبادئ هيئة الأمم المتحدة.
السمة الجديدة في تحولات التحالفات الدولية الخليجية يتمثل في الإطار الخليجي للتحرك، ففي السابق لم تكن المواقف الخليجية المشتركة واضحة كما هو الحال الآن، إذ اختلف الوضع وصارت المواقف معلنة من خلال الأمانة العامة لمجلـــس التعــاون، وعندما يكون هناك تهديد واضح للمنظومة الخليجية فإن هناك تحركات فورية، وهو ما يحسب للأمين العام الدكتور عبد اللطيف الزياني الذي انتهج دبلوماسية خليجية نشطة تختلف عن الدبلوماسية الخليجية التقليدية.
بحرينياً، فإن العلاقات بين الأسرتين الملكيتين عميقة وتاريخية للغاية، وكذلك الحال بالنسبة للحكومتين اللتين استفادتا من تطور العلاقات على المدى التاريخي الطويل. وشعبياً فإن هناك قبولاً كبيراً للتعاطي من البريطانيين أكثر من غيرهم في الغرب.
المحصلــة أن هنــاك تقاربــاً بحرينيــاً ـ بريطانياً جديداً ستظهر ملامحه قريباً، والصفقات العسكرية الأخيرة التي أبرمتها المنامة مع لندن ستخدم هذا التوجه. بالإضافة إلى أن إعادة تموضع القوات البريطانية من أفغانستان إلى البحرين ستشكل توازناً آخر بدلاً من الاعتماد على القوة الأمريكية التي بات دورها معروفاً وبأجندة واضحة لا تخدم الأمن الوطني البحريني، والمصالح الاستراتيجية البحرينية، وكذلك أمن الخليج.
ولكن التقارب البحريني ـ البريطاني يتطلـــب الآن وليـــس لاحقـــاً الإســـراع في معالجة أكبر معضلة تحكم هذه العلاقات، وهي الموقف البريطاني من جماعات راديكالية وإرهابية تتخذ من لندن مقراً لها للتحريض على الإرهاب، ولزعزعة الأمن والاستقرار فيها.
فاعتبارات العلاقات والمصالح البحرينية ـ البريطانية تتطلب حسماً لهذه القضية العالقة لتفتح آفاقاً جديدة في التحالف المشترك بشكله الجديد إذا كانت لندن جادة في هذا التحالف بناءً على الدروس والتجارب مع قوى دولية أخرى.
{{ article.visit_count }}
فاستقـــلال البحريــن كــان فــي مرحلــة الثنائيــــة القطبيــــة والصـــراع بيــــن المعسكريــن الغربي والشرقي، ورغم تبني السياسة الخارجية البحرينية مبدأ عدم الانحياز وانضمام الدولة الوليدة آنذاك إلى حركة عدم الانحياز في 1972، إلا أنها بشكل أو بآخر لم تكن تميل للمعسكر الشرقي كثيراً، وهذا الموقف لم يكن مختلفاً كثيراً عن مواقف الدول الخليجية التي شكلت منظومة مجلس التعاون الخليجي لاحقاً، وحكم هذه العلاقة المصالح الاستراتيجية التي تملكها هذه الدول، وأبرزها الاحتياطيات النفطية الضخمة.
وعليه فإن المنامة لم تفرط في تحالفاتها الدولية مع المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وعزز هذا التوجه غزو الكويت وما عقبه من تحالف خليجي ـ أمريكي لحفظ أمن الخليج.
في العام 1991 تم تحرير الكويت، وأعلن الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب بدء النظام الدولي الجديد بسقوط الاتحاد السوفيتي السابق لتبدأ مرحلة جديدة من التحالفات الدولية قامت على توثيق العلاقات مع واشنطن إلى درجة التحالف العسكري والأمني باتفاقات تم تجديدها عدة مرات حتى وقتنا الراهن.
خلال هذه المرحلة ظهر صراع خفي بين واشنطن ولندن لتكون الحليف الأساس مع دول مجلس التعاون الخليجي ومن بينها طبعاً البحرين. وكانت له مظاهر عدة ليس مكانها الحديث في هذه المقالة، وإنما كانت دول مجلس التعاون بين خيارين إما تعزيز التحالف مع واشنطن أو تعزيزها مع لندن.
الخيار طبعاً صعب، فالأولى هي القوة الأعظم في النظام الدولي، والثانية قوة كبرى في النظام نفسه شأنها شأن أطراف عديدة مثل موسكو أو باريس أو الاتحاد الأوروبي وغيرها من القوى الكبرى.
ظل الصراع بين واشنطن ولندن إلى حين اندلاع الثورات العربية في نهاية العام 2010، حينها تبين لحكومات دول مجلس التعاون من الذي كان يعمل ضدها ويسعى لزعزعة أمنها واستقرارها والهدف الرئيس المعلن إعادة تشكيل المنطقة ومدخل ذلك المنامة.
شكلت هذه النقطة تحولاً هاماً في التحالفات الدولية الخليجية، وأبرز مظاهرها حالة الفتور اللافتة في العلاقات الخليجية ـ الأمريكية، وتباين المواقف إزاء العديد من القضايا الداخلية والقضايا الإقليمية ومثالها الاختلاف الكبير في الموقف بين واشنطن ودول مجلس التعاون إزاء الأوضاع المتطورة في العاصمة المصرية رغم التباينات البينية الخليجية في الموقف نفسه.
فعاد السؤال من جديد، هل من المجدي الاستمرار في التحالف مع القوة الأعظم في النظام الدولي بنفس النمط والزخم السابق؟ أم أن هناك عدة خيارات أخرى متاحة يمكن الاستفادة منها في التحالفات الدولية بناءً على الاستفادة من الدروس السابقة؟
من الواضح أن القرار تم حسمه، وأن هناك توجهاً جديداً يمكن ملاحظته في السياسات الخارجية الخليجية التي كانت تتجه منذ عقد السبعينات وحتى قبل ثلاث سنوات إلى واشنطن دون غيرها.
فكانت النتيجة الاستمرار في علاقات متوازنة ومدروسة بدقة مع القوة الأعظم، وفي الوقت نفسه الشروع في تحالفات جديدة إقليمية ودولية من شأنها خلق التوازن في هذه التحالفات. لذلك صرنا نرى تحركات الدبلوماسية الخليجية تتجه شرقاً نحو القوى الكبرى الآسيويـــة، وكذلـــك القـــوى الكبــــرى الأوروبية أكثر من أي وقت مضى.
لذلك تأتي الزيارات المتتالية لكبار المسؤولين البحرينيين وفي مقدمتهم جلالة الملك للعاصمة البريطانية لتعزز هذا التوجه الخليجي الجديد، فلندن محور مهم في التحالفات الدولية للمنظومة الخليجية، ولا يمكن التفريط فيها.
وما يميز فرص تعزيز التحالف مع لندن الخبرات التاريخية المشتركة المتكافئة بين الطرفين، فالإنجليز لديهم خبرة أكثر من أي دولة أخرى مع دول الخليج العربية بحكم عوامل التاريخ، ولذلك فإن نحو 200 عام من الخبرة والتعامل المشترك والمصالح المشتركة لا يمكن التفريط فيها، بدلاً من وضع المصالح مع قوة عظمى لا تتجاوز خبراتها التاريخية مع دول المنطقة نحو 68 عاماً.
بالإضافة إلى ذلك فإن النظام الملكي الحاكم في بريطانيا مقارب إلى حد ما الأنظمة الملكية الحاكمة في دول مجلس التعاون، فكلا الطرفين تحكمهما أسر متوافق عليها منذ عدة قرون بعيداً عن حيثيات وتفاصيل الأنظمة نفسها. وهو ما يدفع نحو تقارب وتفاهم أكثر من قوى تحاول فرض صيغ غير مناسبة تماماً على دول الخليج بما يشكل انتهاكاً لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى باعتباره مبدأ مهماً من مبادئ العلاقات الدولية اليوم، وأحد مبادئ هيئة الأمم المتحدة.
السمة الجديدة في تحولات التحالفات الدولية الخليجية يتمثل في الإطار الخليجي للتحرك، ففي السابق لم تكن المواقف الخليجية المشتركة واضحة كما هو الحال الآن، إذ اختلف الوضع وصارت المواقف معلنة من خلال الأمانة العامة لمجلـــس التعــاون، وعندما يكون هناك تهديد واضح للمنظومة الخليجية فإن هناك تحركات فورية، وهو ما يحسب للأمين العام الدكتور عبد اللطيف الزياني الذي انتهج دبلوماسية خليجية نشطة تختلف عن الدبلوماسية الخليجية التقليدية.
بحرينياً، فإن العلاقات بين الأسرتين الملكيتين عميقة وتاريخية للغاية، وكذلك الحال بالنسبة للحكومتين اللتين استفادتا من تطور العلاقات على المدى التاريخي الطويل. وشعبياً فإن هناك قبولاً كبيراً للتعاطي من البريطانيين أكثر من غيرهم في الغرب.
المحصلــة أن هنــاك تقاربــاً بحرينيــاً ـ بريطانياً جديداً ستظهر ملامحه قريباً، والصفقات العسكرية الأخيرة التي أبرمتها المنامة مع لندن ستخدم هذا التوجه. بالإضافة إلى أن إعادة تموضع القوات البريطانية من أفغانستان إلى البحرين ستشكل توازناً آخر بدلاً من الاعتماد على القوة الأمريكية التي بات دورها معروفاً وبأجندة واضحة لا تخدم الأمن الوطني البحريني، والمصالح الاستراتيجية البحرينية، وكذلك أمن الخليج.
ولكن التقارب البحريني ـ البريطاني يتطلـــب الآن وليـــس لاحقـــاً الإســـراع في معالجة أكبر معضلة تحكم هذه العلاقات، وهي الموقف البريطاني من جماعات راديكالية وإرهابية تتخذ من لندن مقراً لها للتحريض على الإرهاب، ولزعزعة الأمن والاستقرار فيها.
فاعتبارات العلاقات والمصالح البحرينية ـ البريطانية تتطلب حسماً لهذه القضية العالقة لتفتح آفاقاً جديدة في التحالف المشترك بشكله الجديد إذا كانت لندن جادة في هذا التحالف بناءً على الدروس والتجارب مع قوى دولية أخرى.