لا يخفى على أحد أن النفط والغاز يعتبران أهم مصادر الدخل لدول الخليج العربي وكذلك العديد من الدول الأخرى من أعضاء منظمة أوبك، ولا يخفى على أحد أيضاً أن هذه السلعة الثمينة قد ارتفع سعرها بشكل كبير جداً في السنوات القليلة الماضية في الأسواق العالمية مما جلب مداخيل إضافية كبيرة لتلك الدول ساهمت في إيجاد طفرة اقتصادية وعمرانية في المنطقة.
ولكن في نفس الوقت فإن هذا الارتفاع قد فتح شهية الدول المستهلكة للنفط على بدائل أخرى له كانت في السابق غير عملية بسبب وفرة المعروض من النفط بأسعار رخيصة مما كان يجعل إنتاج تلك البدائل غير مجدٍ اقتصادياً ولكن مع هذه التحولات عادت الأنظار إليها كمصدر غني للطاقة يمكن عن طريقه الاستغناء جزئياً أو كلياً عن نفط الشرق الأوسط.
هذه البدائل تنوعت بين الوقود الحيوي المستخرج من بقايا النباتات مثلما تفعل البرازيل مع بقايا قصب السكر حيث تحوله إلى ديزل حيوي أقل كلفة بكثير من المستورد وخيارات أخرى مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والهيدروجين وغيرها، ولكن البديل الأهم هو ما يعرف بالبترول الحجري والغاز الحجري الذي يستخرج من صخور مشبعة به وهذه موجودة في مناطق مختلفة من العالم ولكن خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية التي أعلن رئيسها باراك أوباما أنها ستصل إلى الاكتفاء الذاتي من النفط بل وتصديره بحلول عام 2030.
وعلى الرغم من أن كلفة إنتاج البرميل الواحد من النفط الحجري تصل إلى 70 دولاراً للبرميل مقارنة بكلفة استخراج النفط في الشرق الأوسط التي تبلغ 20 دولاراً للبرميل إلا أن حقيقة كون الولايات المتحدة ستكون قادرة على الاستغناء عن النفط المستورد تشكل تحولاً استراتيجياً سيؤثر على سياساتها الدولية بشكل جذري.
وقد تلقت الدول المصدرة للنفط تهديد النفط الصخري بشكل جاد جداً انعكس في تصريحات الكثير من مسؤولي الدول النفطية حول ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية بشكل يقلل الاعتماد على صادرات النفط كمصدر وحيد للدخل والبدء بالبحث عن بدائل سريعة له تحسباً لكل الاحتمالات الناجمة عن انخفاض الطلب على النفط وبالتالي انخفاض مداخيل هذه الدول بشكل ملحوظ يؤثر سلباً على اقتصادها ومستوى مواطنيها المعيشي، وكذلك فإن دول الخليج العربي بدأت التفكير جدياً في استغلال الطاقة الشمسية ويمكن الإشارة إلى عدة مشاريع في دول الإمارات والسعودية والبحرين وقطر ربما يكون مشروع مدينة مصدر البيئة في إمارة أبوظبي أكثرها تكاملاً حتى الآن.
وسواء كان النفط الصخري أو غيره من عشرات مشاريع إنتاج الطاقة البديلة للنفط التي يعمل عليها العالم بأسره لسببين الأول هو التوفير الاقتصادي والاستراتيجي والثاني بيئي لتقليل الانبعاثات الحرارية الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري والذي بات تهديداً حقيقياً يمس كوكب الأرض بأسره، وواقعاً ملموساً أو مجرد خيال فإن المهم هو أن الدول المصدرة للنفط يجب أن تفكر بإيجاد بدائل اقتصادية لتنويع الدخل غير النفط، وكما يقول المثل الإنجليزي «لا تضع كل بيضك في سلة واحدة»، فالمهم استثمار عائدات النفط بشكل استراتيجي لتحويله إلى مصادر جديدة للدخل عبر الاستثمارات الصناعية والتجارية في مختلف القطاعات والمناطق والأهم من هذا كله استثمارها في تنمية الثروة البشرية لتربية كوادر علمية وتقنية قادرة على الإبداع وتحقيق طفرات اقتصادية وعلمية تساهم في رفع المستوى العلمي والاقتصادي لبلدانها.
إن دولنا العربية النفطية مدعوة لإعادة بناء خططها المستقبلية على أسس أكثر واقعية من حيث الإنفاق وأكثر توجهاً نحو الاستثمار المتوسط والبعيد المدى تمهيداً لتقليل الاعتماد على النفط تدريجياً حتى نتجنب أي صدمات أو هزات اقتصادية تنجم عن اختلال أسعاره في السوق العالمية أو تقليص الطلب عليه في كثير من دول العالم التي تستورده بكميات كبيرة في الوقت الحاضر.