مصطلح «خارطة طريق» دخل عالم السياسة أوائل الألفية الجديدة، وهو الاسم الذي أطلق على مبادرة السلام في الشرق الأوسط والتي هدفت إلى البدء في محادثات بغية التوصل إلى تسوية سلمية ينتج عنها إقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005، لكن هذا المصطلح تم استعماله لاحقاً للتعبير عن الخطط والخطوات التي باتباعها يمكن التوصل إلى حل لكل القضايا، فصار هناك خارطة طريق لإعادة إحياء العلاقات بين بلدين وخارطة طريق للإسراع في التنمية والتعمير وخارطة طريق لحل كل مشكلة حتى لو كانت بين زوجين!
هنا معلومة إضافية، في خارطة الطريق إذا تعثر المشروع في نقطة ينهار بكامله لأن الانتقال إلى مرحلة جديدة مشروط بالانتهاء من المرحلة السابقة، فلا يمكن البناء على مرحلة فشلت، لأن أساس المشروع يتأثر فتفشل الخطة، وهذا واضح في القضية الفلسطينية التي لم تحل حتى الآن رغم مرور أكثر من 10 سنوات على الاتفاق على خارطة الطريق الخاصة بها.
لكن ليس كل المشكلات معقدة كما هي القضية الفلسطينية، والواقع يقول إن أي مشكلة دون القضية الفلسطينية لا يصعب الوصول إلى حل نهائي لها عبر وضع خارطة طريق خاصة بها يتم تنفيذها بدقة مرحلة بعد مرحلة.
بناء على ذلك، يمكن القول إن المشكلة البحرينية التي هي أساساً ليست كبيرة وليست معقدة – على الأقل حتى الآن – قابلة للحل إن وضعت لها خارطة طريق واضحة المعالم والمراحل وتم تنفيذها بدقة.
ولكن ما هي خارطة الطريق المناسبة للمشكلة البحرينية؟ أو بالأحرى ما هي خارطة الطريق التي يمكن أن تكون مقنعة حتى بالنسبة للناس العاديين الذين يرون الأمور بمنظار مختلف عن منظار السياسيين؟
أول مراحل هذه الخارطة هي تصفية النيات والابتعاد عن كل المؤثرات السالبة التي هي في كل الأحوال لا تغني الأطراف لو أصروا عليها وترفع من شأنهم لو ابتعدوا عنها. وثانيها هي التوقف عن السب والشتم لأن هذا السلوك عدا أنه مخالف للدين فإنه يغلظ القلوب ويزيد من مساحة الأحقاد وينفر الجميع من الجميع «ولو أن السب حسب بعض النفسانيين يساعد على التقليل من نسبة الاحتقان لدى البعض في مثل هذه الظروف بدليل أن الجميع صار يسب ويشتم وإن بصوت خافت»!
الخطوة الثالثة هي إبداء حسن النوايا بشكل عملي من قبل كل الأطراف، وهو ما يمكن أن يعتبر التنازل الأول الذي به يتم تأكيد حرص كل طرف على إنجاح المساعي والتوصل إلى حل سريع ومرض للجميع. بعدها تأتي الخطوة الأهم التي لا يمكن أن تبنى إلا على الخطوات السابقة وهي وقف مختلف العمليات التي يتم تنفيذها حالياً في الشوارع - سواء من قبل ائتلاف فبراير أو من قبل من يحتوي هذا الائتلاف - والتي تعطل حياة الناس وتؤذيهم وتعرضهم للمخاطر، وتتوقف عن التظاهر في كل مكان، يقابل ذلك تقليل المظاهر الأمنية في الشوارع وهو أمر طبيعي لأنه بالتوقف عن تلك الممارسات لن تحتاج السلطة لتلك المظاهر، فيشعر الجميع بالهدوء الذي يمكن أن يؤسس إلى المرحلة التالية والتي يمكن أن يكون للجميع دور فيها وهو المشاركة في دعم الحوار الذي لا بد أن ينتج شيئاً مفيداً في نهاية المطاف.
لو سألت أي إنسان بسيط عما إذا كان يمكن للحوار الدائر حالياً أن ينجح لقال على الفور إنه لا يمكن أن يحقق أي نجاح، فالحوار الذي يتم وسط «الغولة» نصيبه الفشل.
لنهدأ قليلاً ونعتمد خارطة طريق الآن حيث لا يزال هناك متسع من الوقت قبل أن تتعقد الأمور فتصبح مشكلتنا أصعب من القضية الفلسطينية، لا ينفع معها أي خريطة.