تروي الحكاية أن امرأة عاقراً عاشت مع زوجها في رضا وسعادة أعواماً طويلة، ثم تمنت على الله أن يرزقها طفلاً واحداً حتى لوكان بطول عقلة الإصبع. وبعد سنوات منَّ الله عليها بطفل، كما تمنت، ذكر جميل بطول عقلة الإصبع. فرضيت المرأة وزوجها برزقهما، لكن ضعف الطفل أمام هذا العالم الكبير ظلّ هاجساً يقلق الوالدين.
كبر الطفل وكبر معه نبوغه وأدبه الجم، وبرغم قصر قامته إلا أنه تمكن من مساعدة والده في أعمال الحقل بمهارة فائقة مستفيداً من قدرته على التغلغل بين الحشائش وتسلق الأوراق والسيقان. وذات يوم شاهد تاجران ثريان من ملاك الأراضي الكبيرة الطفل القصير وهو يعمل في الحقل بإتقان غريب وظريف، وبعد أن عرفا قصته طمعا في الطفل وأخذاه عنوة من والده. حزن الوالدان على فراق طفلهما وعانا من مرارة القهر والعجز اللذين تجرعانهما بانتزاعه منهما، ولم يكن للطفل «عقلة الإصبع» حيلة أو قوة يواجه بها جبروت التاجرين وجشعهما.
أَرغم التاجران الطفل على العمل بين سنابل القمح في حقولهما الفسيحة تمتعاً بمنظره وهو يقفز بين رؤوس السنابل ويتزحلق على أغصانها مشذباً للزرع وملاحقاً للديدان والحشرات، وكانا يتباهيان بين أندادهما من تجار البلدة بامتلاكهما طفلاً بطول عقلة الإصبع يعمل في حقولهما ويضفي على أوقاتهما المرح والدعابة. لكن إهمال التاجرين لحال «عقلة الإصبع» وعدم توفير سبل السلامة لعمله في الحقول عرضه لأن تلتهمه إحدى البقرات دون قصد منها، لكن عناية الله حفظته من أن تمضغه البقرة فابتلعته سليم الجسد واستقر في أمعائها!!
لم يطل الوقت بتلك البقرة فقد بيعت لأحد الجزارين الذي ذبحها وألقى بأحشائها في إحدى المزابل و«عقلة الإصبع» يقبع في أمعائها منتظراً فرجاً يخرجه منها، فداهم المزابل ذئب جائع التهم أحشاء البقرة، لكن العناية الإلهية حفظت «عقلة الإصبع» للمرة الثانية فلم يمضغه الذئب بأنيابه القاسية وابتلعه سليم الجسد واستقر للمرة الثانية في أمعاء الذئب!!
فكر «عقلة الإصبع» في حل ينجيه من الهلاك في أحشاء الذئب، فاهتدى إلى خداع الذئب ومخاطبته خطاب الناصح المحب، فقال له هامساً حانياً: أيها الذئب الشريف إن لك عليّ فضل وجميل وأنا لابد راده إليك، ذهل الذئب من الصوت المنبعث من أعماقه، وسأل: من المتحدث؟ فقال له «عقلة الإصبع»: أنا مخلوق صغير ضعيف أرسلك الله إلي لتحميني بشجاعتك وكرمك من موت محقق، لقد أنقذتني حين أخرجتني من أحشاء الماشية في تلك المزابل، وإني مرشدك إلى مخزن مليء باللحوم الطازجة الطيبة خلف أحد المنازل. سُر الذئب بتلك الهدية الفاخرة، وقال له أين يقع المخزن، فأرشده «عقلة الإصبع» على منزل والديه، وحين وصل الذئب إلى المنزل أخذ «عقلة الإصبع» يصيح بأعلى صوته منادياً والديه ومستغيثاً بهما ليخرجانه من بطن الذئب، فسمع الوالدان استغاثة ابنهما وهب الأب بفأسه يقطع رأس الذئب ويبقر بطنه، فنجا «عقلة الإصبع» وعاد إلى كنف والديه بسلام.
قد ينتقص بعض البشر من ضعاف الناس ويزدرونهم، وقد يستغلون عجزهم وحاجتهم، وقد تسول لهم أنفسهم الفخر بالذات والاعتداد بها ظناً أن الله فضلهم على كثير من خلقه تفضيل اصطفاء لا تفضيل حكمة وغاية، فينساقون في غيهم يظلمون المستضعفين، ويزداد تجبرهم بما يمدهم الله من البسطة والقوة والغلبة، وبجميل صبره على ما يقترفون وإمهاله لهم في الأجل، فيتمادون في امتهان الآخرين والجور عليهم وأكل حقوقهم بالباطل، متناسين أن الضعيف لا سند له إلا الله، وأنه حين يستجير من ظلم القوي فلن يلجأ لغير الله، وأن من يلجأ لله فإن الله يمدده بسبب ومدد تعجز ملوك الأرض عن مجابهته، فاستوصوا خيراً بالضعفاء ولا تستهينوا بقوتهم فهم أقرب الناس إلى ربهم واجتنبوا الظلم فإن للمظلوم دعوة لا ترد وإنها حسرة على الظالم في دنياه وظلمة عليه في قبره وآخرته.
{{ article.visit_count }}
كبر الطفل وكبر معه نبوغه وأدبه الجم، وبرغم قصر قامته إلا أنه تمكن من مساعدة والده في أعمال الحقل بمهارة فائقة مستفيداً من قدرته على التغلغل بين الحشائش وتسلق الأوراق والسيقان. وذات يوم شاهد تاجران ثريان من ملاك الأراضي الكبيرة الطفل القصير وهو يعمل في الحقل بإتقان غريب وظريف، وبعد أن عرفا قصته طمعا في الطفل وأخذاه عنوة من والده. حزن الوالدان على فراق طفلهما وعانا من مرارة القهر والعجز اللذين تجرعانهما بانتزاعه منهما، ولم يكن للطفل «عقلة الإصبع» حيلة أو قوة يواجه بها جبروت التاجرين وجشعهما.
أَرغم التاجران الطفل على العمل بين سنابل القمح في حقولهما الفسيحة تمتعاً بمنظره وهو يقفز بين رؤوس السنابل ويتزحلق على أغصانها مشذباً للزرع وملاحقاً للديدان والحشرات، وكانا يتباهيان بين أندادهما من تجار البلدة بامتلاكهما طفلاً بطول عقلة الإصبع يعمل في حقولهما ويضفي على أوقاتهما المرح والدعابة. لكن إهمال التاجرين لحال «عقلة الإصبع» وعدم توفير سبل السلامة لعمله في الحقول عرضه لأن تلتهمه إحدى البقرات دون قصد منها، لكن عناية الله حفظته من أن تمضغه البقرة فابتلعته سليم الجسد واستقر في أمعائها!!
لم يطل الوقت بتلك البقرة فقد بيعت لأحد الجزارين الذي ذبحها وألقى بأحشائها في إحدى المزابل و«عقلة الإصبع» يقبع في أمعائها منتظراً فرجاً يخرجه منها، فداهم المزابل ذئب جائع التهم أحشاء البقرة، لكن العناية الإلهية حفظت «عقلة الإصبع» للمرة الثانية فلم يمضغه الذئب بأنيابه القاسية وابتلعه سليم الجسد واستقر للمرة الثانية في أمعاء الذئب!!
فكر «عقلة الإصبع» في حل ينجيه من الهلاك في أحشاء الذئب، فاهتدى إلى خداع الذئب ومخاطبته خطاب الناصح المحب، فقال له هامساً حانياً: أيها الذئب الشريف إن لك عليّ فضل وجميل وأنا لابد راده إليك، ذهل الذئب من الصوت المنبعث من أعماقه، وسأل: من المتحدث؟ فقال له «عقلة الإصبع»: أنا مخلوق صغير ضعيف أرسلك الله إلي لتحميني بشجاعتك وكرمك من موت محقق، لقد أنقذتني حين أخرجتني من أحشاء الماشية في تلك المزابل، وإني مرشدك إلى مخزن مليء باللحوم الطازجة الطيبة خلف أحد المنازل. سُر الذئب بتلك الهدية الفاخرة، وقال له أين يقع المخزن، فأرشده «عقلة الإصبع» على منزل والديه، وحين وصل الذئب إلى المنزل أخذ «عقلة الإصبع» يصيح بأعلى صوته منادياً والديه ومستغيثاً بهما ليخرجانه من بطن الذئب، فسمع الوالدان استغاثة ابنهما وهب الأب بفأسه يقطع رأس الذئب ويبقر بطنه، فنجا «عقلة الإصبع» وعاد إلى كنف والديه بسلام.
قد ينتقص بعض البشر من ضعاف الناس ويزدرونهم، وقد يستغلون عجزهم وحاجتهم، وقد تسول لهم أنفسهم الفخر بالذات والاعتداد بها ظناً أن الله فضلهم على كثير من خلقه تفضيل اصطفاء لا تفضيل حكمة وغاية، فينساقون في غيهم يظلمون المستضعفين، ويزداد تجبرهم بما يمدهم الله من البسطة والقوة والغلبة، وبجميل صبره على ما يقترفون وإمهاله لهم في الأجل، فيتمادون في امتهان الآخرين والجور عليهم وأكل حقوقهم بالباطل، متناسين أن الضعيف لا سند له إلا الله، وأنه حين يستجير من ظلم القوي فلن يلجأ لغير الله، وأن من يلجأ لله فإن الله يمدده بسبب ومدد تعجز ملوك الأرض عن مجابهته، فاستوصوا خيراً بالضعفاء ولا تستهينوا بقوتهم فهم أقرب الناس إلى ربهم واجتنبوا الظلم فإن للمظلوم دعوة لا ترد وإنها حسرة على الظالم في دنياه وظلمة عليه في قبره وآخرته.