استدعاء النيابة العامة لأمين عام الوفاق علي سلمان أمر عادي؛ بل أكثر من عادي، بل إن هذا الأسلوب هو من الأمور التي ينادي بها سلمان وتنادي بها الوفاق والجمعيات السياسية التي تكرر دائماً أنها تسعى إلى الدولة المدنية ودولة المؤسسات، وما إلى هذا من كلام. لذا كان مستغرباً جداً ولافتاً خروج البعض في تظاهرات للتنديد باستدعائه واعتبار ذلك استهدافاً لشخصه وللوفاق.
الطريف في الأمر أن الذين خرجوا في مظاهرات خرجوا ولم يكونوا يعرفون بعد سبب الاستدعاء، وهذا يعني أنهم يعتبرون أمين عام الوفاق وبعضاً آخر معه من الشخوص الذي يجب ألا «يداقلهم أحد» فهم خط أحمر!
هناك إذاً حالة تناقض فاضحة، فالوفاقيون -ومن وفقه الله للسير في ركبهم وصار تحت رايتهم من جمعيات سياسية وأفراد- يطالبون بالديمقراطية وبدولة المؤسسات وبالمساواة، لكن إن حدث ومست الديمقراطية «سين» أو «شين» من «القياديين» المعتمدين لديهم فإنها تكون مرفوضة ولا قيمة لها ولا تجوز شرعاً ولا قانوناً، وإلا ما الذي يجعلهم يخرجون في مظاهرات ويمارسون أعمال التخريب لمجرد علمهم باستدعاء أمين عام الوفاق؟
لا استثناءات في الديمقراطية وفي دولة المؤسسات يخضع الجميع لسلطة القانون، والمطالبة بالديمقراطية وبالدولة المدنية ودولة القانون والمؤسسات مسألة في غاية الروعة والأهمية، لكن لا يمكن لأحد أن يقبل من المطالبين بهذه الأمور أن يطالبوا باستثناء فلان أو علان لهذا السبب أو ذاك، لأن في هذا تناقض كبير وفاضح.
استدعاء علي سلمان كاستدعاء خليل المرزوق كاستدعاء عبدالله ومحمد ومبارك وشاهين وعلي وجعفر، وكاستدعاء كل شخص، مواطناً كان أم مقيما أم زائراً، فمهمة النيابة العامة هي أن تحقق مع من تقدر أنه ينبغي التحقيق معه بغض النظر عمن يكون. كما أن الاستدعاء للنيابة ليس فيه إساءة أو إحراج لأحد، كما أنه ليس بالضرورة أن ينتهي التحقيق بالحجز.
خيراً فعلت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، سميرة رجب، عندما بينت أن النيابة العامة استدعت أمين عام جمعية الوفاق للمثول أمامها على خلفية اتهامه بإهانة هيئة نظامية وهي وزارة الداخلية. وأشارت في تصريحها إلى سبب الاستدعاء فقالت إنه يتعلق بإقامة جمعية الوفاق «فعالية عرضت فيها نماذج هيكلية ومجسمات ورسومات تنسب من خلالها للشرطة انتهاجها الممارسات اللاإنسانية وانتهاك حقوق الإنسان بشكل ممنهج»، وأن «أمين عام الوفاق وآخرين من أعضاء الجمعية قاموا بإلقاء كلمات تحريضية في افتتاح تلك الفعالية تضمنت ذات المفهوم مما تشكل جميعها إهانة للشرطة باختلاق أمور ومظاهر باطلة ومكذوبة».
فهذا التصريح أغلق الباب أمام التكهنات والقيل والقال الذي اعتاد عليه البعض بمجرد استدعاء أحد «القياديين» من «المطالبين بدولة القانون وبالديمقراطية.. وبالشفافية»، ومع هذا استغلوا المناسبة وخرجوا في تظاهرات.
السير في هذا المنحى خطأ ينبغي من المنتمين إلى «المعارضة» بكل أطيافها تصحيحه، حيث إرسال إحضارية لأي منتم إلى أي منهم ليست نهاية العالم وليست ذنبا يقترف، وإنما هو أمر عادي جدا. أما الخروج في مظاهرات ورفع الشعارات ضد الدولة لمجرد استدعاء فلان أو علان فهذا يعبر عن وجود خلل وسوء فهم وقصر نظر وضيق أفق ويعبر عن أن «الدولة» التي يبشرون بها أساسها التمييز الذي يرفعون شعار محاربته!
لا أحد فوق القانون، هكذا يطالبون ويقولون إنهم خرجوا لتحقيق هذا الأمر، لكن إن طال القانون أحدهم حاربوه وخرجوا في مظاهرات ضده.
ما قامت وتقوم به الدولة صحيح ومهم، سلبيته الوحيدة أنها بممارستها لهذا الحق تخلق «أبطالاً» توصلهم «جماهيرهم» إلى درجة التقديس!