لاشك أن من تابع أحداث المنطقة في المرحلة السابقة وجد أن دوراً هاماً في توجيه الرأي العام والتأثير على الأحداث قامت به وسائل الإعلام المختلفة، ثم صارت طرفاً في الصراعات السياسية والحزبية التي نشبت بين التيارات السياسية المختلفة في الوطن العربي بعد موجة ما كان يسمى بالربيع العربي. والواقع الذي نشهده الآن يجعلنا نتعامل مع وسائل الإعلام، وخصوصاً القنوات الفضائية، كما نتعامل مع الأحزاب السياسية حيث صرنا نتساءل عن مالك القناة أو أعضاء مجلس إدارتها ونفتش في أيديولوجياتهم، وصرنا نبحث في مصادر تمويلها ومجالات استثمارها؛ كي نستطيع أن نفهم ما بين سطور تغطياتها للأحداث وتحليلات برامجها السياسية. عدا ذلك لم يعد مقبولاً أن نصدق أن ثمة إعلاماً محايداً تماماً أو منفصلاً عن المصالح والتوازنات التي تنتمي إليها وسائل الإعلام أو تراهن عليها.
في كتاب مذكرات الإعلامية السابقة في قناة الجزيرة «لينا زهرالدين» عرضت بعض ملامح تجربتها في قناة الجزيرة. وعلى الرغم من تحفظها عن طرح قضايا كثيرة يتوقع القارئ أن تخوض فيها المؤلفة إلا أنها تطرقت إلى الخط العام الذي، حسب طرحها، كان سبب التغيير الكبير في الأسلوب الإعلامي الذي تعاملت به القناة مع الأحداث الكبيرة التي شهدتها البلدان العربية. وبدا واضحاً في كتاب (الجزيرة ليست نهاية المشوار) للينا زهرالدين أن تولي وضاح خنفر إدارة القناة كان مرحلة انتقالية شديدة الحدة، فقد كان تقلده للمنصب مفاجأة لطاقم الجزيرة جعلتهم يعيدون حساباتهم في تعاملهم مع المراسلين، الذين هم أقل منهم في الرتبة الوظيفية، فلا أحد يعلم حين تثور الأمواج ستقذف بمن من القاع إلى القمة، أو تهوي بمن من القمة إلى القاع!!، ولم تقدم المؤلفة تفسيراً لسبب وصول خنفر لهذا المنصب الرفيع على الرغم من تشديدها على كونه مراسلاً مغموراً لم يعرف له إنجاز إعلامي فارق، وتأكيدها على ضعف إمكاناته الإعلامية والإدارية، لكنها أشارت إلى قضية هامة لم ترغب في تفصيلها، وهي أن دخول وضاح خنفر إلى إدارة الجزيرة ترتب عليه دخول موظفين جدد من تيار (فكري) معين، وهو التيار المحافظ، وأهمية هذه المعلومة تتعلق بانحياز الجزيرة الواضح لجماعة الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية التي قد تكون مهدت له بتوظيف طاقم إداري وإعلامي خاص!!
الكتاب يعرض تجربة لينا زهرالدين الخاصة التي لم ترغب في كشف كواليس تغطيات الجزيرة ولا عن الحسابات والتوازنات التي كانت تقف خلف طرح وجهات النظر السياسية التي أخذت في الانحياز والأحادية شيئاً فشيئاً. وفي واقع الأمر أن قناة الجزيرة كانت مثار أسئلة كثيرة واكبت انطلاقتها الأولى، فالتغطيات الإعلامية الجريئة والتحليلات العميقة والانحياز لقضايا الحرية والديمقراطية في الوطن العربي لم تكن متناسبة مع واقع دولة قطر التي تتبع القناة مباشرة لوزارة خارجيتها!! كما إن انحياز القناة للقضية الفلسطينية كان يبدو متناقضاً مع استقبالها لمسؤولين سياسيين إسرائيليين ضيوفاً في مبنى القناة في قطر وليس ضيوفاً في البرامج الحوارية فحسب!!، ثم زادت التساؤلات حول القناة والريبة والشك حول علاقتها بالعواصف التي مرت بالمنطقة في السنوات الأخيرة، فمع تقدم الأحداث بدا واضحاً أن للجزيرة أجندة سياسية خاصة خسرت فيها قدراً كبيراً من مصداقيتها وجمهورها. ونحن الآن أمام السؤال الأهم حول تغطية قناة الجزيرة لأحداث الربيع العربي: هل كانت الجزيرة تنقل الخبر أم (تصنع) الحدث؟
من يتابع قناة الجزيرة اليوم يجد ضعفاً في أداء الرعيل الجديد من مقدمي البرامج لا يتناسب مع القوة التي انطلقت بها القناة، ويجد ركاكة في صياغة التقارير الإخبارية تجعلها أقرب إلى مستوى الإنشاء منها إلى التحليل السياسي، كما إن اختيار ضيوف البرامج ونشرات الأخبار صار أدنى من ذي قبل وصار يسلط الضوء على اتجاه سياسي واحد في الغالب.
وسائل الإعلام لم تعد كما كانت في السابق تؤدي وظيفة إبلاغية بموضوعية معينة. بل صارت طرفاً في الصراعات السياسية وأداة فتاكة من أدوات الحرب، من أجل ذلك يتوجب نشر الثقافة الإعلامية متعددة الوجوه والتوعية بأدوات تقييم الرسائل التي تبثها، وهذا يحتاج إلى خطط تثقيفية عميقة تبدأ من نشر الثقافة الإعلامية بين طلبة المدارس، فنحن لا نعلم أي قناة فضائية قد تسلط علينا إذا ما تم تحريك أحداث معينة في اتجاه معين.
{{ article.visit_count }}
في كتاب مذكرات الإعلامية السابقة في قناة الجزيرة «لينا زهرالدين» عرضت بعض ملامح تجربتها في قناة الجزيرة. وعلى الرغم من تحفظها عن طرح قضايا كثيرة يتوقع القارئ أن تخوض فيها المؤلفة إلا أنها تطرقت إلى الخط العام الذي، حسب طرحها، كان سبب التغيير الكبير في الأسلوب الإعلامي الذي تعاملت به القناة مع الأحداث الكبيرة التي شهدتها البلدان العربية. وبدا واضحاً في كتاب (الجزيرة ليست نهاية المشوار) للينا زهرالدين أن تولي وضاح خنفر إدارة القناة كان مرحلة انتقالية شديدة الحدة، فقد كان تقلده للمنصب مفاجأة لطاقم الجزيرة جعلتهم يعيدون حساباتهم في تعاملهم مع المراسلين، الذين هم أقل منهم في الرتبة الوظيفية، فلا أحد يعلم حين تثور الأمواج ستقذف بمن من القاع إلى القمة، أو تهوي بمن من القمة إلى القاع!!، ولم تقدم المؤلفة تفسيراً لسبب وصول خنفر لهذا المنصب الرفيع على الرغم من تشديدها على كونه مراسلاً مغموراً لم يعرف له إنجاز إعلامي فارق، وتأكيدها على ضعف إمكاناته الإعلامية والإدارية، لكنها أشارت إلى قضية هامة لم ترغب في تفصيلها، وهي أن دخول وضاح خنفر إلى إدارة الجزيرة ترتب عليه دخول موظفين جدد من تيار (فكري) معين، وهو التيار المحافظ، وأهمية هذه المعلومة تتعلق بانحياز الجزيرة الواضح لجماعة الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية التي قد تكون مهدت له بتوظيف طاقم إداري وإعلامي خاص!!
الكتاب يعرض تجربة لينا زهرالدين الخاصة التي لم ترغب في كشف كواليس تغطيات الجزيرة ولا عن الحسابات والتوازنات التي كانت تقف خلف طرح وجهات النظر السياسية التي أخذت في الانحياز والأحادية شيئاً فشيئاً. وفي واقع الأمر أن قناة الجزيرة كانت مثار أسئلة كثيرة واكبت انطلاقتها الأولى، فالتغطيات الإعلامية الجريئة والتحليلات العميقة والانحياز لقضايا الحرية والديمقراطية في الوطن العربي لم تكن متناسبة مع واقع دولة قطر التي تتبع القناة مباشرة لوزارة خارجيتها!! كما إن انحياز القناة للقضية الفلسطينية كان يبدو متناقضاً مع استقبالها لمسؤولين سياسيين إسرائيليين ضيوفاً في مبنى القناة في قطر وليس ضيوفاً في البرامج الحوارية فحسب!!، ثم زادت التساؤلات حول القناة والريبة والشك حول علاقتها بالعواصف التي مرت بالمنطقة في السنوات الأخيرة، فمع تقدم الأحداث بدا واضحاً أن للجزيرة أجندة سياسية خاصة خسرت فيها قدراً كبيراً من مصداقيتها وجمهورها. ونحن الآن أمام السؤال الأهم حول تغطية قناة الجزيرة لأحداث الربيع العربي: هل كانت الجزيرة تنقل الخبر أم (تصنع) الحدث؟
من يتابع قناة الجزيرة اليوم يجد ضعفاً في أداء الرعيل الجديد من مقدمي البرامج لا يتناسب مع القوة التي انطلقت بها القناة، ويجد ركاكة في صياغة التقارير الإخبارية تجعلها أقرب إلى مستوى الإنشاء منها إلى التحليل السياسي، كما إن اختيار ضيوف البرامج ونشرات الأخبار صار أدنى من ذي قبل وصار يسلط الضوء على اتجاه سياسي واحد في الغالب.
وسائل الإعلام لم تعد كما كانت في السابق تؤدي وظيفة إبلاغية بموضوعية معينة. بل صارت طرفاً في الصراعات السياسية وأداة فتاكة من أدوات الحرب، من أجل ذلك يتوجب نشر الثقافة الإعلامية متعددة الوجوه والتوعية بأدوات تقييم الرسائل التي تبثها، وهذا يحتاج إلى خطط تثقيفية عميقة تبدأ من نشر الثقافة الإعلامية بين طلبة المدارس، فنحن لا نعلم أي قناة فضائية قد تسلط علينا إذا ما تم تحريك أحداث معينة في اتجاه معين.