يخطئ كثير من الناس في تفسير التسليم بالقضاء والقدر وفي التمييز وهم يترجمون عبارة «هذا نصيبه من الله والدنيا» وبين عبارة «هذا ما قدره الله له»!!
النصيب والقدر مرتبطان ومتقاربان جداً في معانيهما، لذا يخلط الكثير بينهما، غير أن الفاصلة التي تفصلهما هو أن النصيب يأتي من صنع الإنسان ويده، فيما القدر يأتي من الله سبحانه، الفرق بينهما ما يمكن تشبيهه في مثل أن نصيبك يأتي من الجد والاجتهاد كأن تملك أرضاً وتزرع فيها شجرة إن استغللت الأرض في زراعة الشجرة ونبتت فإن هذا هو نصيبك أن تملك شجرة في هذه الأرض، نصيبك بجدك واجتهادك في أن تملك شجرة أو حديقة أشجار لكونك قمت بزراعتها أو أن يكون نصيبك لديك أرض لكنها خاوية الشجر، نصيبك أيضاً يأتي بعد زراعتها بأن تزهر لك ثمراً أو لا من خلال استمرارك في سقيها والعناية بها، في متابعتك لأمورها. أما القدر فإنك تزرعها وتبذل كل الأسباب في العناية بها وتسخير جهدك وطاقتك في سقيها، لكن رغم ذلك لا تنبت لك أو لا تزهر لك الثمر! هنا عليك التسليم بقضاء الله وقدره!
لا يمكن لإنسان أن يأكل كثيراً ولا يهتم بصحته وتغذيته فيمرض ويموت ثم يقول الناس بعد أن مرض وتوفاه الله «مسكين هذا يومه! مسكين هذا ما قدره الله له! الله اختاره في هذا اليوم!».
الله سبحانه لم يأمره أن يعلق أسباب إهماله صحته وسوء تغذيته وعدم اقتدائه برسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام في قلة الطعام واتباع السنة في تناوله على شماعة القدر وعلى قضائه لعباده، فكل سبب يؤدي إلى نتيجة ما، وسبب الإهمال والإفراط في الأكل سيؤدي بالطبع وبالتأكيد إلى نتيجة تتمثل في مرضه وموته.
متى من الممكن إذاً قول إن هذا قدر من الله قدره لهذا العبد؟
عندما يجتهد الإنسان في العناية بصحته وتغذيته ويحافظ عليها ورغم ذلك يمرض بمرض لا يصاب فيه إلا الإنسان المهمل لصحته ويموت.
هنا من الممكن فهم أن ما أصابه هو قدر قدره الله له، هذا العبد الذي أدى كل ما عليه من واجبات وما أمره الله به امتثالاً لعبارة «إن لبدنك عليك حقاً»، ورغم كل ذلك لم يحصل على صحة ممتازة لأن هذا هو قدر الله له لا نصيبه، الله كتب له هذا وليس عليه إلا التسليم بقضائه.
فالنصيب يأتي بسبب أفعالك أنت وأنت المسؤول عنها بالنهاية، أنت إنسان مخير على هذه الأرض؛ مخير في أفعالك وتصرفاتك التي إما تقودك إلى الجنة أو تقودك إلى النار.
لن تصلي ولن تلتزم بأركان الإسلام الخمسة لن تدخل الجنة، ستصلي ستدخل الجنة، هنا نصيبك وقرارك.
لا تستطيع الصلاة وأنت تريد الصلاة كونك مشلولاً، مقعداً، مريضاً، هنا قدر الله واختياره هو لك لا اختيارك أنت، تأكد أن الله سيمنحك على نيتك بالنهاية، إن كان في نيتك الصلاة لكنك لا تستطيع الصلاة كما الناس العاديين هذا قدرك من الله، النصيب يأتي أيضاً من اتجاه نيتك، «نصيبك» أن تكون في داخل نيتك الصلاة لكن «قدر» الله أن تكون مشلولاً، قدره لك أن تصلي بحواسك لا بجسدك، قدرك بدخول الجنة أو لا، تذكرته اتجاه نيتك وسعيك في الحصول على نصيبك وخيارك فيه.
كأن تجد إنساناً عاطلاً عن العمل لأنه اختار أن يترك الدراسة المدرسية أو ألا يواصل دراسته الجامعية، هنا هو اختار نصيبه والنتيجة التي سيصل إليها، وهنا لا يمكن القول «قدر الله له في الدنيا أن يكون بلا عمل وأنه إنسان فاشل!» «الله مو كاتبله يشتغل!»، هو بالأصل لم يبذل الأسباب ويجتهد في إكمال دراسته ليحصل على نصيبه أي العمل، قدر الله يكون عندما يسخر له ظروفاً قاهرة تمنعه من الدراسة وتخرجه من المدرسة رغم أنه يريد الدراسة، قدر الله يكون عندما يفعل كل ما بوسعه من اجتهاد ودراسة ثم يتخرج ولا يحصل على فرصة عمل.
من ناحية أخرى أيضاً لا يمكن لأحد أن يرمي تصرفاته وسوء أفعاله وقراراته على الآخرين وعلى شماعة القدر، هذا منهج خطير يستغل فيه الدين واسم الله للتبرير، هذا عبث خطير لمفاهيم القدر والقضاء.
لا يمكن أن أقتل إنساناً ما أو أتسبب له بإعاقة دائمة ثم لا أريد أن أحاسب وأقول «والله يومه.. الله كاتبله يموت في هذا اليوم»، لا يمكن أن أعطل نصيب إنسان ما في العمل أو في الدراسة ثم أقول «الله كاتبلك تعيش بهذه الطريقة!» «الله مسخرني ومخليني سبب حق يصير لك هالشيء وحق يكون هذا قضاءك وقدرك!»، لو كانت الدنيا تسير هكذا وعلى هذا المنهج لأغلقت المحاكم ولما كانت هناك محاسبات ومحاكمات وسجون سواء بالدنيا أو بالآخرة.
ولو كان الأمر كذلك إذاً فلنترك محاسبة القاتل واللص والمجرم لأن كل هؤلاء البشر كانوا مسخرين من الله وكانوا نصيب الله لهذا الإنسان.
لا يمكن أن أعطل رزقاً يأتي من الله سبحانه لإنسان ما ويسخره القدر له وأقول لاحقاً جعلني الله سبباً ليكون هذا قدره، هذه المسألة تظهر جلية وواضحة جداً كمثال في مسألة تحديد التخصصات الدراسية للأبناء عندما يلزم الأب ابنه بدراسة تخصص لا يرغب فيه أو في مصادمات الأبناء مع آبائهم حول مسألة الدراسة بالخارج، يمنعه من الدراسة خارجاً وتقدمه الأكاديمي رغم أن الله قد سخر له بعثة دراسية، ثم عندما تتغير خارطة مستقبله ولا يتطور فتكون النتيجة ألا يصل إلى ما يطمح له، يقول له «هذا نصيبك من الله!»، «الله كتب لك ألا تحصل على ما تريده!».
عندما يتقدم أحد ما لوظيفة ولا ينالها بسبب قرار شخصي من مسؤول ثم تجده يقول عندما يسأل عنه «الله ما كتب حق هالإنسان يكون موظف عندنا!»، فهذا لعب بمفاهيم القدر يمارس في مجتمعنا بشكل يشوه الدين ولا يخدمه، وقد يؤدي لا سمح الله إلى الكفر والشرك لإدراج اسم الله في تدابير من صنع البشر على شكل قرارات شخصية لا من صنعه هو.
افهموا الدين جيداً ولا تتعذروا بمسألة عدم العلم وقلة الوعي، لديكم القرآن والسنة فتمعنوا جيداً فيهم وادرسوا الدين بفكر راقٍ ولا ترموا أخطاءكم ونتائج أفعالكم على أنفسكم أو على الآخرين باسم الله وقدره.
- إحساس ديني..
«وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم».