أصبح الحديث الأهم في البحرين اليوم، هو بسبب ما أنتجه تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية من فساد لا يُنكر، حتى بات حديث الساعة بلا منازع، فالجميع يتحدث عن التقرير وعن الفساد والمفسدين، وكلٌّ منَّا بات يدلو بدلوه حول هذا الأمر، لكن الذي سيكون ملفتاً للأنظار هو أنه سوف تخرج علينا فئة تتحدث عن التقرير بطريقة عنترة بن شداد، وفيما يبدو، فإنكم عرفتم من هي هذه الفئة.
يتمنى الكثير من النواب هذه الأيام أن تحدث كارثة أو مصيبة -لا يهم- فما يهم هؤلاء النواب أن يجدوا موضوعاً شعبياً يمكن لهم أن يتناولوه بطريقة ثورية، ليثبتوا للرأي العام في البحرين أنهم مع الشعب ومن الشعب وإلى الشعب، وعلى ما يبدو سيظل تقرير ديوان الرقابة المالية (2012-2013) المادة الدَّسمة التي سيظل بعض نوابنا يتحدثون عنها حتى منتصف العام القادم.
مشكلة الأمطار الأخيرة، هي أيضاً من القضايا التي يسيل لها لُعاب نواب «العازة»، لأنها في الحقيقة تحولت بسبب القصور وبعض ما يخرج عن طبيعة الإمكانيات المتاحة للوزارات، إلى قضية «رأي عام» في البحرين، وبذلك تكون مثل هذه القضايا مواد مغرية جداً للنواب لكي يتناولوها بطريقة ساخنة وثائرة، أما بقية القضايا الأخرى فإنهم لا يولونها أيَّ أهمية، لأنها لا تضيف لهم «كردِت» لمشروعاتهم الانتخابية.
مع اقتراب الانتخابات النيابية القادمة، نجد الكثير من النواب اليوم أصبحوا «جيفارا» زمانهم، أو حين يخطب أحدهم تحت قبة البرلمان تعتقد أنه سليل هتلر أو النسخة المكررة للزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر، أو أحد الشيوعيين المعتَّقين من فنزويلا أو الصين، لأن كل المسألة وما فيها هو أن الانتخابات القادمة على الأبواب، وكل منهم يريد أن يظل في موقعه لدورة تشريعية جديدة.
إذا كانت المسألة تتعلق بالفساد المخزي الذي ورد في التقرير الأخير لديوان الرقابة المالية والإدارية، فهذا ليس بالأمر الصادم أو المستبعد، حتى يُظهر هؤلاء النواب كفاءاتهم الثورية عبر التلويح والتهديد بالاستجواب وغيرها من أدوات الهجوم المقدس.
التقرير الأخير لديوان الرقابة ليس هو التقرير الأول الذي يصدره الديوان حتى ينفخ بعض النواب أوداجهم مهددين ومتوعدين الحكومة بالويل والثبور وعظائم الأمور، إذ لدينا مجموعة سابقة لا بأس بها من التقارير المتخمة بالفساد، لكننا لم نجد قبل ذلك أن قام نوابنا الأعزاء باستجواب حتى «فراش» وزارة، لأننا تأكدنا أن غالبية النواب هم ظاهرة صوتية، وربما تتضخم هذه الظاهرة بصورة فجائية مع اقتراب الترشُّح لموعد الانتخابات النيابية القادمة.
أيها النواب؛ لقد أصبحت الأمور مكشوفة لدى الشارع البحريني، ولو كنتم صادقين فيما تذهبون إليه حول نيتكم في محاسبة كل من ورد ذِكر تقصيره في تقرير ديوان الرقابة الأخير، لحصل ذلك من أول تقرير أصدره الديوان، لكن في مجلسنا النيابي ستسمعون جعجعة ولكنكم لن ترون طحناً، وأن كل ما ستسمعونه من بعض نوابنا في قادم الأيام هو للاستهلاك المحلي وكفى.. صدقوني.