وسط معمعة المعلومات «المخيفة» التي تنشر في الصحافة ويتناقلها الناس بناءً على تقرير ديوان الرقابة الأخير بشأن الهدر المالي والفساد الإداري، انتشرت بين الناس رسائل ونصوص بشأن تجاوزات في بعض القطاعات مصدرها موظفون هناك، ونحمد الله أنه مازال هناك «ضمير» متبق لدى البعض، فغالباً من يسرب المعلومات من لا يطاله من ورائها شيء وبأسلوب «علي وعلى أعدائي»، لكن أن يسربها أناس يرون ما يحصل أمامهم من أخطاء وتجاوزات ولا يمكنهم الصمت، يدفعنا للقول بأن «الدنيا مازالت بخير».
أتحدث عن المعلومات التي نشرت بشأن هيئة التأمين الاجتماعي، والتي دمجت فيها المسميات (صندوق التقاعد وهيئة التأمينات) لكن توحيد مزايا الصندوق لم تدمج ويبدو أنها لن تدمج بسبب الإدارات المتعاقبة على الهيئة، والتي حولتها مؤخراً بالنسبة للوضع المالي والإداري لا لجهة خاضعة للدولة بل هيئة «شبه حكومية» رواتبها ومزاياها وكل شؤونها تختلف ولا تريد أن تتبع حتى لوائح وأنظمة ديوان الخدمة المدنية.
ما نشره الناس سببه قرب صرف «البونس» السنوي لمسؤولي وموظفي الهيئة، والأرقام المتوقعة مخيفة جداً، خاصة أنها تحصل في هيئة يفترض أنها تعاني من «عجز اكتواري» وأن خط سيرها في انحدار بالنظر للخسائر والاستثمارات غير الناجعة، بل «الفاشلة» ولا أريد «تجميل» الكلام هنا بسبب «ابتلائنا» في هذا المجتمع بوزراء ومسؤولين كبار يتصرفون بـ «دلع» يطغى على دلع الأطفال، حينما تنتقدهم الصحافة يركضون «فوق» ويتباكون، ولا أريد ذكر أسماء، ومن على رأسه بطحة يتحسسها.
أعود لمحور الحديث، يحصل هذا في هيئة يفترض أنها تعمل ليل نهار لتغطية «خيبتها» الكبيرة وهي مشكلة «العجز الاكتواري»، هذا العجز الذي لا يعد «كارثة طبيعية» نزلت علينا من السماء، بل نتيجة «فعل فاعل»، والناس الآن هم المتضررون إما في رواتبهم التقاعدية أو مصير اشتراكاتهم المستقبلية، وحتى أية مشاريع يتم التذرع بعدم إمكانية تحقيقها بوجود هذا «العجز»، والذي بحد ذاته يعتبر «وصمة عار» لا تمحى.
سيتم صرف «بونس» في هيئة يفترض أنها تتبع الحكومة، ويفترض أنها تعمل على حماية أموال الناس واستثمارها لتأمين تقاعد الموظفين، يصرف فيها «بونس» في وقت لا يصرف في وزارات الدولة المختلفة وقطاعاتها وحتى كثير من هيئاتها شبه الحكومية.
رئيس الحكومة والوزراء لا يستلمون «بونسا» على عملهم، ولا الوكلاء ولا الوكلاء المساعدين ولا المديرين ولا الرؤساء ولا أي موظف عادي، لكن رئيس هيئة التأمين الاجتماعي -بغض النظر عمن يكون- يستلم «بونسا» قد يصل 24 ألف دينار عن راتبه يصل لحدود 8 آلاف دينار (أكثر من راتب وزير)، وذلك بحسب ما هو منشور. وطبعاً نزيد عليه رواتب نواب رئيس تصل رواتبهم لـ 5 آلاف (أكثر من راتب شوري أو نائب)، بينما أصغر مدير تنفيذي يتقاضى 3 آلاف دينار (راتب وكيل وزارة بالعلاوات)، ناهيكم عن مديري وحدات ورؤساء رواتبهم بين 1300 إلى 1500 دينار.
الإجمالي -حسبما وصلنا- لصرف «البونس» لهؤلاء الموظفين في «هيئة حكومية» تصل إلى نصف مليون دينار، في وقت لا الحكومة ولا النواب قادرون على رفع رواتب الموظفين حتى بنسبة 20% بسبب «العجز الاكتواري» الذي يفترض بأن «الخبراء» في الهيئة قد حلوا مشكلته منذ زمن!
من حق الناس أن تغضب وتهيج بسبب هذه التسريبات والأخبار، فلا هو «بونس» شرعي ولا قانوني ولا دستوري، وأزيد بأنه «لا أخلاقي» أيضا. فالهيئة ليست مؤسسة تجارية ربحية حتى توزع الأرباح على منتسبيه (هذا إن رأيتم أرباحا أصلا)، بل هيئة تدير أموال الناس وتمثل الدولة، بالتالي إن كانت من «خردة زائدة» فسدوا بها العجز الاكتواري الذي «بهدلتم» المواطن بسببه، ومن تسبب به لم تتم محاسبته أو مساءلته حتى، بل بعضهم تمت ترقيته.
الكارثة بأن الهيئة ترفض تماما أن تخضع لمرسوم رقم 36 لسنة 2011 (أقول مرسوم، يعني صادر عن جلالة الملك رأس السلطات)، والمعني بضوابط استحقاق رواتب ومزايا موظفي الهيئات والمؤسسات الحكومية.
الجميع مستاء بلا استثناء، والله وصلني المسج حتى من مسؤولين كبار في الدولة، إذ إن صح ما تنوي الهيئة فعله بشأن صرف هذا «البونس»، حينها من حق أي موظف في الدولة يدفع اشتراكاً للهيئة لضمان تقاعده (ومهدد بأن يزيد اشتراكه أو يتم تمديد السن التقاعدي بسبب فشلهم) من حقه ان يرفض تسديد اشتراكه، بل من حق التظاهر عند الهيئة مطالبا الدولة بالتدخل ووقف هذا الاستهتار الإداري واللعب بالمال العام، نعم «لعب» بالمال العام حينما تركز على مزاياك ومكاسبك الخاصة و»تناور» مع اللوائح والضوابط والقوانين بدلاً من أن تصلح الخلل الذي أوصل حال الهيئة إلى ما هي عليه.
نرفع هذا الموضوع مباشرة لقادة البلد، لن ننتظر تحركات للنواب ولا أي تصريحات، هذه أموال الناس، أموال تقاعدهم، لا يفترض أن يتم الاستهتار بها واللعب فيها بهذه الطريقة، بدلاً من أن يسدوا العجز يصرفون لأنفسهم «بونسا» بالمئات والآلاف!