المواطنون العاديون وكذلك المقيمون عملوا طوال أسبوع تقريباً على التعبير عن وجهات نظرهم وأبدوا آراءهم تجاه نتائج الأمطار الغزيرة التي شهدتها البحرين ودول الخليج العربي من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما دفع الصحافة المحلية على الأقل إلى مجاراة هذه الحملة الواسعة.
السمة الأساسية للحملة الشعبية في مواجهة المطر هي السخرية، وتأتي بعدها الانتقاد اللاذع للمسؤولين والحكومة بشكل عام، ولسنا هنا بحاجة لتفصيل أكثر بشأن مظاهر هذه الحملة التي تبدو وكأنها حملة خليجية ممتدة من الكويت شمالاً إلى عمان جنوباً يمكن مشاهدتها عبر الإنستغرامات والواتسابات.
مهما ظهرت من تصريحات حكومية، أو ظهر هذا المسؤول أو ذاك أمام شاشات التلفاز يتحدث عن الاستعدادات أو عن الإجراءات التي تعتزم الحكومة اتخاذها لمواجهة طوارئ الأمطار الغزيرة، فإنها لن تكون مقنعة نهائياً للرأي العام البحريني وكذلك الخليجي.
اتجاه الرأي العام المحلي طوال أسبوع كامل كان هو التعبير عن الرأي الذي ينتقد التعامل الحكومي في التعامل مع أزمة الأمطار، وينتقد ضعف البنية التحتية والمطالبة بالمحاسبة والمساءلة. وهذه الظاهرة عكست الهامش الواسع من حرية التعبير في الفضاء الإلكتروني الجديد، وغياب أي انضباط في التعبير عن الرأي وهو ما يمكن أن يقود إلى فوضى بامتياز. ما دفع الرأي العام البحريني إلى انتقاد الحكومة بشكل لاذع، وتحميلها مسؤولية تردي مشاريع البنية التحتية، الإحباط الشعبي الكبير من السلطة التشريعية التي عجزت عن محاسبة المسؤولين، وصدر عن أعضائها مجموعة من التصريحات للاستهلاك الإعلامي فقط. هنا من الأهمية بمكان التوضيح أن الإشكالية لا تتركز في قوانين وأنظمة وبنية السلطة التشريعية بغرفتيها، وإنما في ممارسات هذه السلطة نفسها وأعضائها التي يجب أن تتجاوز المصالح الخاصة، وأن تقوم بأدوار أكثر إيجابية لإقناع الرأي العام بأنها تقوم بدورها كما هو مطلوب منها.
المشهد أوسع من ذلك بكثير، فالاستياء الشعبي الواسع من التعاطي الحكومي مع أزمة الأمطار لم يتناول كثيراً دور السلطة التشريعية، وهو ما يعكس درجة فقدان الثقة في السلطة التشريعية، وهي بلاشك حالة خطيرة من المهم التحرك لتجسيرها قبل انتهاء الفصل التشريعي الثالث.
بهذه المعطيات يمكن القول إن مصداقية الديمقراطية البحرينية على المحك ليس من حيث الإنجازات والأدوار والأنظمة والتشريعات، وإنما من حيث علاقة الرأي العام بهذه السلطة التي يوماً بعد آخر يراها غير مجدية. وحينها حتى تلك الأطروحات الراديكالية التي تطالب بإصلاحات هيكلية على السلطة التشريعية لن تكون مقبولة البتة.
فإذا تجاوزنا مرحلة سيطرة الدولة وتراجع قدرتها على الرأي العام بسبب شبكات التواصل الاجتماعي، فإننا اليوم أمام مرحلة مختلفة تقوم على استهداف الحكومة في إطار من الفوضى، وليس استهدافها من أجل تعديل سياساتها وأنظمتها.