ترفع البحرين أعلامها خفـّاقة في السماء إيذاناً بتدشين احتفالاتها بيوم الجلوس الملكي والعيد الوطني المجيد.. وترفع أياديها لرب السماء داعية للوطن بالسلام والازدهار، ولمليكه بطول العمر والنصر والسؤدد، ولقيادته بالسداد والرشد والتوفيق، ولشعبه بتماسك وحدته الوطنية وعلو ازدهاره واستقرار سلمه وأمنه ورفاهه..
وتحتفل البحرين الحبيبة بيوم جلوس مليكها وذكرى عيدها الوطني وهي تزهو بإنجازات تنموية شاملة ومتميزة تحققت بفضل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، ورؤيته الثاقبة، والداعية دائماً إلى التقدم والازدهار في شتى الحقول والمجالات والانفتاح والحوار والتعايش السلمي بين الجميع مع ترسيخ مبدأ حقوق الإنسان وصون كرامته وحريته الشخصية.. حتى أصبحت مملكة البحرين علامة بارزة على صعيد التنمية البشرية والاجتماعية والتعليمية والثقافية والاقتصادية وعلى صعيد الحريات العامة وحرية الاقتصاد وحرية الفكر والثقافة وحرية الأديان والعقائد وممارسة العبادات.. إنها الحريات الأسمى التي يسعى إليها الإنسان في حياته، بل هي الحريات التي تقيم مدى كرامة الإنسان في ذاته ووطنه ومجتمعه.. وهي والحمد لله حريات مكفولة كلها في مملكة البحرين، ومصانة وفق دستورها وقوانينها.. وقبل كل شيء وفق نهج مليكها ورؤيته الفذة للوطن الحر بأهله وشعبه والحر بكيانه واستقلاله.. والحر بمقدراته وامتلاكه لقراره.. والحر بمشروعه الإصلاحي الذي سبق كل مشاريع الإصلاح العربية الحديثة وما زال يجدد شبابه يوماً بعد يوم وحواراً بعد حوار..
وتمثل هذه الذكرى الوطنية المتجددة رفعة وازدهاراً وتقدماً وافتخاراً، مناسبة طيبة تستوجب وقفة تأمل لرصد الخطوات الهامة التي خطتها مملكة البحرين عبر سنوات العهد الزاهر التي تعززت فيها المكتسبات الديمقراطية والسياسية والاقتصادية وتعاظمت فيها الإنجازات على مختلف الصعد، وتنوعت فيها الجهات والمحافل الدولية والعالمية التي ارتفعت على أعرافها أعلام البحرين مؤذنة بعالمية هذه المملكة وعالمية إنجازاتها وهويتها وجميع شؤونها وشجونها.. ما أسهم في دعم مشروعها الإصلاحي ومعه جل مشروعاتها التنموية والنهضوية والحضارية التي ساهمت مع بعضها في توفير مكانة ركينة ناجزة للبحرين في الساحة الدولية وفي نفس الوقت في أبرز قوائم التنافسيات العالمية والإقليمية وأكثرها مصداقية واحتراماً..
إن أول ما استطاعت البحرين تسجيله في ذاكرة هذا القرن مع انطلاقة العهد الزاهر لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله، هي رؤيتها الإصلاحية الشاملة والمستدامة والمتجددة والنابعة من ذاتها ومن فكر مليكها وقائدها، والتي باتت تنمو وتتأصل عاماً تلو العام لاعتمادها رؤية واضحة تدعو إلى تعميق ديمقراطية حقيقية راسخة وقابلة للتطور والاستمرار، وتكريس ورشة برلمانية تشريعية مفتوحة دائماً وتتسم بالانفتاح السياسي والتشريعي في إطار مشروع وطني شامل يسير نحو بناء الدولة العصرية التي تضع في مقدمة أولوياتها رفعة الوطن وخدمة المواطن وتحقيق آماله وتطلعاته والحفاظ على أمنه وسلامته مع ترسيخ مفهوم دولة القانون والمؤسسات وإبراز الوجه الحضاري للمملكة وتاريخها العريق الممتد إلى آلاف السنين.
ويحق للبحرين اليوم أن تشعر بالفخر والاعتزاز أكثر من أي وقت آخر وهي ترى العالم كله ينحاز إلى رؤيتها الإصلاحية تلك رغم كل ما تعرضت له من مواجهات سلبية ومن أمواج وعواصف سياسية وأيدولوجية.. فهذه الرؤية الإصلاحية التي بدأت أطروحاتها بالحوار ما تزال ترى في الحوار منهجاً لإدارة شؤون الوطن وتجنيبه مصائر الأوطان والشعوب التي سلبت من مكنوناتها ميزة الحوار العقلاني واستبدلته بحوارات عصابية ثورية مهتاجة فتسببت للبلدان وشعوبها بما لا تحمد عقباه من مصائر وجعلتها في مهب رياح التطرف والفوضى ..
ويحق للبحرين اليوم أن تنظر برضا إلى طريقها الحضاري وما فيه من إنجازات وطريقها الاقتصادي وما فيه من صروح التنمية والنهضة وطريقها الأمني والسياسي وما فيه من أمن واستقرار رغم المنغصات ورغم محاولات التشويه والترهيب.. وأن تشكر المولى عز وجل أن أتاح لها قيادة وطنية مخلصة واعية وذات رؤية وحكمة في معالجة قضاياها ومشكلاتها، وأسلوبها الذي أثبتت الأيام حكمته وعقلانيته وقدرته على معالجة الأدواء وتوصيف الدواء والنجاة بسفينة الوطن في مواجهة الأعاصير والأنواء..
كانت سنوات العهد الزاهر وما تزال بحمد الله وتوفيقه سنوات حبلى دائماً بالإنجازات الباهرة.. والمشروعات الكبرى.. وبالتغيير والتطوير والإصلاح.. ولكن وقبل كل شيء بعطاء المليك المحبوب لشعبه المخلص ووطنه المؤمن بقيادته والواثق بحكمته والملتف حول رايته.. هي سنوات قليلة في عمر الدول والشعوب، ولكنها سنوات وافرة بإنجازاتها وما أضافته لحياة المواطن البحريني من رفاه واعتزاز بنفسه ووطنه وقيادته.. سنوات حافلة بالبناء والعطاء الذي لم يتوقف على الأطر والسياسات العامة، بل على الأجهزة والمؤسسات والأدوات الطبيعية للحكم وممارسة السلطة بأرفع أدواتها وآلياتها المتضمنة مؤسسات تشريعية ورقابية ودوائر بلدية ومجالس شعبية مساندة ومؤسسات مجتمع مدني ومجالس وهيئات منتخبة. ما أتاح للبحرين أن تدخل بقوة وثقة نادي الدول ذات الحريات الكاملة والتي تتكرس فيها حقوق الإنسان والمناخ الديمقراطي، وتعالج قضاياها ومشكلاتها وفق مبادىء الحوار والتوافق الوطني المدعوم بحكمة القيادة ورشد السياسات وتمسك الشعب بوحدته الوطنية باعتبارها الثابت الأهم والأقوى في منظومة ثوابتنا الوطنية الخالدة..
وختاماً فنحن وكل الأطياف الوطنية المخلصة نتطلع إلى الحراك الذي يقوده جلالة الملك المفدى وسمو رئيس الوزراء الموقر وسمو ولي العهد الأمين، للعودة بالبحرين إلى قاطرة التنمية والمضي بها على طريق السداد والرؤية الاستشرافية المنتجة، بالكثير من التقدير والثقة، ولكن في نفس الوقت لا بد من الإشارة إلى أن المصلحة الوطنية تحتم على جميع أطراف العملية السياسية مرونة نحتاج إليها الآن، وتضحية تحتاج إليها مسيرة التنمية كي تستمر وتتصاعد، ومصداقية وعقلانية تحتاج إليها المملكة كلها كي تكون العافية شاملة للجميع وتنعم البحرين بخيراتها وخبراتها. وهذا يعني على أقل الأحوال التوقف عن التصعيد والممارسات التي من شأنها تعطيل مسيرة التنمية والإصلاح.. فأول ما نحتاج إليه الآن هو الثقة المتبادلة، والتوافق على الإيجابية في النظر إلى شؤوننا وشجوننا ومصالحنا الوطنية الكبرى.. وقبل ذلك وبعده الالتفاف حول القيادة الحكيمة وحول راية الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله وحفظ البحرين وشعبها وجعل أيامها كلها أعياداً ومسرات وإنجازات.. وكل عام وأنتم والوطن بخير.