ندرك جيداً ألا أحد يكتب اليوم عن فلسطين، وربما يكون ذلك لسبب وجيه، وهو أن الحديث عن غزة لم يعد مغرياً للكتاب العرب، لأن الكتابة عن هذه المدينة المنسية أصلاً لا يعطي الكاتب أي «كردت» في ظل الحديث عن دول أخرى ملتهبة، قد تكون هي محور حديث الشعوب والحكومات والإعلام المحلي والعالمي على حد سواء، لكننا نحاول في ظل هذا الكم الهائل من الكتابات حول تلك المواضيع الساخنة، أن نسلط الضوء على المدينة التي طالما عانت الأمرين بسبب موقفها الواضح والصريح الراغب في تقرير مصيرها بعيداً عن تل أبيب.
إنها غزة؛ تلك المدينة التي يعاني أهلها كافة صنوف العذاب والتنكيل والقسوة، ولأن الربيع العربي طغى طغياناً كبيراً على واقع هذه الأمة المثخنة بالجراح والضياع، أصبح الحديث عن غزة لا يساوي قيمة الحديث عن جناح بعوضة، وما يمكن لحديث عابر أن يغير واقع مدينة لا تذكر على خارطة الطريق؟!
يقول الخبر.. «منذ بداية شهر نوفمبر الحالي، تم إغلاق محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة بسبب نقص الديزل الصناعي الذي تعمل عليه، وكانت النتيجة زيادة كبيرة في انقطاع التيار الكهربائي عن 1.7 مليون فلسطيني يقطنون في القطاع، وعلى إثر ذلك يؤكد جيمس راولي، منسق الشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، أن إغلاق المحطة ونقص الوقود سوف يؤثران على كافة الخدمات الأساسية، بما فيها المستشفيات والعيادات، وأنظمة الصرف الصحي ومحطات ضخ المياه»، ويقول المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إن هذه الخطوة «خلفت عواقب وخيمة على الظروف الإنسانية لسكان قطاع غزة»، هذا وقد أعيد فتح محطة توليد الكهرباء في غزة في العام الماضي فقط، بعد عملية إعادة تأهيلها في أعقاب تعرضها لغارة جوية إسرائيلية في العام 2006، ووفقاً لهيئة الطاقة في غزة، فإن المحطة تولد ما يعادل 30% من إمدادات غزة من الكهرباء، بينما يأتي الباقي من الكيان الصهيوني ومصر.
كل هذا يعني، أن القطاع يعيش اليوم بلا كهرباء ولا ماء، فالغزي يقتصد في استهلاك الكهرباء المقطوعة أصلاً عن القطاع، وهكذا يقتصد في بقية الأمور الأساسية، فإذا حان وقت الليل فإن الشموع هي الوسيلة المناسبة لترشيد حاجات أهالي غزة من الكهرباء، أما طلبتها الصغار، وحتى الكبار منهم، فإنهم يقومون بأداء طقوس الدراسة في منازلهم على ضوء الشموع.
ليس نقص الكهرباء والماء هي كل المشكلة في هذه المدينة المنسية، بل هناك نقص في الغاز والوقود والدواء، وبهذا فإن كل تفاصيل حياتهم اليومية تتعرض لمخاطر ونكسات، بينما العرب يعيشون ملهاة الربيع العربي.
ربما تفتقد غزة الكهرباء، لكنها بكل تأكيد تمتلك أعلى معدلات الكرامة، بينما في جهة أخرى من العالم، هناك شعوب عربية مدللة تمتلك كل مقومات الحياة الأولية والثانوية بامتياز، لكنها لا تمتلك ذرة واحدة من العزة والحرية والكرامة.
شعوب تبحث عن الحرية، وأخرى تبحث عن أدوات البقاء، وبين هذا المشهد وذاك هناك الكثير من العبث الغربي والصهيوني في واقعنا القلق، فأعان الله أهل غزة، وأيقظ العرب من غفلتهم المذلة، والسلام خير ختام.