في الوقت الذي توالت فيه ردود الفعل المحلية والدولية المؤيدة لمبادرة جلالة الملك الأخيرة ورحبت بها ودعت إلى اغتنام الفرصة لعودة موجبة للحوار الذي لا مخرج لنا إلا من خلاله، وليس لنا من بد سوى الاستمرار فيه. في هذا الوقت انبرى البعض وأغلبه من حديثي العهد بالعمل السياسي ليسلب بتصريحاته الفرحة التي سادت بعدما بان ضوء في نهاية النفق، وليضع العصي في العجلة الجديدة التي لولا أهميتها وصدقها وقوتها لما تصدر مشهدها سمو ولي العهد.
النائب أحمد الساعاتي انتقد بعنف سلبية البعض من الجانبين، فغرد قائلاً «كنا ننتقد المعارضة لأنها تعيش في أسر الدوار وندعوها للتحرر منه والتعاطي بواقعية مع تطورات الأحداث.. اليوم نجد البعض الآخر يعاني من نفس المشكلة»، وقال أيضاً «نحن الآن في 2014 وأحداث الدوار كانت في 2011.. لا يمكن أن نوقف تاريخنا وحياتنا كلها عند ذلك التاريخ بل نتعلم من أخطائنا كي لا تتكرر».
وإذا كان البعض قد عبر عن رأيه السالب قولاً، فإن البعض الآخر عبر عنه بأسلوبه الهزيل المتمثل في إشعال النيران في إطارات السيارات، وانتهز فرصة معرض البحرين للطيران والعروض الجوية المثيرة ليلفت الانتباه إلى سلبيته من خلال ما أسماه بـ «سحب العزة» التي اختير لها الانطلاق من بعض القرى القريبة من مكان الاستعراض الجوي، ناسين أنها تعبر عن الكراهية وليس عن العزة.
التوجيه الصريح للجمعيات السياسية - مسلوبة الإرادة إلا قليلاً – جاء من الخارج عبر الفضائيات السوسة وملخصه «أنه لا بأس لو التقيتم بولي العهد أو بمن تشاءون ولكن المهم هو ألا يتوقف نشاطكم الميداني وأن تعلموا جيدا أننا غير ملزمين بما قد تتوصلون إليه، فزمن المصالحة والتراضي والإصلاح ولى ولن نقبل سوى بإسقاط النظام.. وأننا لن نتوقف عن أعمال التخريب والإرهاب».
بناء على هذا التوجيه ازدادت الانتقادات الآتية من الخارج للجمعيات السياسية وعلى الخصوص جمعية «الوفاق» بل لم يتردد البعض من أولئك عن توجيه الاتهامات بالخيانة والعمالة لمن شارك في اللقاء مع سمو ولي العهد، وبناء على التوجيه نفسه أيضا قام الصغار المخدوعون بالشعارات الثورية بتنفيذ تلك الأعمال الصبيانية في الشوارع بل سعوا إلى أكثر من ذلك، حيث بدؤوا في دفع طلاب مدارس بعض القرى إلى افتعال المواجهات مع رجال الأمن بغية الاستفادة من صورها إعلامياً والقول إن رجال الأمن يلاحقون الطلبة في الشوارع في نفس الوقت الذي يقولون فيه إنهم يسعون للحوار!
في السياق نفسه جاء البيان الغريب اللافت الذي احتوى تحريضاً مباشراً وتوجيهات واضحة لممارسة العنف، فدعا إلى «زحف ثوري جماهيري هادر» نحو أحد مراكز الشرطة بشارع البديع. جديد البيان في أنه لم يكتف بالإشارة إلى ساعة ويوم ومكان الفعالية ولكنه نبه إلى «ضرورة تجهيز أدوات الدفاع المقدس للتصدي لأي مباغتة من رجال الأمن»، «لعلها المرة الأولى التي يحتوي فيها بيان يدعو إلى التظاهر تنويهاً بتجهيز أدوات الدفاع المقدس التي تعني التسلح بزجاجات المولوتوف والأسياخ الحديدية والاستعداد للمواجهة والعنف».
كل هذه الفعاليات – ومنها مسيرة الجمعيات السياسية التي اختير لها يوم الجمعة الماضي – جاءت في وقت صار لدى الجميع علماً أن حراكاً سياسياً جديداً بدأ يتشكل وأنه سيعيد جلسات الحوار ولكن بشكل أكثر فاعلية.
النائب الساعاتي الذي عبر عن انزعاجه من تلك المواقف السالبة تساءل عن البديل عن مبادرة ولي العهد الجديدة فقال «هل هو الاحتكام للشارع بالعنف والعنف المضاد؟ أعطوا ولي العهد الفرصة ليوحد الوطن».
أقول مثل ما قال وأضيف.. حديثو السياسة مثل حديثي النعمة.. كلاهما «متخرع»!