حتى تكتب بهدوء وتجرد هذه الأيام (رغم أن من في الجانب الآخر لا يتجرد من كرهه لهذا البلد وبقية مكوناته من المخلصين)، فإنك تحتاج أن تكون تحت تأثير مخدر أو داخل غرفة إنعاش!
ما يموج به الشارع المخلص، وحتى لو لم تعكس واقعه وسائل الإعلام الرسمية أو الصحافة المقروءة إلا في حدود ضيقة، فهو في النهاية يصل لمن يعنيه الأمر بالتالي لا حدود اليوم أمام انتشار الكلمة وإعلان الرأي والموقف. وسائل التواصل الاجتماعي والإعــلام الجديــــد هــــي أدوات الثـــــورة المعلوماتية التي منحت كل شخص منبراً ليتحدث ويعبر، وبالتالي من يريد معرفة رأي شارعه في أي شيء، يمكنه أن يطلع على ذلك بسهولة، طالما أن الناس مؤمنة بأن دستور البلاد وميثاقها كفلا حرية الرأي والتعبير وأن قيادتها تدعو لذلك.
إلى هنا، نضع نقطة آخر السطر في شأن الكيفية التي يعبر بها الشارع عن نفسه، والآلية التي يمكن أن يستخدمها من يريد استقراء رأي الناس.
أما في جدليات ما ستشهده البلاد في الأيام المقبلة، فهناك أطياف مختلفة أعلنت عن مواقفها من الدعوة للتحاور من جديد.
هناك من رحب وتهافت على الدعوة، وهناك من رحب بحذر مع إعلان محاذير ونقاط يراها مهمة، وهناك من أعلن رفضه بناء على اعتبارات عديدة، أهمها أن ما حصل قبل قرابة ثلاثة أعوام -من انقلاب على الدولة وتطاول على رموزها والإساءة لمكونات عريضة من الشعب عبر التخوين واتهامات العمالة وغيرها- كلها أمور لم تحسم بعد بالقانون.
الآن ينتظر الناس ما ستؤول إليه الأمور، إلى أين سنصل؟! وما الذي سيحدث؟! وكيف ستخلق العراقيل الجديدة «المتوقعة» من قبل من منحوا ذات الفرصة أكثر من مرة وماطلوا وعطلوا دوران العجلة، وبذلك خسروا مكاسب كانت يمكن أن تتحقق، واضطروا الآن للقبول بسقوف أقل، نتوقع أن ترتفع حينما يحسون بأن هناك نوعاً من التعاطي؟! وهنا لن نستبق الأحداث، لكن قراءة التاريخ القريب جدا يمكن أن يقودنا لتوقع ذات السيناريو.
لكن من ضمن المحاذير التي قد تحصل، بأن تمضي الدولة لتسقط بنفسها ثوابت يفترض بها أن تكون راسخة ولا تتزحزح، وهي ثوابت إن تمت المساومة عليها فإن فكرة «تصفير» الدولة ستحصل.
نتحدث هنا عن الميثاق الوطني الذي صوت عليه الشعب البحريني بكل أطيافه وألوانه ومذاهبه وبأغلبية ساحقة، يعقبه الدستور، وليس بمعزل عنهم السلطة التشريعية الممثلة بشكل أكبر بمجلس النواب المنتخب من الناس والذي يفترض «الآن» أن يتحرك ويعمل وفقاً لما تمليه عليه مسؤوليته من توصيل «نبض الناس» ورأيهم.
إغفال هذه الثوابت يعني القبول بنسفها، وبالتالي لا الميثاق سيظل وثيقة أساسية في المشروع الإصلاحي، ولا البرلمان سيكون أداة لها احترام وشرعية دائمة.
وعليه، فإن التمسك بهذه الثوابت وبدور المؤسسة التشريعية وعدم القفز عليها هو ما يضمن ألا تصل الدولة لنتيجة تتسبب في خروج المخلصين عليها أيضاً نتيجة غضب أو استياء ووفق اعتبارات أن الطرف الذي بدأ الشرارة وما زال يسعر النار هو الذي سيخرج بمكاسب على حساب غيره، وهي أصلاً –إن حصلت- مكاسب فئوية ضيقة له وحده دون شارعه ومن تبعه.
هذه نقطة، والنقطة الأخرى متعلقة بمن يتساءل: لماذا وصل الحال لما هو عليه؟!
الإجابة تكمن في الحراك السياسي نفسه، فبينما كانت جمعيات تعمل لتصل إلى مثل هذه النتيجة ولتفرض أجندتها، كانت الجمعيات المفترض أن تلتصق أكثر بالشارع الوطني تبتعد عنه، تختفي لفترات طويلة، وتعود بعدها بأسلوب «الفزعة»، بل وصلت لمرحلة تقاذف وتناحر وشق للصفوف، نسيت إعداد كوادر قادرة ومؤهلة سياسياً وإعلامياً وحوارياً، واكتفت بوجوه تجلس على الطاولات وبعض منها أضعف ما يكون (لا تخلونا انبط البرمة)، طبعاً إلا من رحم الله منهم ومن ضمنهم أناس مازالوا ثابتين على مواقفهم.
ما يحصل اليوم هو نتيجة هذا «الركون» لدى جمعيات وطنية وجمعية اختزلت تجمع الفاتح في «اسم»، هدأت وغابت عن الساحة وأصبح حضورها في المجالس والمناسبات أكثر من حضورها في الحراك السياسي والمواقف المهمة، وبالتالي هي فاتورة تدفع اليوم.
ورغم أن الاستفاقة قد تشكل عاملاً يخلق نوعاً من التوازن، لكن الثقة لم تعد نفسها، والتفاعل مع الكلام لم يعد بأسلوب التأييد وبالجدية السابقة، وهنا يصدق المثل القائل: إذا فات الفوت ما ينفع الصوت.
الواقع المفروض اليوم يحتم على اللاعبين السياسيين الذين يمثلون المخلصين من الشعب أن يتحملوا حجم المسؤولية الثقيلة وأن يكونوا صمام أمان حقيقياً وفعلياً، إذ لو خليت خربت.
لا نريد القول إن «الثالثة» يفترض أن تكون «ثابتة» هذه المرة، لكن نرد بقول قراد بن أجدع الكلبي: فإن يكُ صدر هذا اليوم ولى .. فإن غداً لناظره قريب!
ربنا احفظ البحرين والمخلصين من أبنائها.