عبثاً حاولت أن أوفر بعض الوقت للوصول باكراً إلى مقر عملي بتغيير طريقي الصباحي إلى أحد الشوارع السريعة، لكن (خفافيش المولوتوف) كانوا لأمنياتي بالمرصاد. إذ قفز أربعة من الشباب رشيقي الحركة وأوقفوا حركة سيرنا، وفي زمن لا يتجاوز الدقيقة والنصف فرش الشابان الأول والثاني إطارات السيارات على الامتداد الأفقي للشارع وسكب الشاب الثالث علبة كبيرة من غاز سائل فوقها، ورمى الشاب الرابع عدة زجاجات مولوتوف على المكونات السابقة فاشتعل الطريق ناراً...
دقيقة ونصف كانت كفيلة بأن أتأخر ثلث ساعة عن عملي الذي خططت للوصول إليه باكراً.
وأنا أتأمل مشهد النار تشتعل وسط الشارع في الطريق السريع والجميع ينتظر سيارات الأمن لتعالج الوضع ثم كومة السواد العملاقة التي ينتهي إليها حرق الإطارات تذكرت أننا في موسم الحوار، وأن الأمن أصبح أغلى أمانينا، فتساءلت هل سينتج عن الحوار وقف العمليات الإرهابية التي صارت جزءاً من نظامنا اليومي؟
نعم للحوار.. ها نحن نقولها إيماناً واحتساباً. لأننا ندرك ألا مخرج لأي مأزق سياسي إلا بالحوار. لكننا نتساءل: هل سيبقى الشارع ورقة ضغط تساوم بها قوى المعارضة السلطة لتجني مكاسب أكبر؟
منذ سنوات طويلة ونحن ننتظر موقفاً واضحاً من الجمعيات السياسية المعارضة تدين به الاستخدام الإرهابي للزجاجات الحارقة والأسياخ الخارقة وغلق الشوارع وحصار القرى وإرهاب الناس واستخدام المنبر الديني، ولكن دون جدوى، ظلت المعارضة تصف الجناة بالمعتقلين السياسيين وتنعت المخربين بالمناضلين. وتتاجر بضحايا المواجهات من الأطفال والشباب موزعة عليهم نيشان الشهادة. وظلت البحرين في دوامة من العنف ومن المواجهات الأمنية وقودها التحريض والتبرير من مختلف تيارات المعارضة.
نعم للحوار... لكن دون تبادل أدوار، يخرج علينا أمين جمعية الوفاق ليطمئن المواطنين (السنة) أن أي اتفاق مع السلطة لن يظلمهم ولن يكون على حساب حقوقهم!!، ثم تصدر تغريدات حساب الجمعية على تويتر تصف رجال الأمن بالمرتزقة، ثم يخرج علينا مجموعة من المخربين يرفعون شعارات مسيئة ويمارسون أعمالاً تخريبية، ومازلنا ننتظر تعليقاً من أبطال لندن وعناصر 14فبراير المجهولين يبين موقفهم الذي غالباً ما يكون الأكثر تطرفاً والأكثر تأثيراً في حركة الشارع العنيفة.
نعم للحوار... الذي يتحمل فيه كل طرف مسؤوليته. والذي يتصرف فيه رؤساء الجمعيات السياسية باعتبارهم قادة للشارع يعملون على توعية أنصارهم والوصول بهم إلى بر الاستقرار والازدهار. لا أن يتصرفوا باعتبارهم أتباعاً للشارع ينجرفون خلف انفعالات مراهقيه وفورات المنفلتين منهم.
نعم للحوار... ولعودة البحرين جميلة وهادئة ومسالمة كما كانت. بحريننا التي لم تعرف خطاب الكراهية والتحريض، ولم تألف لغة التشطير والتجزئة وكيد أي طرف للآخر. ولكن أخشى ما كنت أخشاه وأنا أتأمل مشهد البحرين تحترق صباحاً أن نطالب جمعيات المعارضة بتحمل مسؤولياتها التاريخية وتقويض فوضى الإرهاب في البحرين، فيستعيدون جواباً قديماً خرج علينا به الأمين العام لجمعية الوفاق، ذات لقاء إعلامي، في أحداث 14فبراير قائلاً: لا أملك عصا سحرية!!!!