المناقشات التي حظي بها قانون المرور في مجلس النواب والشورى تركزت في معظمها على جانب العقوبات والغرامات التي جاء القانون الجديد متشدداً فيها، الأمر الذي جعل أعضاء السلطة التشريعية منقسمين حول واقعيتها والمبالغة فيها، وبين القبول بها وتخفيضها بحيث تأتي العقوبة متوافقة مع حجم وطبيعة المخالفة والجرم المروري إذا صح التعبير.
هذا الجانب من القانون ربما تعمد المشرع في التشدد به بهدف التصدي للمخالفات والتجاوزات، والاستهتار في السياقة ومراعاة قواعد المرور وأخلاقيات الشارع، هذه الأخلاقيات التي تدهورت في السنوات الأخيرة وأصبح التحدي والغلبة واللامبالاة بالآخر هي السمات الطابعة لها.
وبالتالي جاء هذا القانون لمواجهتها بالعقوبة الشديدة والغرامة الباهظة والمبالغ فيها أحياناً، غير أن التشريع هنا لا يستطيع وحده وبأسلوبه وأدواته أن يواجه المشاكل الصعبة، والتي تتفاقم يوماً بعد يوم في الشارع وتؤدي إلى الحوادث وإلى ارتكاب المخالفات الجسمية.
ذلك أنه إلى جانب التشريع تأتي حلول أخرى أكثر أهمية في معالجة المشكلة، ولها الأسبقية على التشريع، وهي الحلول المتعلقة بالتخطيط أولاً، ومن ثم بتوفير الإمكانيات المادية، والجداول الزمنية التي تنفذ تلك الخطط في الزمان المناسب لاستيعاب تفاقم المشكلة ومنع حدوث مضاعفاتها والمتمثلة في أنواع ومستويات مختلفة من الاحتقان في الشارع.
ما هو حادث اليوم أن المسؤولين في إدارة المرور قد ضاقت بهم الأوضاع، وأصبحوا غير قادرين على ضبط هذا الكم من المخالفات وأحياناً الحوادث بما لديهم من إمكانيات، والسبب في حدوث الهوة بين حجم المخالفات والحوادث من ناحية وإمكانيات المرور من ناحية أخرى هو أن التطور في حل احتقانات الشوارع لم يواكب تزايدها ووصولها إلى المستوى التي عليه اليوم.
في الماضي كان هناك مجلس المرور تمثل فيه عدة جهات حكومية، يتولى هذا المجلس إجراء الدراسات الميدانية الدورية على تطور الحركة في شوارع البحرين الرئيسية والفرعية، يعرف منها الزيادة في عدد المركبات، وأماكن الضغط على هذه الشوارع، وكذلك مواقع الازدحام والتكدس والحاجة إلى الوقوف أو الانتظار، وبناء عليه يضع المجلس الخطط والبرامج التي يواجه بها ما خلصت إليه الدراسات من نتائج.
دراسات مجلس المرور كانت تقول لنا كل عام على الأكثر كم ارتفع عدد المركبات في عموم البحرين، بأنواعها من ثقيلة إلى خفيفة، إلى شاحنات وحافلات، ومتى تكون ساعات الذروة لازدحامها وتكدسها في الشوارع وأي شوارع وفي أي المناطق يزداد هذا الازدحام ثم تضع تلك الدراسات الحلول، والجدول الزمني لتنفيذ هذه الحلول.
المشكلة التي تعاني منها شوارع ومناطق البحرين اليوم ليست بنت الساعة، ولم تحدث اليوم فقط، بل إنها نتاج تراكم سنوات بعد أن بتنا لا نسمع عن مجلس المرور هذا، ولا يصلنا شيء من دراساته، ولا نرى من الحلول للمشكلات المتفاقمة إلا القليل، أو بالأحرى لا تعالج هذه الحلول إلا جانباً من المعاناة المولدة لفقدان الأعصاب وضياع الأخلاق.
صحيح أن السنوات القليلة الأخيرة شهدت توسعة في الشوارع وإقامة بعض الجسور والأنفاق واستبدال الدوارات بإشارات ضوئية، لكن هذه المعالجة على أهميتها قد حلت القليل من الاحتقانات المتراكمة لسنوات طويلة غابت فيها هذه الحلول، وجمدت الأوضاع على ما هي عليه.
لقد كانت البحرين بحاجة إلى خطط متواصلة لشق طرق جديدة وتوسعة الشوارع القائمة بنفس مستوى زيادة المركبات، وبمقياس الكثافة العالمية المعروفة، لكن المعرفة بزيادة عدد المركبات السنوية لم تكن توظف لمعالجة استيعاب هذه الزيادة على الأرض.
وكانت البحرين ومنذ بداية السبعينيات بحاجة إلى نظام متطور للنقل العام يشجع العدد الأكبر من السكان على الاستغناء عن شراء السيارات، أو على الأقل الاستغناء عن مضاعفة اقتناء السيارات الخاصة، وبما يصل إلى معدل ثلاث سيارات للعائلة.
وكانت البحرين بحاجة إلى الاهتمام بتوفير المزيد من مواقف السيارات في الأسواق وأماكن الاكتظاظ مثل المنطقة الدبلوماسية، ومناطق التكدس مثل المحرق، لكن التنفيذ في كل الحالات إما أنه فشل أو أنه تباطأ، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه من معاناة.
ومن هنا فمعالجة أزمة الشارع اليوم تحتاج إلى توفير الحلول والإسراع بها، وجعلها مواكبة للارتفاع في عدد المركبات، ومن ثم استكمال هذه المعالجة بنصوص قانونية وعقوبات وغرامات مناسبة لطبيعة المخالفة المرتكبة.