بدأت ثورات الربيع العربي واكتسبت وعيها وجنونها في ظل دعم خليجي كبير، وها هي دولنا الخليجية ترسل نفس الدعم وتتقمص دور الداعم والأنظمة تشن هجوماً معاكساً على ربيع الشعوب. وقد اختلفت مواقف دول الخليج تجاه ما جرى في مصر مؤخراً، فبعضها «تابع بارتياح» وبعضها «تابع بقلق»، كما ورد على لسان أكثر من مسؤول خليجي.
لكنها «اتفقت» في برقيات التهنئة على أنها مع إرادة الشعب المصري، ولأنني لم أخترع أن وضع الكلمة بين قوسين يظهر التعجّب والاستطراف؛ فلن أتوسع في توضيح ما سبق منها، مرتدياً الصمت في هذا اليوم الرمضاني الفضيل لأحمل من شاء وزر النوايا.
الواقعية الميكافيلية برزت كمحدد للمواقف في الخليج، فالإخوان ومن يتعاطف معهم في صدمة من موقف العسكر والقضاء في القاهرة. وقد وصل الأمر بعميد كلية الشريعة في الكويت الدكتور الشيخ النشمي بالقول بضرورة تغلغل الإسلاميين بالعسكرية لحماية الثورات وفي القضاء لضمان نزاهته. كما انصب الغضب هنا على جماعات السلف واسعة الانتشار والدعم خليجياً فقد غدرت بالإخوان كما يقولون.
أما الطرف الآخر في الخليج؛ فلسان حاله الشامت يقول تجاه الإخوان «أبرك ساعة» وهؤلاء يضمون من له حسابات انتخابية محلية كمنافس للإخوان، أو حسابات سورية لموقف الاخوان ضد بشار، أو من له حسابات مذهبية أججها مقتل الشيخ حسن شحاتة. أما العمود الفقري فهو الحكومات الخليجية التي تعتبر الجماعة تهديدًا محتملاً لسلطاتها.
لم أشعر بالقشعريرة من بيان العسكر؛ لكنني شعرت بها ومرسي يرفض القرار. هذا ما دونته ليلة عزل مرسي، فقد أخذت الأزمة منحى تعبوياً وأتوقع تدهوراً درامياً عند امتداد الزمن العسكري للأزمة. حيث يمكننا الاستنتاج أن الإخوان المسلمين تعلموا فن الوصول للحكم في 80 عاماً، وهم في طور تعلم استراتيجيات البقاء، وقد بدأ ذلك حال سقوط مرسي .
ورغم أن أصعب ما يواجه الكاتب بالتعبير الكتابي هو تجنب تكرار مفردة معينه؛ إلا أنني وجدت أن امتداد الزمن العسكري للأزمة يضع على لساني كلمة «باكستان»، فكما حدث في مصر قبل أسبوع تبادل المدنيين والعسكر بإسلام أباد الأدوار، فحكم العسكر 30 سنة بانقلابات متفرقة ألغيت فيها نتائج الانتخابات وعطل الدستور متذرعين بالفساد وعدم كفاءة المدنيين وعدم قدرة القوى السياسية على تقديم نموذج للحكم الرشيد.
ولست من الإخوان فأنا أقف على نفس المسافة منهم ومن الماسونيين والإسماعيليين والسلفيين والرولنغ ستونز أيضاً، لكن الديمقراطية تشكل بعداً مقدساً في فكري فلم يعجبني ماحدث. وأغلب المحايدين مثلي يرون أن حكومة العسكر كانت أكثر سلفية من السلفيين الذين ساندوها، حيث توسعت في قاعدة سد الذرائع ووصلت لإغلاق القنوات التلفزيونية وحجز حريات رموز الإخوان كإجراء احترازي.
ومأساوية اللحظة الأشد كانت سقوط أول رئيس مصري منتخب منذ أخناتون ونجاح من ابتكر مجادلات زائفة في تضليل أكبر تجمع للبؤس البشري أمام قصر الاتحادية. ولعل مما قوى الموقف الخليجي نفاق الغرب بشكل صارخ، فحتى هذه اللحظة لم يعلق على أحداث مصر من يرى السيطرة على العسكر كشرط لازم للديمقراطية. وهو مركز جنيف للسيطرة المدنية على المؤسسات العسكريةGENEVA CENTRE FOR THE DEMOCRATIC CONTROL OF ARMED FORCES (DCAF).
إن الرجعية التحليلية المستترة قد حكمت موقف الخليج من تقلبات المشهد المصري، حيث أظهر سوء التقويم الاستراتيجي لمسار الربيع العربي القرار الخليجي وقد أثقلته تناقضاته. فالواقع يقول إن معظم الحكومات الخليجية حالياً مع العسكر أو ضد وصول الإخوان للسلطة على أقل تقدير. فكيف تجلت بهذا الوضوح الآن إخفاقات أكرر إخفاقات صانع القرار الخليجي حين ترك مبارك ليفترسه الشارع! وكيف توارت بعض أجزاء المشهد قبل عامين! ببساطة لأن صانع القرار الخليجي لم ينظر للشيء المهم حقاً في الصورة والذي لم يكن سقوط الطاغية، بل وصول غريمهم حزب الإخوان المسلمين للسلطة. فماذا سيكون موقف دول الخليج لو استمرت تقلبات المشهد المصري كما في باكستان وعاد مرسي وهو عدو لهم بأثر رجعي رئيساً لمصر؟
{{ article.visit_count }}
لكنها «اتفقت» في برقيات التهنئة على أنها مع إرادة الشعب المصري، ولأنني لم أخترع أن وضع الكلمة بين قوسين يظهر التعجّب والاستطراف؛ فلن أتوسع في توضيح ما سبق منها، مرتدياً الصمت في هذا اليوم الرمضاني الفضيل لأحمل من شاء وزر النوايا.
الواقعية الميكافيلية برزت كمحدد للمواقف في الخليج، فالإخوان ومن يتعاطف معهم في صدمة من موقف العسكر والقضاء في القاهرة. وقد وصل الأمر بعميد كلية الشريعة في الكويت الدكتور الشيخ النشمي بالقول بضرورة تغلغل الإسلاميين بالعسكرية لحماية الثورات وفي القضاء لضمان نزاهته. كما انصب الغضب هنا على جماعات السلف واسعة الانتشار والدعم خليجياً فقد غدرت بالإخوان كما يقولون.
أما الطرف الآخر في الخليج؛ فلسان حاله الشامت يقول تجاه الإخوان «أبرك ساعة» وهؤلاء يضمون من له حسابات انتخابية محلية كمنافس للإخوان، أو حسابات سورية لموقف الاخوان ضد بشار، أو من له حسابات مذهبية أججها مقتل الشيخ حسن شحاتة. أما العمود الفقري فهو الحكومات الخليجية التي تعتبر الجماعة تهديدًا محتملاً لسلطاتها.
لم أشعر بالقشعريرة من بيان العسكر؛ لكنني شعرت بها ومرسي يرفض القرار. هذا ما دونته ليلة عزل مرسي، فقد أخذت الأزمة منحى تعبوياً وأتوقع تدهوراً درامياً عند امتداد الزمن العسكري للأزمة. حيث يمكننا الاستنتاج أن الإخوان المسلمين تعلموا فن الوصول للحكم في 80 عاماً، وهم في طور تعلم استراتيجيات البقاء، وقد بدأ ذلك حال سقوط مرسي .
ورغم أن أصعب ما يواجه الكاتب بالتعبير الكتابي هو تجنب تكرار مفردة معينه؛ إلا أنني وجدت أن امتداد الزمن العسكري للأزمة يضع على لساني كلمة «باكستان»، فكما حدث في مصر قبل أسبوع تبادل المدنيين والعسكر بإسلام أباد الأدوار، فحكم العسكر 30 سنة بانقلابات متفرقة ألغيت فيها نتائج الانتخابات وعطل الدستور متذرعين بالفساد وعدم كفاءة المدنيين وعدم قدرة القوى السياسية على تقديم نموذج للحكم الرشيد.
ولست من الإخوان فأنا أقف على نفس المسافة منهم ومن الماسونيين والإسماعيليين والسلفيين والرولنغ ستونز أيضاً، لكن الديمقراطية تشكل بعداً مقدساً في فكري فلم يعجبني ماحدث. وأغلب المحايدين مثلي يرون أن حكومة العسكر كانت أكثر سلفية من السلفيين الذين ساندوها، حيث توسعت في قاعدة سد الذرائع ووصلت لإغلاق القنوات التلفزيونية وحجز حريات رموز الإخوان كإجراء احترازي.
ومأساوية اللحظة الأشد كانت سقوط أول رئيس مصري منتخب منذ أخناتون ونجاح من ابتكر مجادلات زائفة في تضليل أكبر تجمع للبؤس البشري أمام قصر الاتحادية. ولعل مما قوى الموقف الخليجي نفاق الغرب بشكل صارخ، فحتى هذه اللحظة لم يعلق على أحداث مصر من يرى السيطرة على العسكر كشرط لازم للديمقراطية. وهو مركز جنيف للسيطرة المدنية على المؤسسات العسكريةGENEVA CENTRE FOR THE DEMOCRATIC CONTROL OF ARMED FORCES (DCAF).
إن الرجعية التحليلية المستترة قد حكمت موقف الخليج من تقلبات المشهد المصري، حيث أظهر سوء التقويم الاستراتيجي لمسار الربيع العربي القرار الخليجي وقد أثقلته تناقضاته. فالواقع يقول إن معظم الحكومات الخليجية حالياً مع العسكر أو ضد وصول الإخوان للسلطة على أقل تقدير. فكيف تجلت بهذا الوضوح الآن إخفاقات أكرر إخفاقات صانع القرار الخليجي حين ترك مبارك ليفترسه الشارع! وكيف توارت بعض أجزاء المشهد قبل عامين! ببساطة لأن صانع القرار الخليجي لم ينظر للشيء المهم حقاً في الصورة والذي لم يكن سقوط الطاغية، بل وصول غريمهم حزب الإخوان المسلمين للسلطة. فماذا سيكون موقف دول الخليج لو استمرت تقلبات المشهد المصري كما في باكستان وعاد مرسي وهو عدو لهم بأثر رجعي رئيساً لمصر؟