الصين دولة عملاقة تبلغ مساحتها 9.6 كيلومتر مربع، وعدد سكانها أكثر من 1.3 مليار نسمة، والاقتصاد الوطني أكثر من 10 تريليون دولار سنوياً، ومعدل نموها على مدى الثلاثين عاما الماضية في المتوسط 10% وان انخفض الى ما بين 7-8% في السنوات الأخيرة.
الصين دولة ديمقراطية، ليست مثل الديمقراطية الغربية، عبر صناديق الاقتراع المباشر، إنما هي ديمقراطية عبر آليات ديمقراطية أكثر فاعلية وفعالية، إنها ديمقراطية بمعنى ان الشعب هو صاحب القرار الفصل في مصيره، فإرادته هي الإرادة القوية النابعة من دولة قوية، بمعنى توافر عناصر القوة الشاملة الحقيقية للدولة وفي مقدمتها توفير الغذاء والكساء لكل مواطن، فمن لا يملك قوت يومه لا يملك إرادته، ومن لا يملك إرادته لا يستطيع أن يقرر مصيره، وإنما يقرره له من بيدهم القوة. والتي هي في المقام الأول ثلاثة انواع فهناك القوة العسكرية والأمنية التي توفر الدفاع للوطن وتحقق الأمن للمواطن، وهناك القوة الاقتصادية التي توفر للمواطن احتياجاته الأساسية، وهناك القوة الإبداعية والابتكارية التي تحقق له السير في معراج التقدم، وعناصر القوة هذه ومقوماتها هو ما تحققه قيادة الصين لشعبها ووطنها.
والحزب الشيوعي الصيني يمثل طليعة الشعب، وهو يعبر عن طموحات وتطلعات الشعب الصيني، وهو حزب اعتمد إيديولوجية صينية تختلف عن الإيديولوجية الماركسية اللينينية التي اعتمدها الحزب الشيوعي الروسي الذي ظل في السلطة حوالي سبعين عاما حقق خلالها انجازات، ولكن واجهته تحديات جمة لم يستطع التغلب عليها، فانهارت الدولة السوفيتية، وانهارت الكتلة السوفيتية في أوروبا الشرقية، لتتحول إلى حضن أوروبا الغربية، وانهارت الكتلة السوفيتية في آسيا الوسطى لتظهر دول غير متقدمة، بل هي اقرب للدول النامية، فأرتمت بعض تلك الدول في الحضن الأمريكي وتم إقامة بعض قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها.
لقد اختلف النهج الصيني عن النهج السوفيتي في الاعتماد على ثورة الفلاحين وليس ثورة العمال البرولتياريا، واعتمدت حرب العصابات طويلة الأمد بدلاً من الانقلاب العسكري أو شبه العسكري. لقد رجع ماوتسي تونج لكتابات الاستراتيجي الصيني العملاق صن تزو كما يتجلى ذلك في كتاباته العسكرية، كما رجع لتراث الصين الحضاري في مقاومة الطغيان عبر ثورات الفلاحين وتطوير ما أسماه الثقافة الجديدة عام 1938.
ولكنه أخطأ في بعض الممارسات، وخاصة توجهه لإحداث انقلاب داخلي ضد كافة المعايير والتقاليد الصينية، ووقع في فخ المثاليات، فأطاح بالقيادات المعتدلة في حزبه، وطلب من الجميع العودة للحقول والمصانع للتعلم من العمال والفلاحين، وعطل الدراسة في المدارس والجامعات، فتوقف الإنتاج، وتراجع التطور العلمي، وضعف تماسك الحزب والدولة، وعاشت الصين ردحا من الزمن في إطار من التخلف الاقتصادي والمعرفي، ولكن قوة الصين الكامنة إعادة لها عقلانيتها في منهج دنج سياوبنج بانطلاقة سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978 ومن ثم تحقق ما أطلق عليه المعجزة الصينية. ويتساءل كثيرون عن ركائز هذه المعجزة وما هو سر نجاحها؟
إن إعادة قراءة التطور السياسي والاقتصادي الصيني توضح لنا مجموعة من الحقائق.
الأولى: إن زيارة المتحف الصيني تعبر بالإنسان عصور التاريخ الصيني منذ القدم حتى المرحلة الراهنة في ظل الأجيال المتعاقبة للقيادة الصينية وانجازاتها، وأيضا الصعوبات والتحديات التي واجهتها عبر السنين، ولكن الحكمة الكامنة في الثقافة والحضارة والتراث الصيني هي التي حققت للشعب التمسك بصلابة بتحرير الصين من الغزاة والاعتداءات الأجنبية إقليمياً ضد اليابان، ودولياً ضد الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وقد سجلت الصين في المتحف الوطني هذه الإنجازات، وتلك التحديات، بكل وضوح، ولذلك فإن زيارة هذا المتحف الوطني ومتحف نانجين وغيره يجد سجلاً لتاريخ الصين، ومن ثم يدرك أحد ركائز الحضارة القديمة، وأحد أعمدة القوة الكامنة والدافعة لتحقيق المعجزة الصينية الحديثة .
الثانية: إن أي تقدم لابد أن يعتمد على رؤية وعلى قيادة وعلى كوادر، والرؤية من الضروري أن تكون مرنة قادرة على التعامل مع المتغيرات، ومن هنا فان الطابع البراجماتي للصين تاريخيا وحضاريا ساعدها على أن تكون رؤيتها أكثر وضوحاً، وأكثر مرونة، فالحزب الشيوعي الصيني قام ضد الإقطاع وضد الاستعمار، ولكنه تحالف مرحليا مع حزب الكومنتانج الذي عبر عن الصين في مرحلة الإقطاع وحقق التحالف إغراضه بمقاومة العدو الخارجي، وخاصة اليابان، واكسب الحزب الشيوعي خبرة في تجارب النضال، حتى جاء وقت وصوله للسلطة فكسب جولة الحرب الأهلية، وأعلن قيام الصين الشيوعية عام 1949 ثم عمل في إطار توافقي بينه وبين الأحزاب الوطنية الثمانية التي تعاونت معه ضد خصومه وخصوم الوطن برؤية عقلانية معتدلة.
الكوادر تتمرس وتتدرب وتتعلم في مدرسة الحزب والتي أطلق عليه مدرسة القيادات وهي تقدم معارف متنوعة حيث يتثقف المشاركون في المعرفة الماركسية، وفي تاريخ الصين العريق، وحضارتها العظيمة، كما تتعلم المشاركون التكنولوجيا والمعرفة الحديثة، ويمكن أن نشير هنا إلى كتابات الخبير الدولي في الصين ادجار سنو الذي تعامل مع قيادات الصين عن قرب، خاصة مع ماوتسي تونج في اوج تألقه كزعيم ومؤسس لمراحل نضالها الثوري، وما كتبه البروفسور لوسيان باي Lucian Pye عن روح الصين لقد عبر ماوتسي تونج ورفاقه عن تلك الروح الصينية كما عبر خبير الصين الحديثة Martin Jacques في كتابه «عندما تحكم الصين العالم» الذي عبر عن القوة الصينية الصاعدة وتحولت مقولته من افتراض أكاديمي إلى واقع شبه عملي، ولكن الصين تحكم بالقوة الناعمة وليس بالقوة الصلبة، إن هذا الكتاب يذكرنا في العالم العربي، خاصة في مصر، بكتابات المفكر والأكاديمي الفرنسي المستشرق جاك بيرك عن مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين، واعتماده على حضارتها وخصائصها وتطورها الحديث في تحليله لعملية التطورهذه، مع فارق بين حالتي مصر والصين في استمرارية القيادة والكوادر، ومن ثم استمرارية التقدم. والفارق الثاني بين الصين وحضارات الشرق الأوسط العربية والإسلامية، إننا في منطقتنا نعتمد شعر الفخر والهجاء، الفخر بأجدادنا وأسلافنا وهجاء أعدائنا، ومن ثم نقع في المبالغة والغرور، ونعيش عصر المعلقات وامرؤ القيس والمتنبي وصدام حسين وغيرهم.
الصين دولة ديمقراطية، ليست مثل الديمقراطية الغربية، عبر صناديق الاقتراع المباشر، إنما هي ديمقراطية عبر آليات ديمقراطية أكثر فاعلية وفعالية، إنها ديمقراطية بمعنى ان الشعب هو صاحب القرار الفصل في مصيره، فإرادته هي الإرادة القوية النابعة من دولة قوية، بمعنى توافر عناصر القوة الشاملة الحقيقية للدولة وفي مقدمتها توفير الغذاء والكساء لكل مواطن، فمن لا يملك قوت يومه لا يملك إرادته، ومن لا يملك إرادته لا يستطيع أن يقرر مصيره، وإنما يقرره له من بيدهم القوة. والتي هي في المقام الأول ثلاثة انواع فهناك القوة العسكرية والأمنية التي توفر الدفاع للوطن وتحقق الأمن للمواطن، وهناك القوة الاقتصادية التي توفر للمواطن احتياجاته الأساسية، وهناك القوة الإبداعية والابتكارية التي تحقق له السير في معراج التقدم، وعناصر القوة هذه ومقوماتها هو ما تحققه قيادة الصين لشعبها ووطنها.
والحزب الشيوعي الصيني يمثل طليعة الشعب، وهو يعبر عن طموحات وتطلعات الشعب الصيني، وهو حزب اعتمد إيديولوجية صينية تختلف عن الإيديولوجية الماركسية اللينينية التي اعتمدها الحزب الشيوعي الروسي الذي ظل في السلطة حوالي سبعين عاما حقق خلالها انجازات، ولكن واجهته تحديات جمة لم يستطع التغلب عليها، فانهارت الدولة السوفيتية، وانهارت الكتلة السوفيتية في أوروبا الشرقية، لتتحول إلى حضن أوروبا الغربية، وانهارت الكتلة السوفيتية في آسيا الوسطى لتظهر دول غير متقدمة، بل هي اقرب للدول النامية، فأرتمت بعض تلك الدول في الحضن الأمريكي وتم إقامة بعض قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها.
لقد اختلف النهج الصيني عن النهج السوفيتي في الاعتماد على ثورة الفلاحين وليس ثورة العمال البرولتياريا، واعتمدت حرب العصابات طويلة الأمد بدلاً من الانقلاب العسكري أو شبه العسكري. لقد رجع ماوتسي تونج لكتابات الاستراتيجي الصيني العملاق صن تزو كما يتجلى ذلك في كتاباته العسكرية، كما رجع لتراث الصين الحضاري في مقاومة الطغيان عبر ثورات الفلاحين وتطوير ما أسماه الثقافة الجديدة عام 1938.
ولكنه أخطأ في بعض الممارسات، وخاصة توجهه لإحداث انقلاب داخلي ضد كافة المعايير والتقاليد الصينية، ووقع في فخ المثاليات، فأطاح بالقيادات المعتدلة في حزبه، وطلب من الجميع العودة للحقول والمصانع للتعلم من العمال والفلاحين، وعطل الدراسة في المدارس والجامعات، فتوقف الإنتاج، وتراجع التطور العلمي، وضعف تماسك الحزب والدولة، وعاشت الصين ردحا من الزمن في إطار من التخلف الاقتصادي والمعرفي، ولكن قوة الصين الكامنة إعادة لها عقلانيتها في منهج دنج سياوبنج بانطلاقة سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978 ومن ثم تحقق ما أطلق عليه المعجزة الصينية. ويتساءل كثيرون عن ركائز هذه المعجزة وما هو سر نجاحها؟
إن إعادة قراءة التطور السياسي والاقتصادي الصيني توضح لنا مجموعة من الحقائق.
الأولى: إن زيارة المتحف الصيني تعبر بالإنسان عصور التاريخ الصيني منذ القدم حتى المرحلة الراهنة في ظل الأجيال المتعاقبة للقيادة الصينية وانجازاتها، وأيضا الصعوبات والتحديات التي واجهتها عبر السنين، ولكن الحكمة الكامنة في الثقافة والحضارة والتراث الصيني هي التي حققت للشعب التمسك بصلابة بتحرير الصين من الغزاة والاعتداءات الأجنبية إقليمياً ضد اليابان، ودولياً ضد الدول الأوروبية والولايات المتحدة. وقد سجلت الصين في المتحف الوطني هذه الإنجازات، وتلك التحديات، بكل وضوح، ولذلك فإن زيارة هذا المتحف الوطني ومتحف نانجين وغيره يجد سجلاً لتاريخ الصين، ومن ثم يدرك أحد ركائز الحضارة القديمة، وأحد أعمدة القوة الكامنة والدافعة لتحقيق المعجزة الصينية الحديثة .
الثانية: إن أي تقدم لابد أن يعتمد على رؤية وعلى قيادة وعلى كوادر، والرؤية من الضروري أن تكون مرنة قادرة على التعامل مع المتغيرات، ومن هنا فان الطابع البراجماتي للصين تاريخيا وحضاريا ساعدها على أن تكون رؤيتها أكثر وضوحاً، وأكثر مرونة، فالحزب الشيوعي الصيني قام ضد الإقطاع وضد الاستعمار، ولكنه تحالف مرحليا مع حزب الكومنتانج الذي عبر عن الصين في مرحلة الإقطاع وحقق التحالف إغراضه بمقاومة العدو الخارجي، وخاصة اليابان، واكسب الحزب الشيوعي خبرة في تجارب النضال، حتى جاء وقت وصوله للسلطة فكسب جولة الحرب الأهلية، وأعلن قيام الصين الشيوعية عام 1949 ثم عمل في إطار توافقي بينه وبين الأحزاب الوطنية الثمانية التي تعاونت معه ضد خصومه وخصوم الوطن برؤية عقلانية معتدلة.
الكوادر تتمرس وتتدرب وتتعلم في مدرسة الحزب والتي أطلق عليه مدرسة القيادات وهي تقدم معارف متنوعة حيث يتثقف المشاركون في المعرفة الماركسية، وفي تاريخ الصين العريق، وحضارتها العظيمة، كما تتعلم المشاركون التكنولوجيا والمعرفة الحديثة، ويمكن أن نشير هنا إلى كتابات الخبير الدولي في الصين ادجار سنو الذي تعامل مع قيادات الصين عن قرب، خاصة مع ماوتسي تونج في اوج تألقه كزعيم ومؤسس لمراحل نضالها الثوري، وما كتبه البروفسور لوسيان باي Lucian Pye عن روح الصين لقد عبر ماوتسي تونج ورفاقه عن تلك الروح الصينية كما عبر خبير الصين الحديثة Martin Jacques في كتابه «عندما تحكم الصين العالم» الذي عبر عن القوة الصينية الصاعدة وتحولت مقولته من افتراض أكاديمي إلى واقع شبه عملي، ولكن الصين تحكم بالقوة الناعمة وليس بالقوة الصلبة، إن هذا الكتاب يذكرنا في العالم العربي، خاصة في مصر، بكتابات المفكر والأكاديمي الفرنسي المستشرق جاك بيرك عن مصر في القرنين التاسع عشر والعشرين، واعتماده على حضارتها وخصائصها وتطورها الحديث في تحليله لعملية التطورهذه، مع فارق بين حالتي مصر والصين في استمرارية القيادة والكوادر، ومن ثم استمرارية التقدم. والفارق الثاني بين الصين وحضارات الشرق الأوسط العربية والإسلامية، إننا في منطقتنا نعتمد شعر الفخر والهجاء، الفخر بأجدادنا وأسلافنا وهجاء أعدائنا، ومن ثم نقع في المبالغة والغرور، ونعيش عصر المعلقات وامرؤ القيس والمتنبي وصدام حسين وغيرهم.