كل عام وأنتم بألف خير ومتباركين بشهر الصيام، وجمعة مباركة لأهل البحرين الأعزاء خصوصاً وللشعوب العربية والإسلامية عموماً. في هذا اليوم تحديداً لا نستطيع إلا أن نرفع أيدينا بالدعاء لهذا الوطن العزيز وأهله الكرام بأن يلطف الله بنا جميعاً، وأن يوصلنا إلى رحمته ورضوانه.. آمين.
إن شهر رمضان المبارك يعتبر من الشهور المميزة عند الله سبحانه وتعالى، كما إنه مميز عند عباده، لهذا فإن شهر رمضان يعني للكثيرين من الناس، خصوصاً هنا في البحرين، فرصة للحب والتعايش والتسامح والمودة والرحمة، وفرصة كبرى لنشر الجمال والخير والفضيلة واحترام القيم والمبادئ والفضائل، وكل ما يتعلق بجوهر روح الإنسان وكرامته، هذا ما عرفناه عن الشهر الفضيل وهذا الذي نشأنا عليه في هذا الوطن.
في رمضان ومنذ القدم في البحرين وربما في سائر الدول الإسلامية، يتحول الإنسان المسلم إلى كائن مختلف، حيث يرمي وراء ظهره كل الأثقال من الأحقاد والكراهيات والمآثم التي تتعلق بحقوق العباد، فيبدأ في فتح صفحة جديدة من مسيرته نحو الله تعالى ونحو عباده من البشر، وتتحول الأيام والساعات والدقائق إلى أزمنة تتقاطر حباً وسلاماً، وهذا ما يميز رمضان عن بقية الشهور الأخرى، كما يميز الرمضانيون عن غيرهم.
لست مرشداً روحياً ولا واعظاً ولا فقيهاً دينياً، لكني أتلمس من وحي الشعور بعض ما يمكن أن يقال عن خلاصة شهر رمضان وفوائده، فالإنسان يترقب بكل شغف أن يتوقف متأملاً في محطات زمنية مهمة في حياته، ليعيد ممارسة النقد الذاتي والاجتماعي لشخصه ولمجتمعه، وليست هناك محطة للتأمل ونقد الذات أرقى من شهر رمضان، فهذه الفرصة الذهبية العظمى تأتي مرة واحدة كل عام، لهذا يجب استثمارها لصالح الإنسان وبناء الأوطان.
يجب أن ننزع الكراهية من أنفسنا انتزاعاً، ويجب أن نقف بهدوء تام لتنظيم سلوكياتنا التي عصفت بها الأهواء السياسية والحزبية تجاه بعضنا البعض، وأن نقيم سلسلة قيمنا الأخلاقية ومبادئنا الفكرية عبر استيعاب الآخرين، خصوصاً لمن هم شركاء معنا في الوطن.
إن شهر الله صمم بطريقة خاصة للإنسان المسلم من أجل إعادته إلى الطريق الصحيح، وذلك بعد أن يخرج مرغماً أو بقصد عن الجادة، كما إن رمضان يعتبر المحطة الهادئة التي يزن فيها الإنسان أعماله وأفكاره، ليتواصل مع الآخرين بطريقة راقية وحضارية.
رمضان المبارك فرصة لنا جميعاً في البحرين أن نقف مستلهمين وواثقين لإعادة الوضع إلى ما كان عليه، سواء على الصعيد الشخصي أو المجتمعي أو السياسي أو على كافة الأصعدة الأخرى، وأن يكون رمضان فرصة للتقارب بين النفوس، كما يجب علينا أن نخوض معركة التصحيح مع الذات قبل أن تكون معركة الفناء ضد من نختلف معهم في تفاصيل يكمن الشيطان من خلالها، وهذه هي الفائدة الحقيقية من فلسفة الصوم، قبل أن يكون امتناعاً ساذجاً عن الأكل والشرب.
لا يمكن ونحن نتحدث عن شهر الله، إلا أن نرفع أيدينا إليه بالدعاء لندعوه سبحانه وتعالى «اللهم تقبل منا أعمالنا، وجنبنا الفتن، ووفقنا لما تحب وترضى، واجمع كلمتنا على الخير والحب والصلاح... آمين».