لطالما شكونا من تسييس المنبر الشيعي في البحرين، وطالبنا بتحييد مساجد الشيعة عن الصراعات السياسية في البحرين وخارجها، ولطالما رفضنا الحجج التي تبرر انجراف المنبر الشيعي إلى الخطاب السياسي المتمثلة في أن المذهب الشيعي مذهب سياسي من حيث المنشأ ويقوم على ردة الفعل السياسية تجاه أحداث المسلمين؛ إذ إن هذه الحجج ستبرر الكثير من السلوكيات المرفوضة التي تعطي مساجد الشيعة خصوصية تخالف بها قوانين الدولة وتتجاوز فيها على شركاء الوطن؛ كما يحصل في مسيرات عاشوراء وكما حصل في قضية مكبرات الصوت. وبالمعايير ذاتها، وكي لا نكيل بمكيالين، فإننا نرفض انجراف بعض مساجد أهل السنة في البحرين خلف الخطابات السياسية واستقطابات الجمعيات السياسية التي زادت في المرحلة الأخيرة. فثمة من يتخذ المساجد ثكنة لدعم الجيش السوري الحر، يدعو له في الصلوات ويجمع التبرعات لصالحه ويجاهر بالدعوة لتجهيز غزاته من أموال البحرينيين ويعمل على تجنيد شبابها للقتال في سوريا ضد الجيش السوري. وحقيقة الأمر أن الجيش الحر هو فصيل سياسي معارض للنظام السوري، وقد انكشفت العديد من المعلومات حول عناصره الغفيرة غير السورية وعن علاقاته بأمريكا وإسرائيل ودول الإقليم، وظهرت للعلن بعض مصادر دعمه بالسلاح، وانتشرت الأفلام المرعبة التي صورتها جبهة النصرة وعملت على ترويجها بنفسها، وهي أفلام تبين السلوك المنحرف في تطبيقها للشريعة في المناطق التي تخضع لنفوذها، وعليه فإن الجيش الحر ليس جيشاً مقدساً يخوض معركة مقدسة تجمع عليها الأمة، بل هو فصيل سياسي يخوض صراعاً أيديولوجياً من أجل الحكم ويختلف معه قطاع كبير من الشعوب العربية؛ لذلك ليس من حق أي فئة أو جمعية خيرية أو سياسية مهيمنة على بعض مساجد أهل السنة أن تقحم مسألة دعم الجيش الحر في أنشطة المساجد وأن تفرض توجهاتها ورؤيتها على المصلين ورواد تلك المساجد، واستدرك بأننا مع جمع الأموال والتبرعات لصالح اللاجئين السوريين ولصالح علاج مرضاهم ومصابيهم ولصالح تعليم أبنائهم، لكننا نختلف مع دعم الجيش الحر عسكرياً انطلاقاً من المساجد وجمع الأموال لتشييد الدويلات الصغيرة التي يشكلها في أنحاء سوريا والتي تتعرض للقصف مراراً في أتون الحرب الدائرة للاستيلاء على الحكم في سوريا.
وفي الأيام التي تلت ثورة 30 يونيه في مصر انتشرت ظاهرة الدعاء للرئيس المصري السابق محمد مرسي، فخصصت العديد من المساجد دعاء القنوت لطلب النصرة للدكتور مرسي على أعدائه أعداء الدين وتمكينه هو وإخوانه تمكيناً للدين ورفعة لكلمة الحق!!. والدكتور محمد مرسي يمثل حزباً سياسياً له أيديولوجيته ومشروعه الخاص، وملابسات عزله وقعت في ظروف سياسية خاصة باستكمال أهداف ثورة 25 يناير المصرية وتعثر مسارها واختلاف الفصائل السياسية الأخرى مع سياسات الدكتور مرسي. ولم يكن عزله حدثاً دينياً أو انتهاكاً لإحدى المقدسات الإسلامية المجمع عليها!!. لذلك فليس من حق أي فئة تهيمن على بعض مساجد البحرين أن تفرض رؤيتها السياسية وأن توجه المصلين للتأميم على دعاء يخص انتماءاتها السياسية ويخوض في صراعات لا ناقة ولا جمل لنا فيها!!.
المشكلة الرئيسة التي تعاني منها مساجد البحرين، السنية منها والشيعية، هي أنها تخضع بشكل علني لهيمنة جمعيات خيرية معروفة هي في حد ذاتها أذرع دينية لجمعيات سياسية معروفة أيضاً، وهذا سبب تصاعد الخطاب السياسي في مساجد البحرين وسبب إقحام الجدل والخلاف السياسي في خطب المساجد وفي دعاء القنوت وفي أنشطة المساجد ومجالات جمع أموال البحرينيين. وهو ما يتعارض مع وظيفة المسجد في الإسلام ومع سمات الخطاب الديني الذي هو في حقيقة الأمر خطاب روحي جامع لفئات المسلمين ومتسامح مع اختلافاتهم، على عكس الخطاب السياسي الذي هو خطاب بارغماتي يشتت ويفرق الناس حسب انتماءاتهم ويثير العصبيات والنعرات سعياً لحصد مكاسب سياسية تتعلق بالوصول إلى السلطة.
إننا نطالب وزارة العدل والشؤون الإسلامية بأن تدرس قضية هيمنة الجمعيات السياسية وأذرعها على مساجد البحرين، وأن تعمل على تحييد خطب المساجد وأنشطتها من التوجيهات السياسية والتعبير عن الانتماءات الخاصة، فمساجد البحرين لجميع البحرينيين ولذكر الله وتعظيمه وليست ثكنات عسكرية أو مكاتب سياسية.
وكل عام وأنتم بخير