نتفهم جداً انفعال النواب وغضبهم هذه الأيام لأنهم موقع اتهام من قبل الرأي العام لعدم تحركهم السريع من أجل محاسبة الحكومة على التجاوزات المالية والإدارية التي ظهرت في تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير في ظل الاستياء الشعبي العام على ما جاء فيه، وتكرار مثل هذه التجاوزات التي ترصد سنوياً، واللافت أن اتجاهها في ازدياد وليس تراجعاً.
أكثر المتضررين من الضجة التي تحدث بسبب نشر تفاصيل تقرير ديوان الرقابة المالية هم أعضاء السلطة التشريعية، وتحديداً النواب الذين يجدون أنفسهم في حيرة بين كم هائل من التجاوزات في القطاع العام، وبين الرأي العام الذي يطالب بالتشدد ومحاسبة ومساءلة المتورطين في هذه التجاوزات وإن تطلب ذلك إحالة بعضهم إلى النيابة العامة لتقوم بما هو مطلوب منها.
بالأمس ظهر تلويح برلماني باستعداد الكتل النيابية لاستجواب وزراء. هذه الأدوات الدستورية من حق النواب، ومكفولة لهم، ومن حقهم استخدامها متى ما رأوا أن ذلك مناسب.
هذا التلويح تقليدي واعتدنا عليه منذ عشر سنوات، مجرد تلويحات وجعجعة لا أكثر وظهور إعلامي لا أكثر. لذلك لا أعتقد أن هذا هو الحل، فاستجواب بعض الوزراء، لن يحل المشكلة لسبب بسيط، فالنواب لا ينظرون تماماً لقضية تجاوزات تقرير ديوان الرقابة المالية بأنها مشكلة عامة تتعلق بطبيعة تركيبة الحكومة وحاجتها للتحديث، بل ينظرون إلى القضية على أنها مرتبطة بأشخاص فقط. لذلك فإن استجواب هذا الوزير أو ذاك المسؤول وحتى إقالته من منصبه لن تعالج المشكلة نهائياً، حيث من الممكن أن يأتي مسؤول آخر جديد ويتورط بمثل هذه التجاوزات مرة أخرى.
المسألة في وجود نظام سائد حالياً في القطاع العام يساعد على التجاوزات، ولا يساعد على مساءلة ومحاسبة المتجاوزين. فالاعتقاد بأن إصلاح الأشخاص هو المدخل لمعالجة المشكلة خطأ، لأن الحاجة لإصلاح الأشخاص وإصلاح النظام الحكومي برمته. فليس منطقياً استمرار مثل هذه التجاوزات عاماً بعد آخر، وتكرارها من نفس الوزارات والمؤسســات الحكوميـــة دون رقابـــة أو محاسبة حقيقية.
ما يجري اليوم من تحركات على كافة المستويات في البرلمان أو السلطة التنفيذية أو حتى على صعيد الرأي العام هي مجرد خطوات لامتصاص الغضب الشعبي، ومن ثم استهلاكها إعلامياً ولن تنتهي بنتيجة، وهذا ما تعلمناه طوال السنوات العشر الماضية، وهي بلاشك خطوة خطيرة لأنها تفقد الرأي العام مصداقيته تجاه الحكومة وتجاه البرلمان وتجاه الدولة وهي الأخطر.