قانون المناقصات والمزايدات الصادر عام 2002 والمعدل عام 2010، هذا القانون ومعه لائحته التنفيذية جيد من الناحية النظرية، لكنه ليس كذلك في الواقع العملي والملموس.
نطاق سريان القانون المذكور يشمل: جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة والبلديات والجهات الحكومية التي لها موازنات مستقلة وملحقة، وكذلك الشركات المملوكة بالكامل للدولة، ومجلسي الشورى والنواب، لكن كل تقارير ديوان الرقابة المالية التي صدرت على مدار العشر سنوات الأخيرة حملت إلينا انتهاكات وزارات لم تتقيد بنصوص هذا القانون.
من بينها وزارة على الأقل دأبت على تكرار نفس الانتهاك كل عام دون أن يتخذ ضدها أي إجراء أو رادع لا من قبل مجلس المناقصات ولا من الحكومة، وهو انتهاك يتمثل في اختيار شركات ودفع مبالغ مقدماً دون مناقصة وعلم وموافقة المجلس.
وبالتالي فمجلس المناقصات المنوط به تنفيذ القانون والإشراف عليه ومتابعته مطلوب منه أن يكون أكثر جدية وصرامة في عمله، وكذلك التأكيد عملياً على أنه هو المرجعية النهائية لمتابعة سير المناقصة قبل وبعد ترسيتها، والتأكد من تقيد الجهات المتصرفة -الشركات طالبة المناقصة- بالتزاماتها القانونية.
فالمعروف أن المجلس يختار الشركة الفائزة بالمناقصة على اعتبار أن العطاء الذي تقدمت به هو الأقل سعراً، وأن معيار السعر هو الذي يجتمع المجلس من أجله، وتتحدد به نتيجة اجتماعه واختياره للعطاء الفائز.
وهذا يحدث «أو يجب أن يحدث» لأن القانون يفترض أن يتم مسبقاً تأهيل الجهات المشاركة في المناقصة من النواحي الفنية والمالية، وأن أوراق المناقصة أيضاً تشرح هذا التأهيل وتؤكد عليه.
غير أن القانون يعتبر السعر الأقل عاملاً أساسياً في اختيار العطاء الفائز، ويسمح للجهة المتصرفة بعدم الالتزام بالسعر الأقل -بعد ترسية المناقصة- إذا أخفق العطاء الفائز في الإيفاء أو الفوز بالمتطلبات الفنية والمالية.
وهذه الثغرة التي يفتحها قانون المناقصات تعطي الجهات المتصرفة الفرصة للتلاعب والتحايل وتغيير نتيجة المناقصة وحتى إلغائها بالمرة إذا ما جاءت نتيجتها على غير هواها ومرادها ومصلحة المتنفذين فيها.
وبعبارات أخرى، فالجهات المتصرفة غالباً ما تستغل عبارة «إن السعر الأقل ليس المعيار للفوز بالمناقصة» في تأخير اختيار العطاء الفائز لمدة غير محددة قد تصل سنة وأحياناً سنوات، تبحث فيها الجهة المتصرفة عن ذريعة تمكنها من ترسية المناقصة على شركة أخرى غير تلك التي تقدمت بالسعر الأقل. وهي تفعل ذلك بصمت ودون اللجوء إلى المخاطبات المكتوبة خوفاً من حصول الجهة الفائزة بالسعر الأقل على دليل يثبت مخالفتها للقانون.
وفي إطار هذا الاستغلال لعبارة السعر الأقل لا يعني الفوز بالمناقصة، تلجأ الجهة المتصرفة إلى إجراء اتصالات انتقائية بالشركات التي تقدمت بعطاءاتها في المناقصة بهدف مناقشتها في العوامل الفنية والمالية، مع الحرص على عدم شمول هذه الاتصالات للشركة صاحبة العطاء الفائزة بالسعر الأقل.
ومع أن قانون المناقصات يشير في إحدى مواده إلى أن المناقصة التي تدعى لها شركات محلية وخارجية تحرر أوراقها ووثائقها باللغتين العربية والإنجليزية، مما يعني أن اللغة العربية هي التي تستعمل وحدها في المناقصات المحلية، فإننا نلاحظ أنه لا الوزارات ولا الهيئات ولا الشركات الحكومية تتعامل في أوراق مناقصاتها باللغة العربية، وكأن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للدولة حتى بالنسبة للجهات التي تتعامل وتخدم البحرينيين فقط كهيئة صندوق العمل «تمكين» على سبيل المثال. وخلاصة الأمر إن هناك جهات متصرفة ترغب مقدماً في ترسية مناقصاتها على شركات بعينها لأسباب ترتبط بالمصلحة أو المعرفة مستغلة واحدة من الثغرات الموجودة في القانون أو في تنفيذه لتحقيق غرضها هذا، والأمثلة على ذلك كثيرة أذكر منها فقط ما يلي:
- شركة حكومية كبيرة طرحت مناقصة محدودة، وأدخلت فيها جهة غير معنية ولا مختصة بالمشروع، ولما فازت شركة أخرى بالسعر الأقل والوحيد ساومتها بتخفيض السعر، ثم وبعد 10 أشهر من المماطلة أبلغتها شفوياً بإلغاء المناقصة دون إبداء الأسباب ودون معرفة مجلس المناقصات بالموضوع.
- هيئة حكومية طرحت مناقصة عامة من خلال مجلس المناقصات فازت بها شركة محلية مختصة بأفضل سعر، ولأن الهيئة المذكورة تريد أن تفوز شركة أخرى فإنها جمدت إعلان الفائز بالمناقصة سنة واحدة دون إشعار المجلس بالأسباب وأخذ موافقته حسب نص القانون.
-شركة كبيرة فازت بمناقصة وبمعيار السعر الأفضل والأهلية الفنية والمالية، غير أن الجهة المتصرفة اختارت شركة أخرى قدمت سعراً أعلى بكثير من الأولى، وتتمتع بنفوذ يعلو على نفوذ المجلس ذاته. فهل تتصدى أي جهة في الدولة لثغرات قانون ومجلس المناقصات، وشبهات فسادهما...؟
{{ article.visit_count }}
نطاق سريان القانون المذكور يشمل: جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات العامة والبلديات والجهات الحكومية التي لها موازنات مستقلة وملحقة، وكذلك الشركات المملوكة بالكامل للدولة، ومجلسي الشورى والنواب، لكن كل تقارير ديوان الرقابة المالية التي صدرت على مدار العشر سنوات الأخيرة حملت إلينا انتهاكات وزارات لم تتقيد بنصوص هذا القانون.
من بينها وزارة على الأقل دأبت على تكرار نفس الانتهاك كل عام دون أن يتخذ ضدها أي إجراء أو رادع لا من قبل مجلس المناقصات ولا من الحكومة، وهو انتهاك يتمثل في اختيار شركات ودفع مبالغ مقدماً دون مناقصة وعلم وموافقة المجلس.
وبالتالي فمجلس المناقصات المنوط به تنفيذ القانون والإشراف عليه ومتابعته مطلوب منه أن يكون أكثر جدية وصرامة في عمله، وكذلك التأكيد عملياً على أنه هو المرجعية النهائية لمتابعة سير المناقصة قبل وبعد ترسيتها، والتأكد من تقيد الجهات المتصرفة -الشركات طالبة المناقصة- بالتزاماتها القانونية.
فالمعروف أن المجلس يختار الشركة الفائزة بالمناقصة على اعتبار أن العطاء الذي تقدمت به هو الأقل سعراً، وأن معيار السعر هو الذي يجتمع المجلس من أجله، وتتحدد به نتيجة اجتماعه واختياره للعطاء الفائز.
وهذا يحدث «أو يجب أن يحدث» لأن القانون يفترض أن يتم مسبقاً تأهيل الجهات المشاركة في المناقصة من النواحي الفنية والمالية، وأن أوراق المناقصة أيضاً تشرح هذا التأهيل وتؤكد عليه.
غير أن القانون يعتبر السعر الأقل عاملاً أساسياً في اختيار العطاء الفائز، ويسمح للجهة المتصرفة بعدم الالتزام بالسعر الأقل -بعد ترسية المناقصة- إذا أخفق العطاء الفائز في الإيفاء أو الفوز بالمتطلبات الفنية والمالية.
وهذه الثغرة التي يفتحها قانون المناقصات تعطي الجهات المتصرفة الفرصة للتلاعب والتحايل وتغيير نتيجة المناقصة وحتى إلغائها بالمرة إذا ما جاءت نتيجتها على غير هواها ومرادها ومصلحة المتنفذين فيها.
وبعبارات أخرى، فالجهات المتصرفة غالباً ما تستغل عبارة «إن السعر الأقل ليس المعيار للفوز بالمناقصة» في تأخير اختيار العطاء الفائز لمدة غير محددة قد تصل سنة وأحياناً سنوات، تبحث فيها الجهة المتصرفة عن ذريعة تمكنها من ترسية المناقصة على شركة أخرى غير تلك التي تقدمت بالسعر الأقل. وهي تفعل ذلك بصمت ودون اللجوء إلى المخاطبات المكتوبة خوفاً من حصول الجهة الفائزة بالسعر الأقل على دليل يثبت مخالفتها للقانون.
وفي إطار هذا الاستغلال لعبارة السعر الأقل لا يعني الفوز بالمناقصة، تلجأ الجهة المتصرفة إلى إجراء اتصالات انتقائية بالشركات التي تقدمت بعطاءاتها في المناقصة بهدف مناقشتها في العوامل الفنية والمالية، مع الحرص على عدم شمول هذه الاتصالات للشركة صاحبة العطاء الفائزة بالسعر الأقل.
ومع أن قانون المناقصات يشير في إحدى مواده إلى أن المناقصة التي تدعى لها شركات محلية وخارجية تحرر أوراقها ووثائقها باللغتين العربية والإنجليزية، مما يعني أن اللغة العربية هي التي تستعمل وحدها في المناقصات المحلية، فإننا نلاحظ أنه لا الوزارات ولا الهيئات ولا الشركات الحكومية تتعامل في أوراق مناقصاتها باللغة العربية، وكأن اللغة الإنجليزية هي اللغة الرسمية للدولة حتى بالنسبة للجهات التي تتعامل وتخدم البحرينيين فقط كهيئة صندوق العمل «تمكين» على سبيل المثال. وخلاصة الأمر إن هناك جهات متصرفة ترغب مقدماً في ترسية مناقصاتها على شركات بعينها لأسباب ترتبط بالمصلحة أو المعرفة مستغلة واحدة من الثغرات الموجودة في القانون أو في تنفيذه لتحقيق غرضها هذا، والأمثلة على ذلك كثيرة أذكر منها فقط ما يلي:
- شركة حكومية كبيرة طرحت مناقصة محدودة، وأدخلت فيها جهة غير معنية ولا مختصة بالمشروع، ولما فازت شركة أخرى بالسعر الأقل والوحيد ساومتها بتخفيض السعر، ثم وبعد 10 أشهر من المماطلة أبلغتها شفوياً بإلغاء المناقصة دون إبداء الأسباب ودون معرفة مجلس المناقصات بالموضوع.
- هيئة حكومية طرحت مناقصة عامة من خلال مجلس المناقصات فازت بها شركة محلية مختصة بأفضل سعر، ولأن الهيئة المذكورة تريد أن تفوز شركة أخرى فإنها جمدت إعلان الفائز بالمناقصة سنة واحدة دون إشعار المجلس بالأسباب وأخذ موافقته حسب نص القانون.
-شركة كبيرة فازت بمناقصة وبمعيار السعر الأفضل والأهلية الفنية والمالية، غير أن الجهة المتصرفة اختارت شركة أخرى قدمت سعراً أعلى بكثير من الأولى، وتتمتع بنفوذ يعلو على نفوذ المجلس ذاته. فهل تتصدى أي جهة في الدولة لثغرات قانون ومجلس المناقصات، وشبهات فسادهما...؟