إن منهــج تركيـــز العلاقـــات القانونيــــة ذات الطابع الدولي هو المنهج الأكثر شيوعاً في مختلف النظم القانونية لحسم منازعات الحياة الخاصة الدولية، ويتم إعمال هذا المنهج عن طريق مجموعة من القواعد التي يطلق عليها قواعد تنازع القوانين (أو قواعد الإسناد) وهى القواعد التي تقوم، وعن طريق تركيز العلاقات القانونية، بتحديد القانون الواجب التطبيق على هذه العلاقات التي تتضمن عنصراً أجنبياً.
ومن هذه العلاقات الزواج وما يتعلق به، والملاحظ بأن قواعد التنازع الحالية محل البحث في قانون المرافعات المدنية والتجارية البحريني، لم تعد كافية لمعالجة ما يستجد من مشاكل معاصرة بشأن هذه المواضيع، ولذلك فهي بحاجة إلى قراءة جديدة لتحديثها من خلال سد النقص فيها أو تعديلها. لذا فإن الباحث ومن باب الرغبة في التعمق البحثي، وجد بأن ما يتعلق بالزواج من قواعد التنازع يعد الأكثر إلحاحاً ولذلك كرس له هذا الجهد.
وإن تنظيم العلاقات ذات الطابع الدولي يتم عن طريق قواعد إسناد تشير إلى القانون واجب التطبيق على العلاقة محل البحث ويتم اختيار القانون عن طريق ضابط يستمد أساساً من معطيات العلاقة ذاتها.
وهذه القواعد عبارة عن قواعد قانونية يضعها المشرع الوطني هدفها إرشاد القاضي إلى القانون واجب التطبيق على المسألة المشتملة على عنصر أجنبي وتكون مهمة هذه القواعد إسناد الحكم الى القانون الأكثر ملائمة لحكم العلاقة المتنازع في شأنها من ضمن بقية القوانين الأخرى المتنازعة لأنه هو أكثرها إيفاءً بمقتضيات العدالة من وجهة نظر هذا القانون المختار.
ومن الجدير بالذكر أن قواعد التنازع لها أهمية كبرى في حل النزاعات الدولية الخاصة، ويثير الزواج المختلط مشاكل عديدة داخل الأنظمة القانونية، لذلك سعت الدول إلى تنظيمه بقواعد قانونية لتحكم هذه المنازعات التي يتخللها عنصراً أجنبياً، ويبلغ هذا التنازع حده خاصة في مجال الزواج وانحلاله.
وحتى تأخذ دراستنا للقانون الواجب التطبيق على عقد الزواج يجب أن نتناول هذا العقد بشقيه: إنشائه وانحلاله لأن إنشاء هذا العقد يرتب آثاراً شخصية ومالية، وكذلك فإن انحلاله يرتب أيضاً آثاراً شخصية ومالية، ولهذا فإن دراسة هذا الموضوع تتطلب تحديد القانون الواجب التطبيق على عقد الزواج خلال مرحلة انعقاده، وتحديد القانون واجب التطبيق على عقد الزواج خلال مرحلة انحلاله.
وباستقراء نصوص قانون المرافعات المدنية والتجارية البحريني الصادر بمرسوم قانون رقم (12) لسنة 1971 نجد أنه بالنسبة لشروط انعقاد الزواج، وعلى غرار التشريعات الأخرى قد فرق المشرع البحريني بين الشروط الموضوعية لانعقاده وبين شروطه الشكلية، فأخضع الشروط الموضوعية لقانون الجنسية المشتركة للزوجين، بينما لا يوجد نص يذكر بالنسبة لشروطه الشكلية الأمر الذي يقتضي تطبيق ما نصت بشأنه القوانين العربية المقارنة من تطبيق قانون محل الإبرام، إضافة إلى ضوابط إسناد احتياطية تحكم هذه الشروط الشكلية، إما لقانون الجنسية المشتركة، أو قانون الموطن المشترك، أو القانون الذي يسري على أحكامها الموضوعية.
ويوجد صعوبة في تحديد هذه الشروط، ما إذا كانت من قبيل الشروط الشكلية أو الشروط الموضوعية، في هذه الحالة فإنه يترك للقاضي المعروض أمامه النزاع السلطة التقديرية في تحديدها طبقاً لقانونه الوطني، على أساس أن التكييف يخضع لقانون القاضي المعروض أمامه المنازعة.
وقد يترتب عقد الزواج آثار تنقسم منها إلى آثار مالية وأخرى شخصية، لذا أخضها المشرع البحريني لضابط إسناد واحد وهو قانون جنسية الزوج وقت انعقاد الزواج بصريح المادة (21/3) مرافعات.
وفي الواقع فإنه يمكن لرابطة الزواج أن تنحل لسببٍ أو ?خر، وهذه الحالة كثيرة الوقوع في الزواج المختلط، ونجد مواقف مختلفة في تحديد القانون الواجب التطبيق على هذه الحالة، إذ أخضعها المشرع البحريني لقانون جنسية الزوج وقت رفع الدعوى حسب المادة (21/3) من قانون المرافعات، مفرقاً، أسوةً بالتشريعات العربية كالتشريع المصري والأردني السوري، بين الطلاق الصادر بالإرادة المنفردة للزوج وأخضعه لقانون جنسية الزوج وقت الطلاق، أما الحالات الأخرى فأخضعها لقانون جنسية الزوج وقت رفع الدعوى.
ويثير انح?ل الزواج مشكلة الحضانة، وهي ظاهرة كثيرة الوقوع في مجال الزواج المختلط، ويتم إخضاعها لقانون جنسية الشخص الذي تجب حمايته إعمالاً لنص المادة (21/5) مرافعات بحريني، والهدف منها هو حماية مصلحة المحضون.
زيادة على ذلك، إن قواعد التنازع التي سبق ذكرها في مجال الزواج من شروطه، وآثاره إلى انحلاله وآثاره، لابد من مراعاة أحكام نصوص القوانين العربية المقارنة وهو سريان القانون البحريني وحده إذا كان أحد الزوجين بحرينياً وقت انعقاد الزواج، وذلك لتسهيل مهمة القاضي البحريني في تطبيق القانون الوطني، وبالأخص حماية المصالح الوطنية.
من هنا يتبين أن قواعد الإسناد هي وسيلة القاضي التي يلجا إليها من أجل حل النزاعات ذات العنصر الأجنبي، وإن هذه القواعد رغم أنها لا تفصل في النزاع, لكنها تعتبر المفتاح لحل اللغز القانوني المتمثل في كيفية فض النزاع ذو العنصر الأجنبي بوجود القانون الواجب التطبيق، وهي ليست قواعد موضوعية تفصل في النزاع.
ومن مجمل ما سبق، يتضح أن الدراسة ركزت على وضع نصوص قانونية مقترحة تعدل أو تحل محل النصوص القانونية الحالية، التي وضعت في ظروف زمنية معينة، أو جاءت متأثرة بقوانين أخرى في هذا البلد أو ذاك. وعليه، فإنني أوصي المشرع البحريني بالأخذ بالآتي:-
-1 وضع قاعدة إسناد للخطبة، حيث لا توجد قاعدة إسناد لهذه المرحلة التي تعد مقدمة هامة للزواج، الذي يخلق اللبنة الأساسية في المجتمع المتمثلة في الأسرة. ولذلك طالبنا بضرورة عدم إهمال هذه المرحلة، والاقتداء ببعض القوانين العربية والأجنبية، التي وضعت قواعد إسناد خاصة بها. وبالضرورة يجب أن تنسجم هذه القاعدة مع طبيعة هذه المرحلة في مجتمعاتنا العربية.
-2 تعديل النص القانوني الذي يحدد القانون الواجب التطبيق بالنسبة للشروط الموضوعية للزواج الذي يقطع بالأخذ بالتطبيق الجامع أو الموزع لقانون الزوج والزوجة. واقترحنا الأخذ بالتطبيق الموزع إلا في حالة وجود مانع قانوني يحول دون ذلك، أو مخالفة واضحة للنظام العام أو الآداب.
-3 عدم وجود قاعدة إسناد لحكم النسب في حالة اختلاف الجنسية بسبب مرور الزمان، تحت ذرائع غير مقنعة، مما أدى إلى الانفلات في التأويل والتفسير بشكل لا تحمد عقباه. لذلك اقترحنا الاقتداء بالمشرع العراقي، الذي انفرد بوضع قاعدة إسناد خاصة تحكم البنوة الشرعية، حدد فيها القانون الواجب التطبيق لهذه المسألة الخطيرة، وذلك في الفقرة الرابعة من المادة (19) من القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 وتعديلاته، التي جاء فيها: «المسائل الخاصة بالبنوة الشرعية والولاية وسائر الواجبات ما بين الآباء والأبناء يسري عليها قانون الأب».
-4 من الملاحظ على قاعدة الإسناد الخاصة بانتهاء الزواج، والتي تخضع هذا الانتهاء إلى قانون الزوج وقت الطلاق أو وقت رفع الدعوى، وهو ما يضيع على الزوجة الكثير من الحقوق المكتسبة، لذلك اقترح اعتماد قاعدة إسناد جديدة، وهي الأخذ بقانون الزوج وقت الزواج، بدلاً من قانونه وقت الطلاق أو وقت رفع الدعوى.
5- يجب أن يُضمن المشرع البحريني نصاً خاصاً في قانون المرافعات يتعلق بحماية المصلحة الوطنية -أسوةً بالقوانين المقارنة- فيما إذا كان أحد الزوجين بحرينياً فإن القانون البحريني هو الواجب التطبيق.