بعد إعلان اللجنة التنسيقية التي يرأسها سمو ولي العهد عن إحالة بعض الموظفين إلى النيابة العامة تحركت الوزارات والهيئات التي يتبع لها هؤلاء الموظفون لتشكيل لجنة تحقيق داخلية إلى جانب تحقيقات النيابة.. وهنا مربط الفرس!
مربط الفرس يتمثل في التحرك القصري والإجباري لتلك الهيئات والوزارات بعد أن حدد لها رئيس اللجنة تاريخاً محدداً للإجابة على الملاحظات ولم يترك المسألة عائمة، 19 يعني 19 ديسمبر الردود تكون على طاولة اللجنة، وهي الهيئات والوزارات التي وقفت صامتة وتتعامل بسلبية مطلقة بعد أن تكررت بعض الملاحظات لأكثر من عشرة أعوام في تقارير الرقابة السابقة.
مربط الفرس أنه رغم أن ديوان الرقابة المالية كان على تواصل مع هذه الوزارات وتلك الهيئات طوال الأعوام العشرة الماضية وعلى مدار السنة، وليست هناك وزارة أو هيئة واحدة فوجئت بما ورد في التقرير، فهناك مراسلات بين الديوان وبين الوزارات والهيئات حول هذه المخالفات والتجاوزات، ما نطالب به الآن هو فتح تحقيق نتمنى من اللجنة التنسيقية ومن السادة النواب أن يقوموا به للاطلاع على تلك المراسلات والملاحظات على مدار السنة لا على ما جاء في التقرير فحسب، والسبب هو لمَ لمْ تتشكل لجان تحقيق داخلية للنظر في تلك الملاحظات التي أوردها الديوان طوال أيام السنة؟ لمَ تأخر المسؤولون في معالجة هذه الملاحظات؟ ما هي آلية التعاطي مع ملاحظات الديوان؟ لمَ لا تكون فورية؟ لمَ تعنى الوزارة بالدفاع والرد، دون أن تكون هناك آلية تجبر الوزارة على تشكيل لجنة تحقيق؟ لمَ تترك المسألة لتقديرات الوزير إن أراد تشكيل لجنة شكل وإن لم يرد انتهى الموضوع؟
المساءلة السياسية للوزراء ترتكز في الأساس على ممارسة الوزير لاختصاصاته من عدمها، وهنا يبدو أن اختصاصاته عائمة وغير واضحة.
الخلاصة في هذه النقطة تحديداً، أن مكافحة الفساد تبدأ في البحث عن الثغرات التي يدخل منها الفساد وسدها كما فعل ذو القرنين مع يأجوج ومأجوج، فالفساد اليوم كيأجوج ومأجوج يحتاج أن نسد الثغرات التي في السد كي نمنعه، نحن نحتاج إلى عمل قائمة بتلك الثغرات وإعطاء الوزارات مهلة لسدها وإلا فيحاسب الوزير سياسياً على تقصيره في سد هذه الثغرات.
نحتاج القيام بهذه المهمة جنباً إلى جنب مع محاسبة كل حالة فساد على حدة، وهذه أهم ألف مرة من البحث عن مفسد ومعاقبته فحسب، لأن هناك طابوراً من أكباش الفداء سيضحى بها لإنقاذ ماء الوجه ولتخفيف الضغط، ونكون قد أخذنا حبة بندول لتخفيف ألم الصداع، أما العلة فمازالت موجودة وحالما ينتهي مفعول الحبة سيدخل علينا مفسد آخر من ذات الثغرة.
الأهم من هذا كله التذكير بأن مهمة الرقابة على المال العام ومهمة مكافحة الفساد مهمة شعبية لذلك مازلنا بانتظار تحرك الجمعيات السياسية والمهنية والناشطين في الإعلام الجديد للإعلام عن ندوات وتجمعات عامة يدعى لها أعضاء السلطة التنفيذية ويعلن عن موعد الندوة ويعلن عن الرسالة التي وجهت للوزارة للحضور، فإن لم يحضر الوزير أو من ينوب عنه يوضع كرسي وعليه اسم الوزارة ويصور وينشر إشارة لتقاعس الوزارة عن التفاعل مع الرقابة الشعبية.
اليوم لم تعد بحاجة لممثلك وأنت تملك كل هذه المساحة وكل هذه الأدوات.