مطلع الأسبوع الماضي طلب مني فريق الصحيفة الإلكترونية تحديد السؤال الأسبوعي الذي تطرحه الصحيفة على القراء عبر شبكات التواصل الاجتماعي وننشره عادة كل يوم سبت في الصحيفة الورقية، وكان السؤال باعتقادي هو: ما أهم قضية شغلت الرأي العام البحريني في 2013؟
تلقت الصحيفة المئات من تعليقات القراء وإجاباتهم عن هذا السؤال الذي يتزامن مع بدء السنة الجديدة، ونشرنا بالأمس نحو 25 إجابة متنوعة من تعليقات القراء على السؤال.
الهدف من طرح السؤال هو التعرف على أبرز ملامح نظرة البحرينيين مع انتهاء عام ميلادي جديد تجاه أهم القضايا التي يعتقدون أنها ما تزال تشغل بالهم.
النتيجة كانت باختصار تتمثل في قضيتين تشغلان الرأي العام البحريني، الأولى هي تحسين مستوى المعيشة، والثانية تطبيق القانون. طبعاً هناك العديد من القضايا التي لا تقل أهمية عن هاتين القضيتين، ولكنها لن تتجاوزهما، مثلاً هناك من يربط محاسبة المسؤولين المتجاوزين الواردة مخالفاتهم في تقرير ديوان الرقابة المالية بتحسين مستوى المعيشة، بمعنى أن الرأي العام بات يرى أن الحد من المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية من شأنه أن يخلق وفراً يمكن أن يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة بشكل مباشر. وكذلك الحال بالنسبة لتطبيق القانون، فمازال الرأي العام المحلي يرى أن تطبيق القانون غائب وغير موجود.
اللافت في القضايا التي يعتقد البحرينيون أنها شغلتهم طوال العام الماضي ارتباطها ببعضها بعضاً، فتحسين مستوى المعيشة مرتبط بتطبيق القانون على أي متلاعب بالمال العام، والعكس صحيح. أيضاً من الواضح أن قضية أساسية مثل الإسكان باتت تشغل حيزاً أقل لدى كثير من البحرينيين، وهو ما طرحه عدد قليل منهم في الإجابة عن السؤال الذي طرحته الصحيفة، ويمكن تفسيرها بأنها نتاج للزخم الذي حظيت به من قبل سياسة الحكومة خلال العام الماضي.
الحقيقة المرة في هذا كله، أن الحكومة لم تتمكن حتى الآن من تغيير قناعات الرأي العام تجاه تحسين مستوى معيشتهم، أو تجاه تحسين نظرتهم تجاه قضية تطبيق القانون.
لنناقش هذه المسألة بشكل أكثر صراحة، فتحسين مستوى المعيشة في البحرين دائماً ما يتم تبريره من خلال مقارنة الوضع المعيشي للمواطن مع نظرائه في دول مجلس التعاون المجاورة. ولكن لم يتم إقناعه باختلاف القدرات الاقتصادية بين البلدين، ولم يتم إقناعه بأن هناك وسائل عديدة لتحسين مستوى المعيشة وليست مجرد زيادة مباشرة في الراتب الحكومي أو الخاص. والأهم من ذلك كله أن المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني والبرلمان وكذلك الحكومة لم تنشغل كثيراً بإيجاد وسائل فعّالة وناجعة لتحسين مستوى المعيشة بقدر اهتمامها بهذه القضية للاستهلاك الإعلامي لا أكثر. ولذلك صار تحسين مستوى المعيشة شعاراً يستخدم حتى من قبل من يسعى لإقامة معرض تجاري، فيكفيه ربط معرضه بتحسين مستوى المعيشة!
أما مسألة تطبيق القانون فمن المهم أن نتعرف على حقيقة الإشكالية، اليوم عندما تفتح أي صحيفة محلية سنرى مصطلح «تطبيق القانون» من الصفحة الأولى إلى الأخيرة سنرى عدداً ضخماً من التكرارات لهذا المصطلح من المسؤولين الحكوميين إلى النواب والشوريين إلى كتاب الرأي وإلى المواطنين في صفحات بريد القراء!
والسؤال هنا؛ هل فعلاً لا يوجد تطبيق للقانون في الدولة؟
من المستحيل القول إنه لا يوجد تطبيق للقانون في الدولة، فهذا إجحاف وانتقاص في حق كافة المؤسسات المعنية بسيادة القانون. ولنكن أكثر صراحة بالسؤال التالي: ما تعريف تطبيق القانون لدى البحرينيين اليوم؟
باختصار تطبيق القانون لدى البحرينيين اليوم هو القبض على شخصيتين سياسيتين وإغلاق جمعية سياسية واحدة «تطبيق القانون = القبض على شخصيتين سياسيتين + إغلاق جمعية سياسية». والمقصود بهما معروف لدى الجميع.
هنا يكمن الخلل، فيمكن للنيابة العامة أن تعلن إحصائيات عن عدد المقبوض عليهم لتورطهم في القضايا الإرهابية، ويمكن للمحاكم المختصة إصدار إحصائيات تبين عدد الأحكام التي أصدرتها خلال العام 2013 بشأن القضايا الإرهابية، وبالتالي حينها سنعرف كيف يتم تطبيق القانون على من يتورط بأعمال الإرهاب.
في الوقت نفسه، فإن هذه الحقيقة تعطي مؤشراً مؤلماً، وهو كيف انحدر المجتمع ومعه الرأي العام المحلي نحو اختزال مفهوم تطبيق القانون في محاسبة المتورطين في الأعمال الإرهابية. وبات لا يعني تطبيق القانون محاسبة من تجاوز الإشارة المرورية الحمراء مثلاً رغم البون الشاسع في المثالين. وبات لا يعني تطبيق القانون الالتزام بالإجراءات الرسمية في التوظيف بالقطاع العام، بل يجب التحرك على شبكات المعارف من أجل الحصول على وظيفة.
هذا الانحدار في مفهوم تطبيق القانون من يتحمله بعد مرور 13 عاماً من التحول الديمقراطي؟ طبعاً هناك خلل، ومسؤولية مشتركة تقع على عاتق العديد من الجهات لابد من تسميتها، وزارة التربية والتعليم، ومؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات السياسية، ومعهد البحرين للتنمية السياسية.
للأسف فإن القانون في البحرين بات قانوناً مفرغاً من قيمته بسبب الخلل في تفسير آليات تطبيقه طبقاً لازدواجية المعايير الخاطئة، وهي معايير لم تبتكرها الحكومة نفسها لخداع الأفراد، وإنما ابتكرها الأفراد وآمنوا بها حتى وصلوا إلى ما وصلنا إليه الآن.
ننتهي إلى أن البحرينيين مع دخول العام الجديد 2014 ما زالوا كما هم بنفس القضايا التي شغلتهم سابقاً، ومن المتوقع أن يستمر الوضع نفسه إذا لم تكن هناك تدخلات لتصحيح المسارات.
{{ article.visit_count }}
تلقت الصحيفة المئات من تعليقات القراء وإجاباتهم عن هذا السؤال الذي يتزامن مع بدء السنة الجديدة، ونشرنا بالأمس نحو 25 إجابة متنوعة من تعليقات القراء على السؤال.
الهدف من طرح السؤال هو التعرف على أبرز ملامح نظرة البحرينيين مع انتهاء عام ميلادي جديد تجاه أهم القضايا التي يعتقدون أنها ما تزال تشغل بالهم.
النتيجة كانت باختصار تتمثل في قضيتين تشغلان الرأي العام البحريني، الأولى هي تحسين مستوى المعيشة، والثانية تطبيق القانون. طبعاً هناك العديد من القضايا التي لا تقل أهمية عن هاتين القضيتين، ولكنها لن تتجاوزهما، مثلاً هناك من يربط محاسبة المسؤولين المتجاوزين الواردة مخالفاتهم في تقرير ديوان الرقابة المالية بتحسين مستوى المعيشة، بمعنى أن الرأي العام بات يرى أن الحد من المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية من شأنه أن يخلق وفراً يمكن أن يؤدي إلى تحسين مستوى المعيشة بشكل مباشر. وكذلك الحال بالنسبة لتطبيق القانون، فمازال الرأي العام المحلي يرى أن تطبيق القانون غائب وغير موجود.
اللافت في القضايا التي يعتقد البحرينيون أنها شغلتهم طوال العام الماضي ارتباطها ببعضها بعضاً، فتحسين مستوى المعيشة مرتبط بتطبيق القانون على أي متلاعب بالمال العام، والعكس صحيح. أيضاً من الواضح أن قضية أساسية مثل الإسكان باتت تشغل حيزاً أقل لدى كثير من البحرينيين، وهو ما طرحه عدد قليل منهم في الإجابة عن السؤال الذي طرحته الصحيفة، ويمكن تفسيرها بأنها نتاج للزخم الذي حظيت به من قبل سياسة الحكومة خلال العام الماضي.
الحقيقة المرة في هذا كله، أن الحكومة لم تتمكن حتى الآن من تغيير قناعات الرأي العام تجاه تحسين مستوى معيشتهم، أو تجاه تحسين نظرتهم تجاه قضية تطبيق القانون.
لنناقش هذه المسألة بشكل أكثر صراحة، فتحسين مستوى المعيشة في البحرين دائماً ما يتم تبريره من خلال مقارنة الوضع المعيشي للمواطن مع نظرائه في دول مجلس التعاون المجاورة. ولكن لم يتم إقناعه باختلاف القدرات الاقتصادية بين البلدين، ولم يتم إقناعه بأن هناك وسائل عديدة لتحسين مستوى المعيشة وليست مجرد زيادة مباشرة في الراتب الحكومي أو الخاص. والأهم من ذلك كله أن المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني والبرلمان وكذلك الحكومة لم تنشغل كثيراً بإيجاد وسائل فعّالة وناجعة لتحسين مستوى المعيشة بقدر اهتمامها بهذه القضية للاستهلاك الإعلامي لا أكثر. ولذلك صار تحسين مستوى المعيشة شعاراً يستخدم حتى من قبل من يسعى لإقامة معرض تجاري، فيكفيه ربط معرضه بتحسين مستوى المعيشة!
أما مسألة تطبيق القانون فمن المهم أن نتعرف على حقيقة الإشكالية، اليوم عندما تفتح أي صحيفة محلية سنرى مصطلح «تطبيق القانون» من الصفحة الأولى إلى الأخيرة سنرى عدداً ضخماً من التكرارات لهذا المصطلح من المسؤولين الحكوميين إلى النواب والشوريين إلى كتاب الرأي وإلى المواطنين في صفحات بريد القراء!
والسؤال هنا؛ هل فعلاً لا يوجد تطبيق للقانون في الدولة؟
من المستحيل القول إنه لا يوجد تطبيق للقانون في الدولة، فهذا إجحاف وانتقاص في حق كافة المؤسسات المعنية بسيادة القانون. ولنكن أكثر صراحة بالسؤال التالي: ما تعريف تطبيق القانون لدى البحرينيين اليوم؟
باختصار تطبيق القانون لدى البحرينيين اليوم هو القبض على شخصيتين سياسيتين وإغلاق جمعية سياسية واحدة «تطبيق القانون = القبض على شخصيتين سياسيتين + إغلاق جمعية سياسية». والمقصود بهما معروف لدى الجميع.
هنا يكمن الخلل، فيمكن للنيابة العامة أن تعلن إحصائيات عن عدد المقبوض عليهم لتورطهم في القضايا الإرهابية، ويمكن للمحاكم المختصة إصدار إحصائيات تبين عدد الأحكام التي أصدرتها خلال العام 2013 بشأن القضايا الإرهابية، وبالتالي حينها سنعرف كيف يتم تطبيق القانون على من يتورط بأعمال الإرهاب.
في الوقت نفسه، فإن هذه الحقيقة تعطي مؤشراً مؤلماً، وهو كيف انحدر المجتمع ومعه الرأي العام المحلي نحو اختزال مفهوم تطبيق القانون في محاسبة المتورطين في الأعمال الإرهابية. وبات لا يعني تطبيق القانون محاسبة من تجاوز الإشارة المرورية الحمراء مثلاً رغم البون الشاسع في المثالين. وبات لا يعني تطبيق القانون الالتزام بالإجراءات الرسمية في التوظيف بالقطاع العام، بل يجب التحرك على شبكات المعارف من أجل الحصول على وظيفة.
هذا الانحدار في مفهوم تطبيق القانون من يتحمله بعد مرور 13 عاماً من التحول الديمقراطي؟ طبعاً هناك خلل، ومسؤولية مشتركة تقع على عاتق العديد من الجهات لابد من تسميتها، وزارة التربية والتعليم، ومؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات السياسية، ومعهد البحرين للتنمية السياسية.
للأسف فإن القانون في البحرين بات قانوناً مفرغاً من قيمته بسبب الخلل في تفسير آليات تطبيقه طبقاً لازدواجية المعايير الخاطئة، وهي معايير لم تبتكرها الحكومة نفسها لخداع الأفراد، وإنما ابتكرها الأفراد وآمنوا بها حتى وصلوا إلى ما وصلنا إليه الآن.
ننتهي إلى أن البحرينيين مع دخول العام الجديد 2014 ما زالوا كما هم بنفس القضايا التي شغلتهم سابقاً، ومن المتوقع أن يستمر الوضع نفسه إذا لم تكن هناك تدخلات لتصحيح المسارات.