لم يمضِ شهر على تلاشي فقاعة 14 أغسطس التي حاولت كل قوى التأزيم في الداخل والخارج النفـــخ فيها علها تحرك جامداً، لكنها كانت حركة ميتة، تدافع أصحابها في وسائل التواصل الاجتماعي وفضائيات الفتنة وعلت جعجعتهم، دون أن يجنوا من وراء ذلك شيئاً، فلا رأينا طحيناً ولا رماداً في العيون.
استشعـرت على ما يبدو تشكيلات قوى التأزيـــم أن أمرهـــم بـــات واضحاً للناس وأن ثقلهـــم لـــم يعد بحجم أصواتهم العاليـــة وقبضاتهـــم الملوحـــة وعيونهـــم الحمر، فالعشرات التي خرجت فيما وصفوه هم بالمسيرات!! نجد أحياناً أعداداً أكبر منها أمام «الخباز» بعد صلاة العشاء!! ورغم كل محاولات الظهور بمظهر غير المعني بقلة العدد وبأن الثورة مستمـــرة في 14 سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر كما رددوا، لكنهم قبلنا يعلمون بأن الموازين على الأرض تغيرت، فلا أتباعهم بنفس درجة إيمانهم بهم وليسوا على استعداد لدفع تكلفة مغامرة جديدة تدفعهم إليها الوفاق وباقي التشكيلات الأخـرى كـ «حق» و«وفاء» و«ذراع 14 فبراير» و«شرذمة لندن» وبقية الذين يصبون في مجرى واحد.
لقـــد علــم الجميع وعلى رأسهـــم الوفاق أنهم ماعادوا يحظون بثقة وتبعية الشارع، فهناك من تركهم بعد أن تبين له أن هؤلاء المراهقين سياسياً سيرمون به في التهلكة من جديد، ومنهم من علم حجم المؤامرة التي سيق إليها تحت شعار الحقوق السياسية والدولة المدنية والمطالب الديمقراطية فوجد نفسه مشاركاً في انقلاب على الوطن، وحتى الراديكاليين وجدوا بأن الوفـاق التــي «تتقلــب» ليست قادرة على تحقيق مبتغاهـم، باختصار فقدت الوفاق شريحة واسعة من الشارع المتعصب لها أو المخدوع بها، وهي تعلـم اليوم بأنها غير قادرة على حشد الجماهيـر بخطاباتهـــا السياسيـــة الكلاسيكيــة عــن سلطــة الشعــب والمطالــب العادلــة مقابــل ظلــم الدولة والاستئثار بالثروة وتهميش الأغلبية وما إلى ذلك، فقدت الوفاق جمهور ما كانت تسميه «بالثـــورة» أو القضية، وآخر ما تستطيع فعله لتجييش الناس هو البحث عن قضايـــا ذات بعد متصل بالشـــرف كما فبركت قصص اغتصاب وعادت وكذبتها أو تحرش وغيرها مما يثير الحمية لدى الناس، الحمية -لاحظـــوا- وليــس نصرة القضية والمطالب السياسية، لأن الناس اكتشفوا أن السير خلفهم هو سير نحو المجهول والخسران.
نعم تقزمت الوفاق في الشارع دون أدنى شك، لذلك نراها اليوم ترقص على كل حبل، فذهاب علي سلمـــان إلى لنـــدن والتقـــاؤه بالشهابـــي وجماعته ومحاولة الظهور بمظهر التوافق والانسجام، من خلال تلك الندوة التي أجاب فيها سلمان على أسئلة الحضور واستمع لتعليقاتهم بصدر رحب، من أجل إرسال رسالة مباشرة للدولة، أرادوا القول من خلالها «نحن في مركب واحد»، وبــأن الوفــاق مازالــت علــى علاقة وطيدة وقوية بالفصيل الراديكالي وأن جبهتهم متماسكة ومتكاملة، كما إن الوفاق تريد من الشهابي أن يأمر أتباعه ليقللوا الهجوم عليها وعلى رموزها، فالمتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي يعلم حجم المأزق الذي وقعت فيه الوفاق حيث إنها أصبحت هدفاً يومياً للجماعات الراديكاليـة، الذين يتهمونها بأنهـــا أضاعــــت ثورتهم «المزعومـة» ويطالبونهـــا بنزع قناع السلمية لأنه بنظرهم لن يحقق أهدافهم!!
إذن فتحركات الوفاق مؤخراً التي تؤكدها لهجة المرزوق في خطابه الأخير وتحديه الفج للدولة وتطاوله على قوانينها، وعدم حضور ممثلي «المعارضة» الجلسـة الأخيرة من حوار التوافق، موجه في جانب مهم منه لجماعتها والفصائل الراديكالية التي تنتهج أسلوب التخريب في الشارع والترهيب في مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل أن تحافظ على من تبقى لها منهم بعد أن فقدت الأغلبية.
كمــا إن كــل المعطيـات وقليلاً من التسريبات تؤكد أن الوفاق ذاتها تعاني من خلاف داخلي شديد، أو على أقل تقدير تباين واسع في النظرة لطبيعة التعامل مع المرحلة المقبلة، وجوهر هذا الخلاف قائم على نقاط عدة أهمها: هل تواصل سياســـة تعطيـــل الحوار وتأخيــر تقدمه قدر المستطاع والحفاظ على مرحلــة الترقب «عدم الفوضى وعدم الاستقرار» لحين اتضاح ما ستؤول إليه الأحداث الإقليمية في سوريا ولبنان تحديداً، واغتنام أية فرصة سانحة للتصعيد من جديد؟ أو كما يرى فريق آخر أن الأمر يجب أن ينتهي ولو مرحلياً عند هذا الحد، وأن كل المعطيات تؤكد أن ما حدث في 2011 لن يتكرر لا من قبل الشارع ولا الدولة، وعليها أن تحافظ على ما تبقى لها من مصالح وتحاول قدر الإمكان «لم الدور»، والخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب من خلال الحوار، خاصة مع دخولنا سنة الانتخابات التي صدقوني وأراهن على ما أقول ستشارك فيها الوفاق وستعمد للزج بأسمــاء جديدة بعــد أن «احترقت» بعض وجوهها.
إن تصعيـــــد الوفـــاق ومحاولتهـــا الظهور بمظهر المغالي والمتشدد، يشيــــر بوضــوح أنهـــا متقوقعـــة ومحاصرة من شارعها وأتباعها والمحسوبيـــن عليهـــا والجماعـــات الراديكالية والإرهابية وعبثاً تحاول أن تمسك عصاهم من المنتصف، كما إنها محاصرة من الدولة والغالبية العظمى من أبناء الوطن الرافضة لسياستها وأهدافها جملة وتفصيلاً، إذن فهي بتصعيدها هذا تبحث أكثر من أي وقت مضى عن تسوية ومخرج من أزمتها وتبعث للدولة رسائل بذلك.
{{ article.visit_count }}
استشعـرت على ما يبدو تشكيلات قوى التأزيـــم أن أمرهـــم بـــات واضحاً للناس وأن ثقلهـــم لـــم يعد بحجم أصواتهم العاليـــة وقبضاتهـــم الملوحـــة وعيونهـــم الحمر، فالعشرات التي خرجت فيما وصفوه هم بالمسيرات!! نجد أحياناً أعداداً أكبر منها أمام «الخباز» بعد صلاة العشاء!! ورغم كل محاولات الظهور بمظهر غير المعني بقلة العدد وبأن الثورة مستمـــرة في 14 سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر كما رددوا، لكنهم قبلنا يعلمون بأن الموازين على الأرض تغيرت، فلا أتباعهم بنفس درجة إيمانهم بهم وليسوا على استعداد لدفع تكلفة مغامرة جديدة تدفعهم إليها الوفاق وباقي التشكيلات الأخـرى كـ «حق» و«وفاء» و«ذراع 14 فبراير» و«شرذمة لندن» وبقية الذين يصبون في مجرى واحد.
لقـــد علــم الجميع وعلى رأسهـــم الوفاق أنهم ماعادوا يحظون بثقة وتبعية الشارع، فهناك من تركهم بعد أن تبين له أن هؤلاء المراهقين سياسياً سيرمون به في التهلكة من جديد، ومنهم من علم حجم المؤامرة التي سيق إليها تحت شعار الحقوق السياسية والدولة المدنية والمطالب الديمقراطية فوجد نفسه مشاركاً في انقلاب على الوطن، وحتى الراديكاليين وجدوا بأن الوفـاق التــي «تتقلــب» ليست قادرة على تحقيق مبتغاهـم، باختصار فقدت الوفاق شريحة واسعة من الشارع المتعصب لها أو المخدوع بها، وهي تعلـم اليوم بأنها غير قادرة على حشد الجماهيـر بخطاباتهـــا السياسيـــة الكلاسيكيــة عــن سلطــة الشعــب والمطالــب العادلــة مقابــل ظلــم الدولة والاستئثار بالثروة وتهميش الأغلبية وما إلى ذلك، فقدت الوفاق جمهور ما كانت تسميه «بالثـــورة» أو القضية، وآخر ما تستطيع فعله لتجييش الناس هو البحث عن قضايـــا ذات بعد متصل بالشـــرف كما فبركت قصص اغتصاب وعادت وكذبتها أو تحرش وغيرها مما يثير الحمية لدى الناس، الحمية -لاحظـــوا- وليــس نصرة القضية والمطالب السياسية، لأن الناس اكتشفوا أن السير خلفهم هو سير نحو المجهول والخسران.
نعم تقزمت الوفاق في الشارع دون أدنى شك، لذلك نراها اليوم ترقص على كل حبل، فذهاب علي سلمـــان إلى لنـــدن والتقـــاؤه بالشهابـــي وجماعته ومحاولة الظهور بمظهر التوافق والانسجام، من خلال تلك الندوة التي أجاب فيها سلمان على أسئلة الحضور واستمع لتعليقاتهم بصدر رحب، من أجل إرسال رسالة مباشرة للدولة، أرادوا القول من خلالها «نحن في مركب واحد»، وبــأن الوفــاق مازالــت علــى علاقة وطيدة وقوية بالفصيل الراديكالي وأن جبهتهم متماسكة ومتكاملة، كما إن الوفاق تريد من الشهابي أن يأمر أتباعه ليقللوا الهجوم عليها وعلى رموزها، فالمتتبع لمواقع التواصل الاجتماعي يعلم حجم المأزق الذي وقعت فيه الوفاق حيث إنها أصبحت هدفاً يومياً للجماعات الراديكاليـة، الذين يتهمونها بأنهـــا أضاعــــت ثورتهم «المزعومـة» ويطالبونهـــا بنزع قناع السلمية لأنه بنظرهم لن يحقق أهدافهم!!
إذن فتحركات الوفاق مؤخراً التي تؤكدها لهجة المرزوق في خطابه الأخير وتحديه الفج للدولة وتطاوله على قوانينها، وعدم حضور ممثلي «المعارضة» الجلسـة الأخيرة من حوار التوافق، موجه في جانب مهم منه لجماعتها والفصائل الراديكالية التي تنتهج أسلوب التخريب في الشارع والترهيب في مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل أن تحافظ على من تبقى لها منهم بعد أن فقدت الأغلبية.
كمــا إن كــل المعطيـات وقليلاً من التسريبات تؤكد أن الوفاق ذاتها تعاني من خلاف داخلي شديد، أو على أقل تقدير تباين واسع في النظرة لطبيعة التعامل مع المرحلة المقبلة، وجوهر هذا الخلاف قائم على نقاط عدة أهمها: هل تواصل سياســـة تعطيـــل الحوار وتأخيــر تقدمه قدر المستطاع والحفاظ على مرحلــة الترقب «عدم الفوضى وعدم الاستقرار» لحين اتضاح ما ستؤول إليه الأحداث الإقليمية في سوريا ولبنان تحديداً، واغتنام أية فرصة سانحة للتصعيد من جديد؟ أو كما يرى فريق آخر أن الأمر يجب أن ينتهي ولو مرحلياً عند هذا الحد، وأن كل المعطيات تؤكد أن ما حدث في 2011 لن يتكرر لا من قبل الشارع ولا الدولة، وعليها أن تحافظ على ما تبقى لها من مصالح وتحاول قدر الإمكان «لم الدور»، والخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب من خلال الحوار، خاصة مع دخولنا سنة الانتخابات التي صدقوني وأراهن على ما أقول ستشارك فيها الوفاق وستعمد للزج بأسمــاء جديدة بعــد أن «احترقت» بعض وجوهها.
إن تصعيـــــد الوفـــاق ومحاولتهـــا الظهور بمظهر المغالي والمتشدد، يشيــــر بوضــوح أنهـــا متقوقعـــة ومحاصرة من شارعها وأتباعها والمحسوبيـــن عليهـــا والجماعـــات الراديكالية والإرهابية وعبثاً تحاول أن تمسك عصاهم من المنتصف، كما إنها محاصرة من الدولة والغالبية العظمى من أبناء الوطن الرافضة لسياستها وأهدافها جملة وتفصيلاً، إذن فهي بتصعيدها هذا تبحث أكثر من أي وقت مضى عن تسوية ومخرج من أزمتها وتبعث للدولة رسائل بذلك.