بينما أنظارنا موجهة نحو سلسلة من تقارير المخابرات عن الهجمات بالأسلحة الكيماوية في سوريا، والقصص الدائرة حول الرد الأمريكي، تغاضى كثيرون عن تقرير آخر للمخابرات يتعلق بأسلحة للدمار الشامل لها تداعيات شديدة بالنسبة للخطوط الحمراء ولمصداقية أمريكا في الشرق الأوسط.
وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعنية بمراقبة الانتشار النووي في العالم أن «إيران تعتزم اختبار نحو ألف جهاز طرد مركزي متقدم لتخصيب اليورانيوم انتهت من تركيبها». ومع تزايد قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم، تقلصت مدة الإنتاج، وكم الوقت الذي ستحتاجه إيران كي تقوم وبسرعة بتجميع كمية من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي لإنتاج سلاح نووي. ففي العام أو العامين المقبلين قد تتقلص مدة الإنتاج إلى 10 أيام وهي لا تكفي لأن ترد الولايات المتحدة على نحو موثوق به قبل أن تتمكن إيران من الحصول على ما يكفي من مواد لإنتاج قنبلة.
وخطوة أمريكا المقبلة في إيران مرتبطة على نحو لا ينفصم بالوضع في إيران. ويعد النظام الإيراني الذي يملك قدرة على الحصول على أسلحة نووية أكبر مصدر قلق للأمن القومي للحكومة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. فإيران المسلحة نووياً ستعمل على زعزعة استقرار المنطقة وتحدث صدمة لأسعار النفط وتهدد حلفاء الولايات المتحدة. وسيكون من الأصعب على المدى الأبعد تحديد التداعيات لكنها سيئة. فقد يكون لإيران النووية تأثير الدومينو بين بلدان الشرق الأوسط فحدوث موجة أخرى لانتفاضات الربيع العربي مع وجود دولة فاشلة لديها أسلحة نووية احتمال مخيف.
وعدم التدخل في سوريا، والسماح لبشار الأسد بتجاوز الخط الذي حدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد مدنيين، يجعل أي خطوط حمراء بخصوص البرنامج النووي الإيراني أقل وضوحاً. وفي الواقع فمن المحتمل أن يكون أوباما فعل ذلك بالفعل بوضعه القرار في يد الكونغرس وزيادة الوضع تعقيداً بزيادة الفترة الزمنية بين كسر الخط الأحمر والعقاب.
ويقف أوباما في منعطف تاريخي حاد. وعندما حدد خطه الأحمر في أغسطس 2012 فاجأ مستشاريه بشكل كامل حسبما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» في مايو الماضي.
وصرح الرئيس الأمريكي رداً على سؤال في مؤتمر صحافي قائلاً إن «نقل كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية أو استخدامها سيكون تجاوزاً «لخط أحمر» و«يغير حساباتي» مما أثار دهشة بعض مستشاريه الذين حضروا اجتماعات في مطلع الأسبوع وتساءلوا من أين جاء «الخط الأحمر». وبهذه العبارة المثيرة حدد الرئيس سياسته على نحو يتمنى بعض مستشاريه أن يتراجعوا عنه.
وإذا كان أوباما حدد خطه الأحمر دون أن يتشاور مع فريقه، فمن المؤكد أنه لم يتحقق عما إذا كانت الدول الأخرى «ستغير حساباتها» رداً على استخدام الأسلحة الكيماوية. وأدى ذلك إلى حرج في بريطانيا الأسبوع الماضي عندما رفض مجلس العموم المشاركة في أي ضربة أمريكية محتملة ضد سوريا. وقد يكون هذا أقسى درس تعلمه أوباما من النقاش حول سوريا إلى الآن فحتى لو كان في حاجة لأن يتباهى بالتفرد الأمريكي فما كان له أن يفعل ذلك من خلال الخطوط الحمراء. فمن ينفرد بتحديد خط أحمر عليه كذلك أن يكون مستعداً لأن يدافع عنه وحده.
لنطبق ذلك الدرس على إيران. فمع تقرير الوكالة الدولية الحديث الذي يشير إلى أن إيران تتقدم ببطء نحو امتلاك قدرة على تقليص مدة الإنتاج فإن المفاوضات المقبلة المحتملة مع إيران تصبح على قدر من الإلحاح أكبر من أي وقت مضى. وهناك أسباب تدعو إلى التفاؤل «أو على الأقل لأن نكون أقل تشاؤماً من المعتاد» فكل طرف لديه شيء ما يريده الطرف الآخر وفي إيران رئيس جديد.
ففي يونيو الماضي فاز حسن روحاني في انتخابات الرئاسة بأغلبية واضحة، كمرشح وسطي لديه برنامج لإصلاح العلاقات مع الغرب مما يبشر بإعادة ضبط المفاوضات وربما التوصل إلى اتفاق متواضع من المحتمل أن يكون في شكل تفتيش وإبطاء للتخصيب مقابل تقليص العقوبات الاقتصادية.
والولايات المتحدة في حاجة لاغتنام هذه الفرصة. فإذا فشلت المفاوضات فسيكون من الصعب الحفاظ على المستوى الحالي من العقوبات لسببين، أولاً لأن إيران الآن لديها رئيس يتمتع بشخصية مؤثرة وجذابة. وثانياً لأن روحاني مصمم على تعزيز الشفافية والكفاءة في الاقتصاد الإيراني الداخلي. وهذا يغري دولاً مثل الصين والهند وروسيا لإبرام صفقات مع إيران حتى لو كان ذلك يؤدي إلى إضعاف قواعد العقوبات. وكما رأت الولايات المتحدة في سوريا فإنه من الصعب إلزام المجتمع الدولي بخط أحمر محدد، خصوصاً عندما تكون لدى الدولة حوافز اقتصادية.
فما هي الخطوة التالية في سوريا؟ الأكثر ترجيحاً أن الكونغرس سيوافق على ضربة عسكرية محدودة، وأن التدخل المترتب عليها سيكون محدوداً. وإذا رفض الكونغرس طلب الرئيس بتوجيه ضربة عسكرية فإنه يضع سابقة خطيرة بالنسبة للخطوط الأمريكية الحمراء ويقوض مصداقية الولايات المتحدة مقدماً في المحادثات المحتملة. وإذا وافق الكونغرس على اقتراح أوباما والضربات الأمريكية فعلى الإدارة أن تكون مستعدة لاحتمال أن إيران سترد بهجمات تصعيدية غير عادية ويجب أن تضمن ألا تؤثر التداعيات المقبلة من سوريا على تخريب المفاوضات النووية المقبلة.
وبعد شهــور قليلة من الآن في كل الاحتمالات ستعود الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الهامش في سوريا وتشجب استمرار العنف بكثير من الكلام وقليل من العمل. وسينتقل اهتمام وسائل الإعلام بالتفاعلات المليئة بالمخاطر مع إيران. وبعد كل شيء فذلك هو ما كانت تركز عليه الحكومة الأمريكية طول الوقت.
من كتاب المقالات في «رويترز»
{{ article.visit_count }}
وذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية المعنية بمراقبة الانتشار النووي في العالم أن «إيران تعتزم اختبار نحو ألف جهاز طرد مركزي متقدم لتخصيب اليورانيوم انتهت من تركيبها». ومع تزايد قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم، تقلصت مدة الإنتاج، وكم الوقت الذي ستحتاجه إيران كي تقوم وبسرعة بتجميع كمية من اليورانيوم عالي التخصيب تكفي لإنتاج سلاح نووي. ففي العام أو العامين المقبلين قد تتقلص مدة الإنتاج إلى 10 أيام وهي لا تكفي لأن ترد الولايات المتحدة على نحو موثوق به قبل أن تتمكن إيران من الحصول على ما يكفي من مواد لإنتاج قنبلة.
وخطوة أمريكا المقبلة في إيران مرتبطة على نحو لا ينفصم بالوضع في إيران. ويعد النظام الإيراني الذي يملك قدرة على الحصول على أسلحة نووية أكبر مصدر قلق للأمن القومي للحكومة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. فإيران المسلحة نووياً ستعمل على زعزعة استقرار المنطقة وتحدث صدمة لأسعار النفط وتهدد حلفاء الولايات المتحدة. وسيكون من الأصعب على المدى الأبعد تحديد التداعيات لكنها سيئة. فقد يكون لإيران النووية تأثير الدومينو بين بلدان الشرق الأوسط فحدوث موجة أخرى لانتفاضات الربيع العربي مع وجود دولة فاشلة لديها أسلحة نووية احتمال مخيف.
وعدم التدخل في سوريا، والسماح لبشار الأسد بتجاوز الخط الذي حدد الرئيس الأمريكي باراك أوباما باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد مدنيين، يجعل أي خطوط حمراء بخصوص البرنامج النووي الإيراني أقل وضوحاً. وفي الواقع فمن المحتمل أن يكون أوباما فعل ذلك بالفعل بوضعه القرار في يد الكونغرس وزيادة الوضع تعقيداً بزيادة الفترة الزمنية بين كسر الخط الأحمر والعقاب.
ويقف أوباما في منعطف تاريخي حاد. وعندما حدد خطه الأحمر في أغسطس 2012 فاجأ مستشاريه بشكل كامل حسبما قالت صحيفة «نيويورك تايمز» في مايو الماضي.
وصرح الرئيس الأمريكي رداً على سؤال في مؤتمر صحافي قائلاً إن «نقل كميات كبيرة من الأسلحة الكيماوية أو استخدامها سيكون تجاوزاً «لخط أحمر» و«يغير حساباتي» مما أثار دهشة بعض مستشاريه الذين حضروا اجتماعات في مطلع الأسبوع وتساءلوا من أين جاء «الخط الأحمر». وبهذه العبارة المثيرة حدد الرئيس سياسته على نحو يتمنى بعض مستشاريه أن يتراجعوا عنه.
وإذا كان أوباما حدد خطه الأحمر دون أن يتشاور مع فريقه، فمن المؤكد أنه لم يتحقق عما إذا كانت الدول الأخرى «ستغير حساباتها» رداً على استخدام الأسلحة الكيماوية. وأدى ذلك إلى حرج في بريطانيا الأسبوع الماضي عندما رفض مجلس العموم المشاركة في أي ضربة أمريكية محتملة ضد سوريا. وقد يكون هذا أقسى درس تعلمه أوباما من النقاش حول سوريا إلى الآن فحتى لو كان في حاجة لأن يتباهى بالتفرد الأمريكي فما كان له أن يفعل ذلك من خلال الخطوط الحمراء. فمن ينفرد بتحديد خط أحمر عليه كذلك أن يكون مستعداً لأن يدافع عنه وحده.
لنطبق ذلك الدرس على إيران. فمع تقرير الوكالة الدولية الحديث الذي يشير إلى أن إيران تتقدم ببطء نحو امتلاك قدرة على تقليص مدة الإنتاج فإن المفاوضات المقبلة المحتملة مع إيران تصبح على قدر من الإلحاح أكبر من أي وقت مضى. وهناك أسباب تدعو إلى التفاؤل «أو على الأقل لأن نكون أقل تشاؤماً من المعتاد» فكل طرف لديه شيء ما يريده الطرف الآخر وفي إيران رئيس جديد.
ففي يونيو الماضي فاز حسن روحاني في انتخابات الرئاسة بأغلبية واضحة، كمرشح وسطي لديه برنامج لإصلاح العلاقات مع الغرب مما يبشر بإعادة ضبط المفاوضات وربما التوصل إلى اتفاق متواضع من المحتمل أن يكون في شكل تفتيش وإبطاء للتخصيب مقابل تقليص العقوبات الاقتصادية.
والولايات المتحدة في حاجة لاغتنام هذه الفرصة. فإذا فشلت المفاوضات فسيكون من الصعب الحفاظ على المستوى الحالي من العقوبات لسببين، أولاً لأن إيران الآن لديها رئيس يتمتع بشخصية مؤثرة وجذابة. وثانياً لأن روحاني مصمم على تعزيز الشفافية والكفاءة في الاقتصاد الإيراني الداخلي. وهذا يغري دولاً مثل الصين والهند وروسيا لإبرام صفقات مع إيران حتى لو كان ذلك يؤدي إلى إضعاف قواعد العقوبات. وكما رأت الولايات المتحدة في سوريا فإنه من الصعب إلزام المجتمع الدولي بخط أحمر محدد، خصوصاً عندما تكون لدى الدولة حوافز اقتصادية.
فما هي الخطوة التالية في سوريا؟ الأكثر ترجيحاً أن الكونغرس سيوافق على ضربة عسكرية محدودة، وأن التدخل المترتب عليها سيكون محدوداً. وإذا رفض الكونغرس طلب الرئيس بتوجيه ضربة عسكرية فإنه يضع سابقة خطيرة بالنسبة للخطوط الأمريكية الحمراء ويقوض مصداقية الولايات المتحدة مقدماً في المحادثات المحتملة. وإذا وافق الكونغرس على اقتراح أوباما والضربات الأمريكية فعلى الإدارة أن تكون مستعدة لاحتمال أن إيران سترد بهجمات تصعيدية غير عادية ويجب أن تضمن ألا تؤثر التداعيات المقبلة من سوريا على تخريب المفاوضات النووية المقبلة.
وبعد شهــور قليلة من الآن في كل الاحتمالات ستعود الولايات المتحدة مرة أخرى إلى الهامش في سوريا وتشجب استمرار العنف بكثير من الكلام وقليل من العمل. وسينتقل اهتمام وسائل الإعلام بالتفاعلات المليئة بالمخاطر مع إيران. وبعد كل شيء فذلك هو ما كانت تركز عليه الحكومة الأمريكية طول الوقت.
من كتاب المقالات في «رويترز»