سرقتني ظروف العمل وانشغالي بأمور السياسة عن بنات أفكاري اللطيفات اللواتي كنت أتبادل معهن أطراف الحديث في الشعر والطرفة والحب والأزياء وغيرها من أحاديث وأقاصيص البنات، فقررت إحداهن أن تخاطبني بلغتي الجديدة، فأرسلت إلي قائلة:
عزيزتي فاطمة..
تحية طيبة وبعد،
افتقدتك وصديقاتي الأخريات كثيراً في الآونة الأخيرة، وقد حاولت أن أجد لك أمامهن كثيراً من الأعذار وقد نجحت، بعد أن انخرطت ذهنياً في مجالك، وتعرفت على حجم انشغالاتك.. أما بعد، فقد راودتني فكرة لطالما شغلت ذهني مؤخراً، ويبدو أن العدوى قد انتقلت إلي عزيزتي، وتولعت بالسياسة حتى جاء اليوم الذي أكتب فيه رسالتي الأولى من نوعها في هذا المجال.
«أقسم بالله العظيم.. أن أكون مخلصةً للوطن والملك، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأن أذود عن حريات الشعب ومصالحه، وأن أؤدي أعمالي بالأمانة والصدق». أنا مواطنة بحرينية، واعذريني.. لكن لا شأن لك منذ متى، وها أنذا أديت اليمين، أجيد لغتي العربية «الأم» بطلاقة تحدثاً وقراءةً وكتابة، وسيكون سني يوم الانتخاب قد تجاوز الثلاثين سنة ميلادية بأيامٍ قلائل، متمتعة بكافة حقوقي المدنية والسياسية.
عزيزتي.. أيكفي هذا لدخولي البرلمان؟! أيكفي هذا لأن تضعوا مصير بلادكم ومصيركم في يدي بغض النظر عن أيديولوجيتي وثقافتي وعلمي وخبراتي وكثير من الأشياء؟ أيكفي لأن أشرع من القوانين -مع رفاقي البرلمانيين الذين لا يفضلونني بشيء ربما- حسبما أشاء، أو حسبما نشاء؟!
إن أردتي الحق.. ولعلمي بأنك ستكتمين السر، لطالما حلمت بمكانة رفيعة، ومرتب شهري عال، وسيارة فارهة، وبتقاعد «محترم»، لطالما تمنيت أن أحقق شهرة لنفسي، فيحترمني الناس وتملأ صوري صفحات الجرائد والمجلات، وإني كما تعلمين لا أفقه من العلم شيئاً، ولست من أصحاب الشهادات، وليس لدي من الحرف اليدوية ما يعينني على الكسب، أما أبواب الوظائف فهي حتماً مغلقة في وجهي، لذا قلت لعلي أجد لي وظيفة في البرلمان «عضواً بمجلس النواب».
ولكني عزيزتي.. أود بعد أن أنتهي من دورة الأربع سنوات، أقصد «مشروع العمر»، أن تتبني فكرة وضع معايير حقيقية لمن يتقدم بطلب ترشح لعضوية مجلس البرلمان، فما أفعله اليوم قد تفعله الغالبية العظمى ممن وصلت لتلك الكراسي، وقبل أن تتهميني بشيء لاحظي كلمة «قد» فأنا لا أتهم أحداً البتة، غير أني أمنحك فرصة تقديم إجراء وقائي تستفيد منه بلادك، فإني أعلم علم اليقين أننا إجمالاً ننتمي لبلدان انتهجت دراسة الحلول بعد وقوع مصائبها بحثاً عن علاج، وتطول الدراسة لتستفيق على موت مريضها، ولعل الوقاية لم يصل إليه علم بلادنا بعد، ولكن لا ضير عزيزتي من المحاولة.
أقترح وضع معايير جادة للمتقدم بطلب الترشح لعضوية مجلس النواب، وتتلخص في أن يكون من حملة الشهادات العليا وما يعادلها من شهادات أخرى، أو من حملة الشهادات ذوات الامتياز مثل الطب وما شابه، ويمكن القبول بشهادة البكالوريوس كحد أدنى إذا ما حقق إنجازات حقيقية واستثنائية لمصلحة البلد من خلال عمله في القطاع الحكومي أو الخاص أو الأهلي أو الشخصي بصورة مثبتة ونتائج بينة. وفي ذلك لابد من تيقظ مجلس التعليم العالي من جودة الشهادات في الدراسات العليا لكي لا تكون شهادات تجارية وتباع من تحت الطاولة بأثمانٍ متفاوتة.
أقترح أيضاً النظر للمنظمات الأهلية عموماً بحذر، ومنع أعضاء أي جمعية سياسية أو خيرية ثبت علاقتها بالخارج من الترشح لعضوية مجلس النواب، بل إن يمنع كل من انضم لجمعية دينية أو خيرية في تاريخه من العضوية، ويتبع ذلك منع كل من عمل خطيباً أو إماماً أو سبق له أن تبوأ منصباً دينياً ما في الدولة، وذلك لما تمنحه تلك العضويات والمناصب من كاريزمية خاصة عنوانها «الدين»، وليس ذلك نكاية في الدين أو استبعاداً له عن «مركز عمليات التشريعات»، وإنما للنأي بالمتشدقين باسم الدين والمتوارين خلف أستاره عن تشويه صورته وتضييع البلد في آن.
كما أقترح عزيزتي أن يجتاز المتقدم لعضوية المجلس دورات تدريبية شاملة ومكثفة في السياسة، والتشريعات، والإعلام، ومهارات التعامل مع وسائل الإعلام، والعلاقات العامة، والإدارة، والمناظرة، وإلقاء الخطاب، والاتيكيت، بل وحتى في التزام الزي الرسمي المناسب، نظراً لاعتباره واحدة من واجهات البلد الإعلامية والتشريعية. كما يجتاز عدداً من الامتحانات المتعلقة بمهارات التحليل السياسي وتحليل الخطاب الإعلامي، وإدارة الأزمات، وكذلك في المعلومات العامة وتاريخ مملكة البحرين والمنطقة. لكي لا نضطر لأن نقول لنوابنا الأعزاء ممثلي الأمة، يوماً ما «فشلتونه».
هذا بعض ما أردت اقتراحه عليك عزيزتي، لتقدميه نيابةً عني بأسلوب صحافي أنيق للحكومة، ولأنني في بلد بيروقراطي، فإني على يقين أن رسالتي ستصلك متأخرة بعد أن تجد لها مكاناً في ساعات يقظتك للتوقيع على الاستلام، ثم ستظل مهملةً على مكتبك الذهني الذي لم يعد يتسع إلا لتنفيذ ما تظنين أنه السبيل لتحقيق طموحك اللامتناهي، وعندما تقررين أن تقرئيها في إحدى لحظات الملل النادرة التي تعتريك ستكتشفين أني تحت قبة البرلمان، أطلق من التشريعات ما يستفز قلمك على الكتابة يومياً، لتجدي أني أسديت لك فضل البقاء في عالم الصحافة. وبعد أن تستفيقي عليك إعادة تقديم مقترحاتي للحكومة.. حينها سيكون فات الأوان على دورتنا، فضعي من المعايير ما تشائين طرحها على الحكومة للمرة المقبلة.. أعرفت عزيزتي الآن كم أنك بيروقراطية حتى في أهم الأشياء، حتى فيما يتعلق بالمصير؟
اسمحي لي عزيزتي فطريق الوصول للبرلمان قصير، أولم تقولوا دائماً: «إن حبل الكذب قصير»، إنه هو، لذا سأكون منذ اللحظة أول الناعقين والمتبجحين والمتفذلكين والمتسلقين، سأكون من الشعراء الذين استتبعوا الغاوين، سأكون ما أكون، غير أني بطريقة أو بأخرى وبكل الحيل المتاحة سأقنع بي الجمهور، وسأحصل على الأصوات، مادامت العملية الانتخابية عملية إقناع وقتية من أجل نتائج فورية ومن ثم أكون «سعادة النائب». فهل يحق لي عزيزتي أن أتقدم بطلب ترشحي لمجلس النواب؟!!
صديقتك من بنات أفكارك
الآنسة «ن»
وقفت مشدوهة وفي حيرة من تلك الرسالة.. أكاد لا أصدق أن بنت أفكاري «ن» قد سبقتني لمثل هذا التحليل والتفنيد والفحص، وأكاد لا أملك إجابة أقدمها لها سوى: «سأعمل بإيصال مقترحاتك المتأخرة للحكومة، أتطلع لتحقيق ما تفضلتي باقتراحه، وأن تتعاطى معه الحكومة، بل كلي يقين بذلك، ولكن إلى ذلك الحين.. فإنك تملكين عزيزتي حق الترشح لعضوية البرلمان، عفواً بل تملكين حق التمتع بحقوق البرلمانيين وقد أصبحت منهم».
هذه الرسالة.. كان يجب أن تكون سرية وخاصة بيني وبين صديقتي.. ولكنني نشرتها عملاً بما جاء في افتتاحية دستور مملكة البحرين السامية لجلالة الملك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة: «المستقبل والعمل له، رائدنا جميعاً في المرحلة القادمة». وقد بذلت ما بوسعي.. على أمل أن يكون المستقبل أكثر إشراقاً.
عزيزتي فاطمة..
تحية طيبة وبعد،
افتقدتك وصديقاتي الأخريات كثيراً في الآونة الأخيرة، وقد حاولت أن أجد لك أمامهن كثيراً من الأعذار وقد نجحت، بعد أن انخرطت ذهنياً في مجالك، وتعرفت على حجم انشغالاتك.. أما بعد، فقد راودتني فكرة لطالما شغلت ذهني مؤخراً، ويبدو أن العدوى قد انتقلت إلي عزيزتي، وتولعت بالسياسة حتى جاء اليوم الذي أكتب فيه رسالتي الأولى من نوعها في هذا المجال.
«أقسم بالله العظيم.. أن أكون مخلصةً للوطن والملك، وأن أحترم الدستور وقوانين الدولة، وأن أذود عن حريات الشعب ومصالحه، وأن أؤدي أعمالي بالأمانة والصدق». أنا مواطنة بحرينية، واعذريني.. لكن لا شأن لك منذ متى، وها أنذا أديت اليمين، أجيد لغتي العربية «الأم» بطلاقة تحدثاً وقراءةً وكتابة، وسيكون سني يوم الانتخاب قد تجاوز الثلاثين سنة ميلادية بأيامٍ قلائل، متمتعة بكافة حقوقي المدنية والسياسية.
عزيزتي.. أيكفي هذا لدخولي البرلمان؟! أيكفي هذا لأن تضعوا مصير بلادكم ومصيركم في يدي بغض النظر عن أيديولوجيتي وثقافتي وعلمي وخبراتي وكثير من الأشياء؟ أيكفي لأن أشرع من القوانين -مع رفاقي البرلمانيين الذين لا يفضلونني بشيء ربما- حسبما أشاء، أو حسبما نشاء؟!
إن أردتي الحق.. ولعلمي بأنك ستكتمين السر، لطالما حلمت بمكانة رفيعة، ومرتب شهري عال، وسيارة فارهة، وبتقاعد «محترم»، لطالما تمنيت أن أحقق شهرة لنفسي، فيحترمني الناس وتملأ صوري صفحات الجرائد والمجلات، وإني كما تعلمين لا أفقه من العلم شيئاً، ولست من أصحاب الشهادات، وليس لدي من الحرف اليدوية ما يعينني على الكسب، أما أبواب الوظائف فهي حتماً مغلقة في وجهي، لذا قلت لعلي أجد لي وظيفة في البرلمان «عضواً بمجلس النواب».
ولكني عزيزتي.. أود بعد أن أنتهي من دورة الأربع سنوات، أقصد «مشروع العمر»، أن تتبني فكرة وضع معايير حقيقية لمن يتقدم بطلب ترشح لعضوية مجلس البرلمان، فما أفعله اليوم قد تفعله الغالبية العظمى ممن وصلت لتلك الكراسي، وقبل أن تتهميني بشيء لاحظي كلمة «قد» فأنا لا أتهم أحداً البتة، غير أني أمنحك فرصة تقديم إجراء وقائي تستفيد منه بلادك، فإني أعلم علم اليقين أننا إجمالاً ننتمي لبلدان انتهجت دراسة الحلول بعد وقوع مصائبها بحثاً عن علاج، وتطول الدراسة لتستفيق على موت مريضها، ولعل الوقاية لم يصل إليه علم بلادنا بعد، ولكن لا ضير عزيزتي من المحاولة.
أقترح وضع معايير جادة للمتقدم بطلب الترشح لعضوية مجلس النواب، وتتلخص في أن يكون من حملة الشهادات العليا وما يعادلها من شهادات أخرى، أو من حملة الشهادات ذوات الامتياز مثل الطب وما شابه، ويمكن القبول بشهادة البكالوريوس كحد أدنى إذا ما حقق إنجازات حقيقية واستثنائية لمصلحة البلد من خلال عمله في القطاع الحكومي أو الخاص أو الأهلي أو الشخصي بصورة مثبتة ونتائج بينة. وفي ذلك لابد من تيقظ مجلس التعليم العالي من جودة الشهادات في الدراسات العليا لكي لا تكون شهادات تجارية وتباع من تحت الطاولة بأثمانٍ متفاوتة.
أقترح أيضاً النظر للمنظمات الأهلية عموماً بحذر، ومنع أعضاء أي جمعية سياسية أو خيرية ثبت علاقتها بالخارج من الترشح لعضوية مجلس النواب، بل إن يمنع كل من انضم لجمعية دينية أو خيرية في تاريخه من العضوية، ويتبع ذلك منع كل من عمل خطيباً أو إماماً أو سبق له أن تبوأ منصباً دينياً ما في الدولة، وذلك لما تمنحه تلك العضويات والمناصب من كاريزمية خاصة عنوانها «الدين»، وليس ذلك نكاية في الدين أو استبعاداً له عن «مركز عمليات التشريعات»، وإنما للنأي بالمتشدقين باسم الدين والمتوارين خلف أستاره عن تشويه صورته وتضييع البلد في آن.
كما أقترح عزيزتي أن يجتاز المتقدم لعضوية المجلس دورات تدريبية شاملة ومكثفة في السياسة، والتشريعات، والإعلام، ومهارات التعامل مع وسائل الإعلام، والعلاقات العامة، والإدارة، والمناظرة، وإلقاء الخطاب، والاتيكيت، بل وحتى في التزام الزي الرسمي المناسب، نظراً لاعتباره واحدة من واجهات البلد الإعلامية والتشريعية. كما يجتاز عدداً من الامتحانات المتعلقة بمهارات التحليل السياسي وتحليل الخطاب الإعلامي، وإدارة الأزمات، وكذلك في المعلومات العامة وتاريخ مملكة البحرين والمنطقة. لكي لا نضطر لأن نقول لنوابنا الأعزاء ممثلي الأمة، يوماً ما «فشلتونه».
هذا بعض ما أردت اقتراحه عليك عزيزتي، لتقدميه نيابةً عني بأسلوب صحافي أنيق للحكومة، ولأنني في بلد بيروقراطي، فإني على يقين أن رسالتي ستصلك متأخرة بعد أن تجد لها مكاناً في ساعات يقظتك للتوقيع على الاستلام، ثم ستظل مهملةً على مكتبك الذهني الذي لم يعد يتسع إلا لتنفيذ ما تظنين أنه السبيل لتحقيق طموحك اللامتناهي، وعندما تقررين أن تقرئيها في إحدى لحظات الملل النادرة التي تعتريك ستكتشفين أني تحت قبة البرلمان، أطلق من التشريعات ما يستفز قلمك على الكتابة يومياً، لتجدي أني أسديت لك فضل البقاء في عالم الصحافة. وبعد أن تستفيقي عليك إعادة تقديم مقترحاتي للحكومة.. حينها سيكون فات الأوان على دورتنا، فضعي من المعايير ما تشائين طرحها على الحكومة للمرة المقبلة.. أعرفت عزيزتي الآن كم أنك بيروقراطية حتى في أهم الأشياء، حتى فيما يتعلق بالمصير؟
اسمحي لي عزيزتي فطريق الوصول للبرلمان قصير، أولم تقولوا دائماً: «إن حبل الكذب قصير»، إنه هو، لذا سأكون منذ اللحظة أول الناعقين والمتبجحين والمتفذلكين والمتسلقين، سأكون من الشعراء الذين استتبعوا الغاوين، سأكون ما أكون، غير أني بطريقة أو بأخرى وبكل الحيل المتاحة سأقنع بي الجمهور، وسأحصل على الأصوات، مادامت العملية الانتخابية عملية إقناع وقتية من أجل نتائج فورية ومن ثم أكون «سعادة النائب». فهل يحق لي عزيزتي أن أتقدم بطلب ترشحي لمجلس النواب؟!!
صديقتك من بنات أفكارك
الآنسة «ن»
وقفت مشدوهة وفي حيرة من تلك الرسالة.. أكاد لا أصدق أن بنت أفكاري «ن» قد سبقتني لمثل هذا التحليل والتفنيد والفحص، وأكاد لا أملك إجابة أقدمها لها سوى: «سأعمل بإيصال مقترحاتك المتأخرة للحكومة، أتطلع لتحقيق ما تفضلتي باقتراحه، وأن تتعاطى معه الحكومة، بل كلي يقين بذلك، ولكن إلى ذلك الحين.. فإنك تملكين عزيزتي حق الترشح لعضوية البرلمان، عفواً بل تملكين حق التمتع بحقوق البرلمانيين وقد أصبحت منهم».
هذه الرسالة.. كان يجب أن تكون سرية وخاصة بيني وبين صديقتي.. ولكنني نشرتها عملاً بما جاء في افتتاحية دستور مملكة البحرين السامية لجلالة الملك المفدى حمد بن عيسى آل خليفة: «المستقبل والعمل له، رائدنا جميعاً في المرحلة القادمة». وقد بذلت ما بوسعي.. على أمل أن يكون المستقبل أكثر إشراقاً.